الإفراج الخطأ عن سفاح القنيطرة شكل مناسبة جديدة عبر فيها جزء من الرأي العام عن موقفه من الإفراج عن هذا السفاح، لكن كالعادة تحركت الأبواق البئيسة، أبواق السمايرية، من أجل تحميل الموقف ما لا يحتمل، فمنهم من سعى إلى بعث الروح في جثة عشرين فبراير، ومن هم من سعى إلى التشكيك في الطبيعة السيادية للقرار، واستجابته من حيث المبدأ لما هو استراتيجي في علاقة المغرب بالجارة الإسبانية، ومنهم من تحرك لنفث سمومه وحقده على الدولة المغربية، لكن جرأة الملك وشجاعته، الاستثنائية وضعت الأشياء في سياقها. فبعد صدور بلاغ الديوان الملكي الذي أوضح كل الملابسات وبدون أية مواربة، التي كانت وراء اتخاذ القرار الخطأ، جاء القرار الجريء بسحب العفو عن السفاح، ومطالبة وزارة العدل باتخاذ كل الإجراءات الضرورية، بالتنسيق مع السلطات الاسبانية حتى يتم استرجاعه، لقضاء عقوبته كاملة داخل المغرب.
هذا القرار الاستثنائي، الذي يشكل سابقة في تاريخ القضاء في العالم لم يكن ممكنا لولا جرأة العاهل المغربي، الذي اتخذ بكل شجاعة ومسؤولية هذا القرار الاستثنائي باسم الدولة المغربية، ووضع الكرة في ملعب الجانب الاسباني، بعدما بدأت بعض الأطراف تتحرك للنيل من ملك إسبانيا، الذي كان وراء طلب العفو لمجموعة من السجناء الأسبان.
القرار الجريء والشجاع للدولة المغربية أسقط القناع عن كل الذين في قلبهم مرض، وعرى حساباتهم السابقة واللاحقة، وأسقطها بالكامل في الماء. عرى الجبناء، وعرى الخبثاء، وعرى الحلفاء، وعرى الأعداء، وأسقط القناع عن حسابات الجميع، وخصوصا تجار الحروب والمآسي والمناسبات، من متعهدي الاحتجاجات. فالمسؤول مسؤول، والشجاع شجاع، والجريء جريء، والجبان جبان، والخائن خائن، والأصيل أصيل.. كل في مكانه.
الملك لم يكن في حاجة لأي كان لكي تتحمل الدولة المسؤولية الدستورية، بعيدا عن الحسابات الصغيرة لهذا أو ذاك، فالصغير سيبقى صغيرا، والكبير سيعيش كبيرا، لأن للبيت ربا يحميه، و”المغاربة كايقولوا اللحم إلى خناز كايهزوه مواليه”، فلتخرس كل الألسن البئيسة، التي سئم الشعب سماع صوتها التائه بمناسبة وبدون مناسبة.