الملك محمد السادس يوجه خطابا إلى الأمة بمناسبة الذكرى ال49 للمسيرة الخضراء
من هذا الذي تجرأ على الحسين المجدوبي، من هو هذا الذي شكك في وطنيته و خَوَّنَهُ واعتبر ما كتبه مؤامرة تمس وحدة التراب واستقرار المغرب؟ من هو هذا الرفيق الصغيور little brother الذي يكتب بعقلية الرفيق الأكبر big brother الستالينية وتتلمد في مدرسة بني كلبون الباڤلوڤية؟ من حق الحسين أن يكتب ما شاء و لا أحد له الحق في منعه من الكتابة، من حقه أن يكتب على لسان ساسة فرنسا ما يريد، وأنا أتفق مع الحسين المجدوبي على أنه من الغباء أن تهدد كتاباته وحدة التراب واستقرار المغرب، لأن المغرب أقوى من أن تهدد وحدة ترابه الوطني كتابات رجل يكتب لنفسه ولا علم للشعب به، وأنا لا أقرأه إلا من باب فضول قبيلة الصحفيين لمعرفة المعروضات في سوق الخبر ليس إلا.
أما المسألة الحقيقية فهي “ظاهرة كَرَزَاياتْ ” التي ابتليت بها المجتمعات وهو إشكال مطروح مادام القانون المغربي يسمح بإزدواجية الجنسية، فلا يمكن لإنسان أن يكون له ولاء لدولتين وحب لوطنين وعشق لعلمين في نفس الآن، فإما أن يكون مغربيا أو يكون شيئا آخر، وهذا لا يمنع من أن يمارس حريته في الإنتماء إلى البلد الآخر، وحتى انتقاد المغرب وانتقاد سياسته الداخلية والخارجية، ولكن كمغربي سابق لأن الإنسان لا يمكن أن يكون مطلوبا منه أن يحارب في صفوف المغرب ويحارب في نفس الآن في صفوف الآخر كيفما كان هذا الآخر حتى ولو كان صديقا للمغرب، فالآخر آخر وليس هو المغرب.
هناك الكثير من ذوي الولاء المزدوج في المغرب يأخذون مواقف تقتات من الثقافة الهامشية، لكنهم عند الآخر منغمسون في المواقف غير الليبرالية المغرقة في الشوفينية.
طريقة معالجة الأزمة الفرنسية المغربية كخبر اعتمدت على تصريحات وبيانات للأطراف المغربية والفرنسية، لكن تأطير الخبر إلى الحد الذي يصبح فيه التأطير خبرا مخدوما هو تعبير عن موقف.
إذن الأزمة لها طرفان، الطرف المغربي والطرف الفرنسي، الدولة المغربية والدولة الفرنسية، فمن جانب المغرب هي قضية دولة، فإستدعاء السفير الفرنسي وقرار وزارة العدل المغربية بتعليق التعاون القضائي ليست مبادرات شخصية لوزيرين في الحكومة المغربية، بل هو قرار سيادي للدولة المغربية لأن السفارة التي توجه لها فيلق البوليس الفرنسي هي سفارة المغرب، كل هذا يفيد أن المسألة تتجاوز الشخص أيا كان هذا الشخص لأن الطريقة التي تم بها تدبير مسطرة تحريك الدعوى هي طريقة مست مجال تخصص ثلاثة قطاعات وزارية فرنسية، وزارة العدل، و زارة الداخلية التي أرسلت الشرطة و وزارة الخارجية المعنية بإحترام الإتفاقيات الدولية حول البعثات الدبلوماسية.
تعامل المغرب بمنطق الدولة مع هذه القضية لم تحتج عليه فرنسا بل بالعكس سعت إلى توفير كل الأجوبة الممكنة عبر القنوات الدبلوماسية و الإتصالات المباشرة بين قائدي البلدين.
رد فعل المغرب في المرحلة الحالية كان مركزا على الشكل وعلى الجانب المسطري، هذا الأمر ظهر أنه لم يعجب المجدوبي أو ربما أصحاب المجدوبي، لهذا كان التركيز ليس على طبيعة رد فعل المغرب كدولة بل على سياقات لشخصنة الموضوع، فالصراع ليس بين المغرب وفرنسا بل هو صراع بين شخص يشغل مسؤولية عامة والقضاء الفرنسي بصيغة تستكثر على المغرب موقفه كدولة والترويج بأن الدولة اتخذت موقفا صارما في قضية مدير عام الديستي ولم تتخذ قرار مماثلا في قضية القائد العام للدرك الملكي، وهو كلام غير موجه إلى الدولة بل موجه إلى الرأي العام الموالي للدولة، انظروا كيف تتعامل الدولة، انظروا كيف تحابي هذا الشخص ولم تتعامل بنفس درجة رد الفعل مع شخص آخر عاش قضية مماثلة منذ سنوات خلت.
