ذكرى المسيرة الخضراء: ملحمة خالدة في مسار تحقيق الوحدة الترابية
من أعالي جبال بيروت تستمر سيمفونية فيض الخاطر لنجمنا الكبير والمتألق “مارسيل خليفة”، سيمفونية تعزف على أوتار عود شجرة الأرز، فترسل نغمات صادقة كلها يقين وأمل.
لكل شيء بداية ونهاية، وأجمل ما في البدايات هو ما تحمله إلينا من جديد، وأروع ما في النهايات هو أن تكون مسكا. وقد آن الأوان لنهاية هذه السلسلة المليئة بالجديد عن رؤى رائد الفن الملتزم حول مجموعة من المواضيع ذات الشأن الفني والموسيقي والعربي..
أكورا بريس تقدم لكم الحلقة الأخيرة من حديث الفنان مارسيل خليفة:
مارسيل خليفة يتحدث عن التطور الذي عرفه المجتمع العربي.. ويعترف بأن: «الْمُوسِيقَى هِيَ أَبْطَأُ ٱلْفُنُونِ فِي مُطَابَقَتِهَا لِلْوَاقِعِ».
يقول الفنان مارسيل:
الْمُجْتَمَعُ ٱلْعَرَبِيُّ تَغَيَّرَ خِلالَ ٱلْخَمْسِينَ سَنَةً ٱلْمَاضِيَةَ، بَيْنَمَا ٱلْمُوسِيقَى ٱلْعَرَبِيَّةُ لَمْ تَتَطَوَّرْ بِنِسْبَةِ هٰذَا ٱلتَّغَيُّرِ ٱلَّذِي حَدَثَ بِأَعْمَاقِ ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْعَرَبِيِّ.
إِذَا كَانَ “سَيِّد دَرْوِيش” مَثَلاً، مُتَصَوِّرًا رِسَالَةً فَنِّيَّةً مُعَيَّنَةً بِوَعْيٍ مِنْهُ أَوْ بِغَيْرِ وَعْيٍهٰذِهِ ٱلرِّسَالَةُ لَمْ تُحَقِّقْ لِلْيَوْمِ أَهْدَافَهَا مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ ٱلأَشْيَاءِ وَٱلأُمُورِ قَدْ تَغَيَّرَتْ مِنْ عَهْدِ “سَيِّد دَرْوِيش” لِيَوْمِنَا هٰذَا، هُنَاكَ مُهِمَّاتٌ فَنِّيَّةٌ كَثِيرَةٌ لَمْ تُنْجَزْ لِلْيَوْمِ. مُهِمَّاتٌ فَنِّيَّةٌ تَارِيخِيَّةٌ.
إِنَّ ٱلشَّكْلَ ٱلسَّائِدَ فِي ٱلْمُوسِيقَى ٱلْعَرَبِيَّةِ هُوَ شَكْلٌ غِنَائِيٌّ. وَبِٱلتَّالِي ٱلشَّكْل ٱلأَفْضَل لِتَطْوِيرِ ٱلْمُوسِيقَى ٱلْعَرَبِيَّةِ هُوَ تَطْوِيرُ ٱلأُغْنِيَةِ ٱلْعَرَبِيَّةِ وَوَصْلُهَا بِٱلْفُنُونِ ٱلْمَسْرَحِيَّةِ. لَقَدْ حَصَلَ تَطَوُّرٌ فِي ٱلشِّعْرِ، تَطَوُّرٌ فِي ٱلْفَنِّ ٱلرِّوَائِيِّ، فِي ٱلْفَنِّ ٱلْمَسْرَحِيِّ، فِي ٱلنَّحْتِ، فِي ٱلرَّسْمِ.
هُنَاكَ تَطَوُّرَاتٌ، لٰكِن فِي ٱلْمُوسِيقَى أَقَلّ بِكَثِيرٍ: «الْمُوسِيقَى هِيَ أَبْطَأُ ٱلْفُنُونِ فِي مُطَابَقَتِهَا لِلْوَاقِعِ».
