زيارة الرئيس المصري للجزائر:
“إن الغرض من زيارتي للجزائر هو التوصل إلى رؤية متوافقة للمصالح والتحديات المشتركة التي تواجه البلدين والمنطقة”. هذا ما قاله الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي في خطاب له بالجزائر بمناسبة أول زيارة رسمية يقوم بها خارج بلده متم الشهر الأخير. فالجزائر ومصر على حد سواء تتقاسمان حدودا طويلة مع ليبيا التي كانت مرتعا لعنف مميت منذ الاطاحة – المدعومة من حلف شمال الاطلسي- بنظام الدكتاتور معمر القذافي في عام 2011. كما أصبحت – ليبيا- متناثرة بالأسلحة وملاذا للجهاديين عبر منطقة الصحراء.
تجربة الجزائر مع الجماعات الإسلامية:
وعلى الرغم من إنخفاض الاضطرابات المميتة بالجزائر التي عانت من ويلات حربٍ أهلية، في العشرية السوداء، يقدر ضحاياها بمائتي ألف قتيل، فجرها انقلاب عسكري نفذه الجيش الجزائري، بمباركة فرنسية، وألغى، على أساسه، نتائج الانتخابات التشريعية التي أفرزت فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية سنة 1991، إلا أن تنظيمات جهادية بالجزائر لا تزال ناشطة في ظل حكم بوتفليقة. ومنذ أن أطاحت انتفاضات الربيع العربي بالطغاة في جميع أنحاء المنطقة، كانت الجزائر عرضة بشكل متزايد لهجمات مسلحة من كل من مالي وليبيا المجاورتين، ما يتعين على البلدين (مصر والجزائر) العمل معا بشأن عدد من القضايا خاصة مشكلة الإرهاب الأمر الذي يتطلب تنسيق المواقف.
دور الجزائر في إسترجاع مصر لعضويتها بالإتحاد الإفريقي:
زيادة على تحديات المخاطر الأمنية بمنطقتي شمال افريقيا والساحل والصحراء، فمن دوافع الرئيس السيسي للقيام بهذه الزيارة إلى الجزائر وليس إلى غيرها -المغرب مثلا- هو دور الجزائر في عودة مصر إلى الإتحاد الإفريقي الذي لم يعد يعني المغرب في شئ، فالجزائر لها دور مهم فى عودة مصر للاتحاد الأفريقى خصوصا أنها من أهم الدول المحورية فى القارة الإفريقية وقوة اقتصادية كبيرة والمنتج الأول فى القارة السمراء للغاز الطبيعى وتمتلك الكثير من الموارد الطبيعية وتحتل رتبة مهمة من حيث احتياطى النفط العالمى، السيسي يقوم كذلك بزيارة شكر لدور الجزائر في عودة مصر إلى الاتحاد الإفريقي، مع أن العودة إلى أنشطة الاتحاد ليست إنجازا عظيماً، كما يمكن اعتبار زيارة الرئيس أيضا مناسبة لتهنئة عبد العزيز بوتفليقة على توليه الحكم لفترة رئاسية أخرى في الجزائر.
خطاب السيسي أمام ممثلي الدول الأعضاء خلال القمة الأفريقية:
مصر تعود الى إفريقيا بقوة وثبات بعد عام كبيس من تعليق عضويتها فى الاتحاد الأفريقى.. هذا ما أكدته الجولة الأفريقيه المهمة الأولى التي قام بها الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسى إلى 3 دول افريقية فى مقدمتها الجزائر ثم غينيا الاستوائية وليختمها بالسودان.
كانت مشاركة مصر فى قمه الاتحاد الإفريقى فى غينيا الأستوائية بمثابة قيام مصر بفتح صفحة جديدة فى علاقاتها الافريقية.. وهذا ما كشفت عنه المباحثات المهمة التى أجراها الرئيس السيسى فى العديد من الملفات الشائكة التى كانت تؤثر سلبا على علاقات مصر ببعض الدول وفى مقدمتها أزمة سد النهضة والتعاون والتنمية مع عدد من الدول الافريقية وعودة الدور المصري فى افريقيا.
زيارة وزير خارجية المغرب للقاهرة ولقاء السيسي:
نقل صلاح الدين مزوار للرئيس السيسي تحيات وتقدير الملك محمد السادس ومتمنياته لمصر دولة وشعبًا، بكل الخير والتقدم والازدهار، كما نقل دعمه الكامل لمصر ولكل ما يرتبط بتحقيق استقرار ورفاهية الشعب المصري، وتطلع المغرب لاستمرار التنسيق والتعاون بين الجانبين، ولا سيما من خلال عقد اللجنة العليا المشتركة بينهما، وتفعيل دور القطاع الخاص، وبناء شراكة جديدة بين البلدين. لكن مواقف الساسة في المغرب مختلفة بشأن مصر. فحزب العدالة والتنمية المغربي (الحزب الحاكم) يرفض فوز السيسي في مصر بسبب علاقات هذا الحزب مع جماعة الإخوان المسلمين، والتي هي في الواقع قوية! وقد رحب المغرب بفوز المشير عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية في 26 مايو، وأرسل وزير خارجيته، صلاح الدين مزوار لتمثيل البلاد في حفل تنصيب رئيس جمهورية مصر الجديد. بيد أن هناك موقف فيما يتعلق بحزب المصباح (حزب العدالة والتنمية) وله رأي آخر! في الواقع، لا يزال حزب العدالة والتنمية لم يتبن أي بأي موقف رسمي بخصوص الوضع في العربية المصرية، مع العلم أنه وفقا لبعض المصادر الإعلامية، أن قيادات من الحزب حضرت لقاءات عقدتها بعض الأحزاب السياسية الإسلامية في عدد من عواصم العالم، من أجل تأكيد عدم شرعية الانتخابات المصرية، والإخلاص المستمر للشرعية و الاحترام للرئيس المصري المخلوع محمد مرسي!
المغرب إذن بعث وزير خارجيته فقط لتهنئة السيسي في حفل تنصيبه، مما يدل على موقف المملكة من الأحداث التي هزت مصر في العام الماضي. وبالتالي، كان بيد الملك محمد السادس الاختيار بين عدة خيارات. حضور حفل تنصيب السيسي بنفسه، الشيء الذي يمكنه أن يجسد الاعتراف التام والكامل بنتائج انتخابات 26 ماي ما أدى إلى الإطاحة بمحمد مرسي من قبل الجيش؛ ومع ذلك، فإن الشعب المغربي له آراء متباينة بهذا الشأن، قرر الملك عدم الذهاب بنفسه وعدم تكليف الأمير مولاي رشيد، كما جرت العادة بل اكتفت الدولة المغربية بحضور وزيرها في الخارجية ما يمكن ان يقلل من حجم دعم المغرب للتغيير الذي تشهده مصر بقيادة الريس عبد الفتاح السيسي.
السوال المطروح هنا هو أي مستقبل للقيادة المغربية بإفريقيا في ظل السياسة الاستباقية التي تنهجها الجزائر في منطقة شمال افريقيا و الساحل جنوب الصحراء؟