وكما توقعت استطلاعات الراي تقدم رجل تركيا القوي بفارق كبير على منافسيه في الجولة الاولى من الانتخابات التي جرت للمرة الاولى بالاقتراع العام المباشر بحصوله على نحو 52% من الاصوات.
وحصل مرشح حزبي المعارضة الاشتراكي الديموقراطي والقومي اكمل الدين احسان اوغلي استاذ التاريخ المرموق الذي تولى قيادة منظمة المؤتمر الاسلامي على 39% من الاصوات فيما جمع مرشح الاقلية الكردية صلاح الدين دمرتاش اكثر من 9%.
ورغم انه بعيد عن المد الكاسح الذي توقعته بعض استطلاعات الراي فان هذا الفوز يشكل نجاحا لاردوغان الذي ينضم بذلك الى مؤسس الجمهورية التركية الحديثة والعلمانية مصطفى كمال باعتبارهما اكثر القادة تاثيرا في تاريخ تركيا الحديثة.
الرئيس المنتخب لم يخف ابدا رغبته في وضع يده على السلطة التنفيذية من خلال تعزيز صلاحيات منصب رئيس الدولة الذي لا يزال حتى الان منصبا فخريا الى حد كبير.
وقال اردوغان وهو يدلي بصوته ظهر الاحد في مدرسة على الضفة الاسيوية لمدينة اسطنبول ان “الرئيس المنتخب والحكومة المنتخبة سيعملان يدا بيد”.
وعقب معرفة النتائج النهائية توجه رئيس الوزراء الى مسجد ايوب سلطان في اسطنبول لاداء الصلاة كما كان يفعل السلاطين العثمانيون قبل اعتلائهم عرش السلطنة العثمانية كما عرضت قنوات التلفزيون التركية.
وقال اردوغان امام المئات من انصاره الذين تجمعوا امام المسجد “اشكر كل الذين عملوا على تحقيق هذه النتيجة” مضيفا “ليكن الله في عوننا في هذا الطريق”.
ومن المقرر ان يلقى رئيس الحكومة كلمة طويلة مساء الاحد من شرفة حزبه العدالة والتنمية.
لم يكن من المفاجىء ان يتغلب اردوغان بسهولة على منافسيه في ختام حملة انتخابية طغى عليها كليا بخطبه النارية وبالقوة المالية الضخمة لحزبه وسيطرته على وسائل الاعلام الوطنية.
واعلن كل من احسان اوغلي ودمرتاش هزيمته لكنهما نددا بحملة “غير عادلة” و”غير متناسبة” لمنافسهما.
اردوغان، الذي ما زال يحظى بشعبية كبيرة رغم الانتقادات والفضائح، تمكن من تعبئة انصاره بكثافة.
في المقابل لم يتمكن احسان اوغلي سوى من اعطاء صورة الرجل الطيب الحكيم لكن بلا تاثير او بريق وبذلك لم يتمكن من احداث صحوة “الجماهير الصامتة” التي كان يعول عليها. ايضا مرشح الاقلية الكردية النائب صلاح الدين دمرتاش المحامي صاحب الابتسامة الجذابة البالغ من العمر 41 عاما لم ينجح في استقطاب اصوات من خارج هذه الاقلية المؤلفة من 15 مليون كردي.
زاهيد وهي ممرضة متقاعدة في الثانية والخميس قالت لفرانس برس وهي تدلي بصوتها في مكتب بحي سيسلي “اخترت اردوغان لانني اعتقد انه الزعيم الوحيد القادر على قيادة البلاد بشكل سليم” مضيفة “لقد اطعم الفقراء واهتم بامر العديد من المهمشين في مجتمعنا”.
في المقابل قالت مليح كوجاك وهي طبيبة في الاربعين لدى خروجها من مكتب تصويت في حي بشيكتاش باسطنبول “انني هنا حتى لا يتم انتخاب اردوغان”، مضيفة “لكن للاسف نعلم بالفعل انه سيكون الرئيس”.
المفارقة هي ان فوز اردوغان ابن احد احياء اسطنبول المتواضعة يأتي بعد سنة بالغة الصعوبة.
ففي يونيو 2013 نزل ملايين الاتراك الى الشارع للتنديد بنزعته الاستبدادية الاسلامية ليهتز نظامه بقوة. لكن اردوغان نجح في خنق هذا التمرد بقمع قاس اضر بصورته كرجل ينادي بالديموقراطية.
وفي الشتاء الماضي اندلعت فضيحة فساد مدوية غير مسبوقة شوهت سمعة الحكم وطالته شخصيا. وندد اردوغان ب”مؤامرة” دبرها حليفه السابق الداعية الاسلامي فتح الله غولن قبل القيام بحملة تطهير في جهازي الشرطة والقضاء وشبكات التواصل الاجتماعي غير آبه بسيل جديد من الانتقادات الموجهة اليه.
ورغم كل ذلك حقق رجب طيب اردوغان فوزا كاسحا في الانتخابات البلدية التي جرت في مارس الماضي وحافظ على شعبيته الكبيرة في بلد تمكن فيه من غل يد الجيش الذي قام باربعة انقلابات عسكرية في خلال نصف قرن.
وفي عهده سجل الاقتصاد التركي فترة نمو قوي استفادت منه بشكل كبير الغالبية المتدينة والمحافظة.
واستنادا الى هذا الدعم، ينوي اردوغان، المرغم على ترك منصبه كرئيس للوزراء في الانتخابات التشريعية لعام 2015، الاحتفاظ بمقاليد السلطة في تركيا من موقع الرئاسة وربما حتى 2023 السنة التي تحتفل فيها البلاد بذكرى مرور مئة عام على قيام الجمهورية.
الا ان رغبته المعلنة في تعديل الدستور لتعزيز صلاحيات رئيس الدولة تثير بالفعل الانتقادات والمخاوف من سلطة “استبدادية” وعدت المعارضة بالتصدي لها بكل قوة.
واعتبر الاستاذ الجامعي ضياء ميرال في جامعة كامبريدج البريطانية انه “لاسباب عديدة فان الصعوبة الرئيسية التي تواجه اردوغان ليست في الفوز بالرئاسة وانما فيما سيليها” مضيفا ان “مستقبله السياسي يتوقف الى حد كبير على الطريقة التي سيتمكن بها من المحافظة على سلطته على حزب العدالة والتنمية”.