هُنَاكَ قَفْزَاتٌ بِٱلنِّسْبَةِ لِلْمُوسِيقَى ٱلْعَرَبِيَّةِ لا بَأْسَ بِهَا، وَفِي نَفْسِ ٱلْوَقْتِ هُنَاكَ تَخَلُّفٌ.
الْمُوسِيقَى هِيَ مِنْ أَبْطَأ ٱلْفُنُونِ فِي ٱلتَّجَاوُبِ مَعَ ٱلْمُجْتَمَعِ وَٱلْحَيَاةِ. وَبِٱلتَّالِي لا أَحَد يَسْتَطِيعُ أَنْ يَضَعَ تَصَوُّرًا لِلْمُجْتَمَعِ ٱلْعَرَبِيِّ عَنْ طَرِيقِ ٱلْمُوسِيقَى ٱلْعَرَبِيَّةِ.
مارسيل يشرح معنى التُّرَاثُ ..
التُّرَاثُ كَلِمَةٌ عَامَّةٌ، فِي أَيِّ نَوْعٍ مِنَ ٱلْفُرُوعِ هُنَاكَ شَيْءٌ ٱسْمُهُ “تُرَاث”. فِي ٱلْفَلْسَفَةِ “تُرَاث”. فِي ٱلأَدَبِ “تُرَاث”. فِي ٱلْعُلُومِ “تُرَاث”. فِي ٱلْمُوسِيقَى “تُرَاث”.
فِي ٱلْمُوسِيقَى مُمْكِنٌ أَنْ نَقُولَ بِأَنَّ ٱلتُّرَاثَ لَيْسَ مُؤَلَّفًا وَمُكَوَّنًا مِنَ ٱلْمَادَّةِ ٱلنَّغَمِيَّةِ ٱلَّتِي وَصَلَتْنَا. وَلٰكِن أَحَدُ عَنَاصِرِ ٱلتُّرَاثِ هِيَ ٱلْمَادَّةُ ٱلنَّغَمِيَّةُ ٱلَّتِي وَصَلَتْنَا، سَوَاءٌ كَانَتْ “مَقَامَات” أَوْ أَشْكَالاً مُوسِيقِيَّةً غِنَائِيَّةً مِنْ تَرَاتِيلَ وَغَيْرِهَا أَوْ مُوسِيقى شَعْبِيَّةً.
الْمَقَامَاتُ مَثَلاً رُكْنٌ أَسَاسِيٌّ فِي ٱلتُّرَاثِ وَهْيَ ٱلَّتِي تُحَدِّدُ طُرُقَ مُعَالَجَةِ ٱلْفِكْرِ ٱلْمُوسِيقِيِّ ٱلْجَدِيدِ وَضِمْنَ أَيَّةِ خُطُوطٍ.
التُّرَاثُ ٱلْكلاسِيكِيُّ ٱلْمُوسِيقِيُّ هُوَ أَيْضًا جُزْءٌ مُهِمٌّ مِنَ ٱلتُّرَاثِ، لأَنَّهُ ٱسْتِمْرَارِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ لا نَسْتَطِيعُ ٱلتَّخَلِّي عَنْهُ.
هُنَاكَ وجْدَانٌ عَامٌّ وَحَسَاسِيَّةٌ عَامَّةٌ عِنْدَ ٱلنَّاسِ هِيَ جُزْءٌ مِنَ ٱلتُّرَاثِ.
الْحَسَاسِيَّةُ ٱلْعَامَّةُ هِيَ وَلِيدَةُ عَنَاصِرَ تَارِيخِيَّةٍ وَجُغْرَافِيَّةٍ وَنَفْسِيَّةٍ وَحَضَارِيَّةٍ، تُولَدُ عِنْدَ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ يَعِيشُونَ بِمِنْطَقَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَمُنْتَمِينَ لِحَضَارَةٍ عَامَّةٍ.