هذا الموقف المشخصن له دوافع سيأتي اليوم الذي نكشفها بتفاصيلها الصادمة، فالذي ينتصر لمنطق الدولة والمغرب في الدفاع عن مصالحه الإستراتيجية هو ستاليني صغير، لأن المنطق الآخر هو القبول بمبدأ العدالة الكونية وبإختصاص القضاء الفرنسي للبت في شكاية الإنفصالي والبزناس والبوكسور، وأن يقبل سفيرالمغرب تسلم الإستدعاء مباشرة من القاضي الفرنسي و يتصل بالتلفون كمنتدب قضائي ويطلب من المسؤول المغربي الحضور فورا إلى فرنسا امتثالا لأمر قضائي فرنسي، وما على الإعلام المغربي إلا القبول بهذا الأمر المستصغر والترويج لفدلكة استقلال القضاء الفرنسي واستقلال النيابة العامة في فرنسا، استقلالهم بالشكل الذي لا يتقيد فيه قاضي التحقيق بالتطبيق السليم للقانون الفرنسي وبعدم الإلتزام بالإتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدولة الفرنسية من خلال سلطتها التشريعية.
حتى لا تصبح big brother عليك أن تقول على لسان المجهول أن المغرب يتفاوض مع فرنسا لتفادي مذكرة اعتقال في حق مسؤول مغربي، وعليك أن تقول على لسان المجدوبي ” والله لا فلت منها” و “راه غادي يتشد” والدولة المغربية “كان عليها مديرش هاد الموقف” و”شكون هو هادا اللي دايرين عليه هادشي وبغيتو ترجعوه بطل قومي” وما إلى ذلك من الكلام المشخصن الذي يقفز على عمق الأشياء.
فالدولة المغربية عندما اتخذت مواقف بعينها اتخذتها ليس لحماية شخص بعينه ولكن لحماية سيادتها وتوفير الحماية الدبلوماسية لمواطن مغربي قبل أن يكون مسؤولا.
شخصنة المعركة هل يلعب فيها الحسين المجدوبي دور اللاعب الرئيسي أو الأداة الإعلامية؟ هو سؤال سوف تجيب عنه الأيام عندما تتساقط أوراق التوت عن الخيط الناظم، وهي معركة لم تكن يوما معركة المغاربة ولا حتى جزء من المغاربة الذين لهم رؤية مناقضة لرؤية المخزن للأشياء، وتسيير الشأن العام، بل هي معركة بمنطق ” نْلْعَبْ مْعَاكُمْ وْلاَ نْحَرَّمْهَا ” وعليكم أن تسمحوا لي بإختيار لاعبيكم الذين سوف أتبارز معهم حتى أضمن لنفسي شروط المبارزة التي أرتضيها لكم.
المغرب دولة قبل أن يولد الحسين يزي وحتى الحسين المجدوبي، والقرارات السيادية للمغرب تمليها أولا المصالح العليا للمغرب وحسابات الربح والخسارة من منظور مغربي صرف فالمعركة ضد الإنفصال هي معركة كل المغاربة، والمعركة ضد الإرهاب هي معركة كل المغاربة والمعركة ضد المخدرات هي معركة بناء إقتصاد مغربي سليم خال من دوپاج التبييض، وهي معركة كل المغاربة الذين يؤمنون بالتقدم، والمعركة ضد اقتصاد الريع هي معركة كل الذين يؤمنون أن جزءا من الزمن الماضي سواء كان الطالب أو المستفيد “بوكسورا” مشهورا أو سائق طاكسي مغمور.
للجزائر حساباتها ولفرنسا حساباتها وللمغرب حساباته، ولكل أن يختار أي الحسابات يفيد، فالمعركة من أجل تطوير الممارسة الديمقراطية داخل المغرب هي معركة لا تعني إلا المغاربة، و الكونية عندما تستفيد من عائداتها السياسية و الدبلوماسية و الإقتصادية أقوام بعينها، ترتهن للجغرافيا و لا تفيد المطلق الكوني، و لنا و للحسين المجدوبي أن نختار أي الحسابات نفيد، و لن أنتصر يوما إلا للمغرب فله الولاء الأول والأخير ومن أجله تحيا الرجال، والكلمة الفصل للمغاربة ومن حق أي كان من المغاربة له مشروع مجتمعي أن يناضل من أجله داخل المغرب لا أن يتدثر بـ”الباسبور لحمر” ويتخندق مع “السمايرية”، أن “كَرَزَايْ” يبقى إلى الأبد كَرَزَايْ ولن يتمغرب يوما، وحتى الربيع العربي أسقط كل كَرَزَاياتْ لأنها نبتات غير متجدرة تعيش إلى حين وتموت عندما يريد خالقها الإعلامي أن تموت ولا تموت بإرادتها، فهي ليست لا حرة ولا مستقلة و الشعب يعرف ذلك و أصحابها يعرفون ذلك، ونتمنى للجميع طول العمر فالمغرب أعز و أبقى وإليه ترد المواقف الأقوم منها والنشاز.