القضية عادية وليست هناك مؤامرة كما ذهبت إلى ذلك مخيلة البعض، والبوليساريو ليس وراء هذه العملية، وليس هناك استهداف للزيارة الملكية إلى افريقيا. وتوالي الدعاوى وتعددها لا يعني شيئا، فهو مجرد صدفة والصدفة خير من ألف مخطط أو “بلان محبوك”. الأمر بسيط جدا، القضاء في المغرب هو قضاء فاسد وجبان (بدون كول وبان) والذين أكلوا وظهروا لا يوجد بينهم خيط ناظم يقودهم إلى نفس المنبع، فقط هناك مغاربة العالم، الذين تربوا في مناخ الحريات تضرروا ولجؤوا إلى قضاء بلدان اللجوء من أجل أن يقتص لهم حقهم.
الأمور عادية جدا، المخابرات المغربية مخابرات فاشلة ولم تستطع مواجهة مخططات البوليساريو في قلب فرنسا، الحليف التقليدي للمغرب الذي شهد مؤخرا اختراقا قاده الممثل الإسباني، ووقع له شهادة ميلاد الإختراق أحد الديبلوماسيين الفرنسيين، الذي يحمل صفة سفير فرنسا لدى واشنطن.
والقضاء الفرنسي اليوم مطالب بإصدار أحكام إدانة تعطي الدليل على فساد القضاء المغربي وجبنه وتوقّع شهادة وفاة المخابرات المغربية، وأسباب النزول موجودة. لقد أصدرت مؤخرا أوساط أوروبية صك إتهام ضد القضاء المغربي، وتقارير أكثر من منظمة دولية تدين القضاء المغربي ووضعية حقوق الإنسان في البلد، والدليل القوي هو إصلاح القضاء الذي كان موضوع أكثر من خطاب ملكي ولجنة عليا لإصلاح القضاء أعطت خلاصاتها وقالت في قضائنا ما لم يقله مالك في الخمر.
منطق جميل، قضاء فاسد وجبان، وما علينا إلا الإحتكام للقضاء الفرنسي أو غيره من الأمم. فما دام أن الربيع العربي لم يحقق في المغرب إلا دستورا معدلا وانتخابات أوصلت منبوذي السياسة والإعلام إلى الحكومة، إطلاق مجموعة أوراش إصلاحية للقضاء والإدارة والمقاصة والتقاعد، وهي أوراش لا تمشي بالسرعة المطلوبة، فما علينا إلا أن ندخل المغرب قصرا في مرحلة انتقالية يتم فيها تعطيل المؤسسات الوطنية لفائدة مؤسسات خارجية. فالقضاء نعطيه لقضاة فرنسا، وصندوق المقاصة يتكلف بإصلاحه صندوق النقد الدولي، وصناديق التقاعد يتكلف بها المكتب الدولي للشغل بجينيف، أو يشكل لجنة مشتركة مع صندوق النقد الدولي حتى تحضر وجهات النظر العمالية والمالية في الإصلاح المرتقب. أما المخابرات فالأمر سهل، فتتكفل المصالح السرية للشقيقة فرنسا بتدبر العمل الإستخباراتي في المغرب إلى حين الإنتهاء من إصلاح باقي المؤسسات المعطوبة أو المطلوب إصلاحها.
ولضمان تدبير ناجع للمرحلة الإنتقالية، فسيتكفل حزب فرنسا بالمواكبة السياسية للعملية برمتها فهو حزب قوي في المغرب، ومن شأن توليه عملية المواكبة أن نقطع مع صداع الراس واللغة المتدنية التي تستعمل في البرلمان المغربي أو في الصحافة المغربية، ونحيل على التقاعد النسبي كل الأسماء “البرزاطة” وتلتزم الصمت حتى يأذن لها سادة حزب فرنسا بالكلام ويعود المغرب إلى الأيام الخوالي ويقول لنا الترجمان ما يرتضيه لنا “مسيو لوريزيدون” و”مسيو لوجيج” و”مسيو لوكوموندا” و”مسيو لكسبير”، ويفتونا في أمر الدنيا أما الدين فنبقى على هدي خير البشرية كمسلمي فرنسا.
ألم تدخل الحماية الفرنسية للمغرب من أجل الإصلاح والتمدين، وكانت النتيجة مبهرة، أصبح لنا شوارع فرنسا في كل مكان واحتل وجهاء فرنسا أسماء شوارعنا وحملت مقاهينا ومطاعمنا أسماء مدن فرنسية، وأصبحت لدينا حانات من أروع ما يكون بعدما كنا نفترش الحصير ولا نشرب إلا الشاي و قهوة “الزيروا”، فأصبحنا نجلس على الكراسي ونستهلك خبز “الباريزيان” و”الكرواصان” و”لوبان أو شوكولا”، وقطعنا مع ثقافة المحراش والزيت البلدية وتخلف استهلاك البيصارة وأملو وأركان والعصيدة.
نحن مدينون لهم بتقدمنا، وعلينا اليوم أن نقبل أن نتحاكم أمام قضائهم المستقل، وحتى نقبل صاغرين ما يريده هذا المجهول الذي لن نسميه (حتى تسميه الأيام الآتية عندما يعرف الرأي العام في موعد قابل غير بعيد ما سيكون صادما لنا كمغاربة عن المجهول، صاحب الخيط الناظم لما يحدث وسيحدث )، وبعدها سيتبين الغث من السمين والمعدن الأصيل من المعدن المغشوش، ولن يقرر في الأمر إلا المغاربة وربنا فعّال لما يريد. فعلينا أن نستهلك ما يقال في إطار المواكبة أن مغاربة العالم يبحثون عن العدالة الدولية ، وعلينا أن نستهلك ونصدق أن القضاء الإسباني الرائد في العدالة الدولية أصدر مذكرة اعتقال دولية في حق الرئيس الصيني، وأن القضاء الإسباني طلب من نظيره الأمريكي الإستماع إلى الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، لأن القضاء الأمريكي يبقى هو المختص وطنيا في البحث في الشكاية التي رفعها مغاربة اسبانيا الذين كانوا في ضيافة البانتاغون في معسكر غوانتانامو، وإذا تلكأ القضاء الأمريكي فالقضاء الإسباني سوف يصدر أمرا دوليا بإعتقال الرئيس جورج بوش.