هٰذِهِ ٱلْحَسَاسِيَّةُ ٱلْعَامَّةُ هِيَ ٱلَّتِي تُقَرِّرُ إِذَا كَانَ هٰذَا ٱلْعَمَلُ مِنْ ضِمْنِ ٱلتُّرَاثِ أَمْ مِنْ خَارِجِ ٱلتُّرَاثِ، وَلَيْسَ شَخْصًا مُتَخَصِّصًا هُوَ ٱلَّذِي يُقَرِّرُ.
وَطَالَمَا هٰذِهِ ٱلْحَسَاسِيَّةُ هِيَ قَابِلَةٌ لِلتَّطَوُّرِ وَٱلتَّغْيِيرِ، وَقَابِلَةٌ لاِسْتِلامِ عَنَاصِرَ جَدِيدَةٍ خَاصَّةٍ فِي ٱلْعَصْرِ ٱلْجَدِيدِ.
«الثَّقَافَاتُ قَادِرَةٌ عَلَى ٱلتَّفَاعُلِ بِسُرْعَةٍ كَبِيرَةٍ، وَخَاصَّةً فِي يَوْمِنَا هٰذَا بِسَبَبِ وَسَائِلِ ٱلإِعْلامِ ٱلْحَدِيثَةِ»، فَٱلْحَسَاسِيَّةُ ٱلْعَامَّةُ هٰذِهِ تُطَوِّرُ وَتُوَسِّعُ مَدَى تَقَبُّلِ أَعْمَالِ ٱلْمُوسِيقِيِّينَ فِي مَرْحَلَةٍ مِنَ ٱلْمَرَاحِلِ.
إِنَّ ٱلتُّرَاثَ بِهٰذَا ٱلْمَعْنَى هُوَ مَفْهُومٌ مُتَحَرِّكٌ وَلَيْسَ مَفْهُومًا جَامِدًا (تَأْتِيهِ عَنَاصِرُ جَدِيدَةٌ وَتَتْرُكُهُ عَنَاصِرَ قَدِيمَةً).
لَوْ كَانَ ٱلتُّرَاثُ سَاكِنًا لَمْ يَسْتَطِعْ تَقَبُّلَ “سَيِّد دَرْوِيش” مَثَلاً. هُنَاكَ أَشْخَاصٌ يَقُولُونَ بِأَنَّ هٰذَا ٱلْعَمَلَ أَوْ هٰذِهِ ٱلظَّاهِرَةَ ضِمْنَ ٱلتُّرَاثِ أَوْ خَارِجَهُ ، وَلٰكِنَّ ٱلْحَقِيقَةَ «شَخْصٌ بِمُفْرَدِهِ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَدِّدَ هٰذَا ٱلشَّيْءَ».
طَبْعًا ٱلتُّرَاثُ بِمَعْنَى ٱلْحَسَاسِيَّةِ ٱلْعَامَّةِ ٱلْمُتَطَوِّرَةِ لَيْسَ شَيْئًا مُجَرَّدًا فِي ٱلْهَوَاءِ. هُوَ حَيٌّ. هُوَ ذَوْقُ ٱلنَّاسِ بِشَكْلٍ عَامٍّ وَذَوْقُ ٱلنُّخْبَةِ.
التَّفَاعُلُ مَعَ بَعْضِهِمِ ٱلْبَعْض يُوَلِّدُ ٱلشَّيْءَ ٱلْوَسَطَ. الشَّيْء ٱلَّذِي يقبل وَيرفض. وَٱلزَّمَنُ هُوَ ٱلَّذِي يُثْبِتُ ٱلاِنْتِمَاءَ لِهٰذَا ٱلتُّرَاثِ أَوْ رَفْضِهِ.
لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَقُولَ ٱلْيَوْمَ عِنْدَنَا أَنَّ ٱلذَّوْقَ ٱلْعَامَّ جَيِّدٌ، بِدَلِيلِ ٱنْتِشَارِ ٱلأَغَانِي ٱلسَّاقِطَةِ. وَلٰكِن هٰذَا ٱلشَّيْءُ مُؤَقَّتٌ.
فِي ٱلنِّهَايَةِ لا يَصُحُّ إِلاَّ ٱلصَّحِيح. وَٱلصَّحِيحُ هٰذَا سَيُعْطِينَا ٱلأَحْكَامَ ٱلنِّهَائِيَّةَ عَلَى ٱلأَعْمَالِ ٱلْجِدِّيَّةِ.
نَرَى مَثَلاً لا تَعِيشُ سِوَى يَوْمَيْنِ ثَلاثَة، وَيَأْتِي غَيْرُهَا.
وَبِٱلتَّالِي هٰذِهِ ٱلأَغَانِي حَتَّى لَوْ كَانَتْ ضِمْنَ ٱلْحَسَاسِيَّةِ ٱلْعَامَّةِ وَضِمْنَ ٱلْمَقَامَاتِ ٱلْعَرَبِيَّةِ، وَضِمْنَ ٱلْمُوسِيقَى ٱلْعَرَبِيَّةِ ٱلأُصُولِيَّةِ تَأْلِيفًا وَتَلْحِينًا وَغِنَاءً.
بِٱلنِّهَايَةِ لِكَوْنِهَا دُونَ مُسْتَوَى إِنْتَاجِ ٱلتُّرَاثِ ٱلْكلاسِيكِيِّ سَتَسْقُطُ حَتْمًا لِوَحْدِهَا. وَأَيْضًا ٱلأَعْمَالُ ٱلْفَرْدِيَّةُ ٱلتَّأْلِيفِيَّةُ ٱلْكَبِيرَةُ تَقْبَلُهَا ٱلنُّخْبَةُ وَيَرْفُضُهَا ٱلذَّوْقُ ٱلْعَامُّ. وَهُنَا لا أَقُولُ بِأَنَّ ٱلذَّوْقَ ٱلْعَامَّ مُنْحَطٌّ كُلِّيًّا وَلا ٱلنُّخْبَة ذَوْقُهَا .
هُوَ “الْحَكَم ٱلصَّحِيح”، لٰكِنْ بِٱلنِّهَايَةِ سَيَصِلُ أَيُّ عَمَلٍ مَا إِلَى حَالَةِ تَوَازُنٍ مَعَ ٱلذَّوْقِ ٱلْعَامِّ ٱلصَّحِيحِ. وَٱلذَّوْقُ
ٱلْعَامُّ هُوَ ٱلَّذِي سَيُقَرِّرُ صَلاحِيَّةَ ٱلْعَمَلِ أَوْ عَدَمَ صَلاحِيَّتِهِ.
تصورات مارسيل الجديدة حول الوظيفة الموسيقية وآلياتها..
أَنَا أَفْتَرِضُ تَصَوُّرًا جَدِيدًا لِلْوَظِيفَةِ ٱلْمُوسِيقِيَّةِ. وَظِيفَة مُخْتَلِفَة نَوْعِيًّا عَنِ ٱلْوَظِيفَةِ ٱلسَّابِقَةِ ٱلسَّائِدَةِ.
بِمَعْنى أَوْضَح ٱلْوَظِيفَة هِيَ تَقْدِيمُ مُوسِيقى لِلنَّاسِ تَتَلاءَمُ مَعَ ٱلْمُعْطَيَاتِ ٱلثَّقَافِيَّةِ وَٱلاِجْتِمَاعِيَّةِ ٱلْجَدِيدَةِ. وَتُسَاهِمُ بِإِغْنَاءِ ٱلْحَيَاةِ ٱلرُّوحِيَّةِ لِهٰذَا ٱلإِنْسَانِ ٱلْحَدِيثِ.
الْمُوسِيقَى هٰذَا ٱلاِنْسِجَامُ ٱلصَّوْتِيُّ ٱلَّذِي يُنْتِجُ مُتْعَةً مُعَيَّنَةً تَدْخُلُ ٱلأُذُنَ ٱلْبَشَرِيَّةَ. هٰذِهِ ٱلْمُتْعَةُ يَجِبُ تَحْوِيلُهَا مِنْ مُتْعَةٍ مُجَرَّدَةٍ بِدَائِيَّةٍ إِلَى مُتْعَةٍ مُتَطَوِّرَةٍ. الْفَنُّ عَظِيمٌ مُمْتِعٌ. وَنَحْنُ بِحَاجَةٍ لِمُوسِيقى عَظِيمَةٍ بِإِمْتَاعِهَا ٱلَّذِي هُوَ مِنْ نَوْعٍ جَدِيدٍ. لا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَضَعَ رِسَالَةً ٱجْتِمَاعِيَّةً لِلْمُوسِيقَى.