علينا أن نهضم هذه المعلومة جيدا وألا نقول أن البرلمان الإسباني عدل القانون الذي يعطي الحق للقضاء الإسباني بإسم العدالة الدولية البحث في اسبانيا في قضايا حدثت خارج ترابها، وأن هذا الكلام خاطئ جدا، علينا أن ننسى أن الرئيس السوداني البشير كان مطلوبا دوليا للعدالة الجنائية من أجل جرائم ضد الإنسانية لكنه بمجرد ما سلم جنوب بلده إلى الحركات الإنفصالية التي أنشأت فيه دولة سمتها جنوب السودان نسي سادة العالم أنه مطلوب دوليا، بل الأكثر من هذا شجعوه على القيام بوساطة بين الأطراف المتناحرة في دولة جنوب السودان ومنذ أن رضي البشير بإقتسام السودان والتفريط في سيادته تعطلت العدالة الدولية.
فغدا عندما يتحرك ابن بلادن البكر، المتزوج من اسبانية أعطته الحق في الحصول على الجنسية الإسبانية ويتقدم بشكاية ضد الرئيس الأمريكي باراك أوباما من أجل اغتيال والده الذي باغتته القوات الأمريكية، وهو مقيم فوق الأراضي الباكستانية الدولة المستقلة ذات السيادة عندما كان نائما مع زوجاته، وأفرغت فيه عشرات الطلقات النارية بدون أن تعتقله وتقدمه إلى العدالة الجنائية الدولية وتضمن له محاكمة عادلة، فإن القضاء الإسباني سوف يتحرك ليضمن حقوق الولد الإسباني لزعيم القاعدة ويعطيه على الأقل الحق في التعويض عن مقتل والده.
فنحن مطالبون كمحكومين وكرأي عام أن نقبل بمبدأ العدالة الجنائية الدولية في أوطان أخرى، وعلينا أن نستغرب رد الفعل الرسمي المنزعج من سلوك بعض المصالح الفرنسية، وأن نتفاجأ بإتصال الرئيس الفرنسي بملك البلاد فالأمر عادي ولا مبرر لهذا الإتصال.
علينا أن نقبل بأن الشرطة الفرنسية التي حضرت إلى مقر إقامة السفير الفرنسي كانت تحمل معها أمرا بالإستقدام بالقوة لمسؤول مغربي، وألا نعرف أن الناس حملوا معهم استدعاءا موجها إلى شخص بعينه على أساس أنه كان متواجدا بمقر إقامة السفير.
علينا ألا نعرف الحقيقة أن المسؤول المغربي لم يكن أصلا متواجدا في باريس وأنه لم يكن مرافقا لوزير الداخلية، علينا ألا نعرف أن طلب الحضور من أجل الإستماع لا يعني الأمر بالإستقدام ، علينا أن نستهلك الخبر الزائف بأن المسؤول المغربي تم احتجازه في باريس لساعات في إطار الأمر بالإستقدام.
علينا أن ننسى أن العلاقات القضائية بين المغرب ومستعمرته السابقة فرنسا تحكمها اتفاقيات ومعاهدات دولية تنظم التعاون القضائي بين البلدين.
علينا أن نتنبه إلى أن الشكاية الموضوعة لدى القضاء الفرنسي لا تتحدث عن شخص بعينه وإنما تتحدث عن وقائع، وأن الطرف المدني لم يطلب الإستماع إلى شخص بعينه وإنما طلب الإستماع إلى “الذين أصدروا الأوامر”، ولأن صاحب الخيط الناظم يعرف الحقيقة فهو لا يريد المسؤول الذي كثر اللغط حول كونه موضوع الإستدعاء، فهو يريد الذي يريد لكن الأمور ذهبت إلى حيث لا يريد.
وقابل الأيام عندما تنضج ظروف “اللي ليها ليها” وتسمى الأشياء بمسمياتها ويستوي منطق “كبرها تصغار”، سَيُكْشَفُ ما سيكون صادما للمغاربة، وحينها للمغاربة أن يتابعوا إذا كان للخيط الناظم “شي وجه صحيح” حتى يولي وجهه جهة المغرب وتعود الأمور إلى حيث يجب أن تكون.
لكن الخيط الناظم لا يريد للعقول أن تعمل، يريد زمن الضباع الذي يستهلك فيه الضبع حكاية بزناس، وبوكسور يعشق زمن الريع والإبتزاز، ويعرف أين تؤكل كتف الخيط الناظم الذي بلغ سخاؤه حد البله ويتصور أن الضباع الشرهة لا تبحث إلا عمن يدفع أكثر.
فماذا غدا، لو تولى خيط ناظم مضاد أمر الضباع وخرجت (الضباع المستأسدة) للإعلام الدولي وفضحت المستور.
فلننتظر مفاجآت، لأن الولاء للمغرب أقوى وأبقى، وضباع اليوم لن تبقى ضباعا غدا، فقد تستأسد على ناظمها كما تساقطت من قبل أوراق خريف الخيط الناظم، وكشفت المستور بتفاصيله، وإن بقيت حتى اليوم في ثلاجة الأسرار، وعند “الفورة يبان البرهان”.