الْمُوسِيقِيُّ – الْمُنْتِجُ هُوَ ٱلَّذِي سَيَحْمِلُ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةَ ٱلاِجْتِمَاعِيَّةَ ضِمْنَ خَطٍّ عَامٍّ، أَلا وَهْوَ إِغْنَاءُ ٱلْحَيَاةِ ٱلرُّوحِيَّةِ لِلإِنْسَانِ. وَفِي هٰذِهِ ٱلطَّرِيقَةِ يَلْعَبُ هٰذَا ٱلْمُوسِيقِيُّ دَوْرَهُ ٱلْمُتَقَدِّمَ وَيُؤَدِّي وَظِيفَتَهُ كَمُوسِيقِيٍّ.
قضايا الكون والعالم تشغل بال مارسيل..والموسيقى التي كتبها محمود درويش مازالت تنطق بأجوبة على أسئلة لازالت لليوم مطروحة.
فِي عَصْرِنَا ٱلْحَاضِرِ مَهْمَا كَانَ ٱلْفَنَّانُ عَظِيمًا، إِذَا لَمْ يَكُنْ مُنْدَفِعًا لا يَسْتَطِيعُ ٱلْمُسَاهَمَةَ بِٱلإِجَابَةِ عَلَى ٱلأَسْئِلَةِ ٱلْمَطْرُوحَةِ. وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنِ ٱلْوَعْيِ ٱلْعَامِّ بِقَضَايَا ٱلْكَوْنِ وَٱلْعَالَمِ ٱلْحَدِيثِ بِمُخْتَلَفِ نَوَاحِيِهِ.
بِقَدْرِ مَا يَرْتَفِعُ هٰذَا ٱلْوَعْيُ يَرْتَفِعُ عِنْدَهَا مُسْتَوَى تَطَوُّرِ ٱلْفَنَّانِ ٱلْمُوسِيقِيِّ وَمُسْتَوَى تَطَوُّرِ ٱلْفَنَّانِ لِوَظَائِفِ ٱلْمُوسِيقَى. بِكُلِّ فَتْرَةٍ مِنَ ٱلْفَتَرَاتِ تَنْحَسِرُ أَشْكَالٌ وَمَضَامِين وَتَأْتِي مَكَانَهَا أَشْكَالٌ وَمَضَامِينُ جَدِيدَةٌ.
كُلَّمَا ٱلْمُوسِيقِيُّ تَفَهَّمَ حَاجَةَ ٱلْمُجْتَمَعِ إِلَى هٰذِهِ ٱلْمَضَامِينِ وَٱلأَشْكَالِ ٱلْجَدِيدَةِ كُلَّمَا كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَتَطَوَّرَ وَأَنْ يُلَبِّيَ حَاجَاتِ ٱلذَّوْقِ ٱلْعَامِّ، وَيُجِيبُ عَلَى ٱلأَسْئِلَةِ ٱلَّتِي يَطْرَحُهَا ٱلْمُجْتَمَعُ وَٱلنَّاسُ وَٱلْحَيَاةُ. كَرَأْيٍ عَامٍّ بِٱلْوَضْعِ ٱلْمُوسِيقِيِّ ٱلْحَاضِرِ عِنْدَنَا لَمْ تَكُنْ كُلُّ تِلْكَ ٱلْقَفْزَاتِ كَافِيَةً. مُهِمَّاتٌ كَثِيرَةٌ لَمْ تُنْجَزْ بَعْدُ. وَمُهِمَّاتُ “سَيِّد دَرْوِيش” بِرَأْيِي مُهِمَّاتٌ مُهِمَّةٌ. الْمُوسِيقَى ٱلَّتِي كَتَبَهَا هٰذَا ٱلرَّجُلُ تَنْطِقُ بِأَجْوِبَةٍ عَلَى أَسْئِلَةٍ مَا زَالَتْ لِلْيَوْمِ مَطْرُوحَةً.
وَهٰذِهِ ٱلأَسْئِلَةُ لا يَسْتَطِيعُ فَرْدٌ أَنْ يُجَاوِبَ عَلَيْهَا. مَرْحَلَةٌ بِأَكْمَلِهَا هِيَ ٱلَّتِي سَتُجَاوِبُ عَلَيْهَا. وَحَصِيلَةُ ٱلاِتِّجَاهَاتِ ٱلْمُخْتَلِفَةِ هِيَ ٱلَّتِي سَتُعْطِينَا حَصِيلَةَ ٱلْجَوَابِ ٱلنِّهَائِيِّ.
الْمُهِمُّ هُنَا ٱلْجَانِبُ ٱلْفِكْرِيُّ ٱلْعَامُّ، وَلَيْسَ ٱلْجَانِبَ ٱلْفِكْرِيَّ ٱلْمُحَدَّدَ، لأَنَّ ٱلْمُوسِيقَى لا تَقُولُ شَكْلاً مُعَيَّنًا وَمُبَاشِرًا.
أَصْلاً ٱلْمُوسِيقَى لا تَقُولُ ٱلْفِكْرَ بِٱلْمَعْنَى ٱلْمَلْمُوسَ وَخَاصَّةً لا تَقُولُ فِكْرًا سَلْبِيًّا. كُلُّ ٱلْمُوسِيقَى إِيجَابِيَّةٌ. تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُولَ مُوسِيقَى رَدِيئَةً وَمُوسِيقى جَيِّدَةً. وَلٰكِنْ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُولَ مُوسِيقى تَقَدُّمِيَّةً وَأُخْرَى رَجْعِيَّةً. بِٱلْمَعْنَى ٱلإِيْديُولُوجِيِّ ٱلأَدَبِيِّ ٱلْمَلْمُوسِ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُولَ مُتَقَدِّمَةً أَوْ مُتَأَخِّرَةً أَوْ مُتَخَلِّفَةً. الْمُوسِيقِيُّ ٱلَّذِي يَحْمِلُ نَوْعًا مِنَ ٱلْوَعْيِ ٱلْفِكْرِيِّ أَوِ ٱلْخَطِّ ٱلْفِكْرِيِّ ٱلْوَاضِحِ. لَيْسَ بِٱلضَّرُورَةِ أَنْ يَكُونَ تَقَدُّمِيًّا أَوْ غَيْرَ تَقَدُّمِيٍّ. الْمُهِمُّ أَنْ لا يَكُونَ مُنْتَفِعًا مِنَ ٱلْمُوسِيقَى. الْمُنْتَفِعُ مِنَ ٱلْمُوسِيقَى حَتْمًا سَيَعُودُ وَيَكْتُبُ مُوسِيقى مُتَخَلِّفَةً.
وَٱلْمُقْتَنِعُ بِأَهَمِّيَّةِ وَرِسَالَةِ ٱلْفَنِّ ٱلْمُوسِيقِيِّ هُوَ ٱلْوَحِيدُ ٱلْقَابِلُ عَلَى إِنْتَاجِ مُوسِيقَى جَيِّدَةٍ لَيْسَ بِٱلضَّرُورَةِ أَيْضًا أَنْ يُنْتِجَ مُوسِيقى جَيِّدَةً.
وَلٰكِن أَقُولُ قَابِلاً بِأَنْ يُنْتِجَ مُوسِيقى جَيِّدَةً، لأَنَّ كُلَّ وَعْيٍ وَكُلَّ خَطٍّ فِكْرِيٍّ مَعْنَاهَا فَرِيد مِنَ ٱلاِنْفِتَاحِ، وَبِٱلتَّالِي مَزِيد مِنْ فَهْمِ ٱلْمُوسِيقَى أَكْثَر.