مجلس الأمن: بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي
الملف الذي “فجرته” المساء على لسان عبد العالي دومو حول تدخل محتمل لوزارة الداخلية في انتخاب الكاتب الأول للإتحاد الاشتراكي ضد إرادة مناضلي الحزب يستحق أكثر من وقفة تأمل على الأقل لفهم حقيقة ما جرى وحقيقة خرجة عبد العالي دومو.
منذ انتخابات 25 نوفمبر وجزء من المشهد السياسي يتعرض لهجمة تستهدف كل من تطاول على انتقاد الأداء الحكومي يساهم فيها أكثر من طرف بوعي أو بدون وعي من أجل اختزال المشهد السياسي في حكومة لها مشروعية برلمانية تمارس في نفس الآن المعارضة في مواجهة أطراف أخرى غير ممثلة في البرلمان، ومعارضة برلمانية ليس لها الحق في الكلام في أفق محوها من الساحة السياسية حتى يأخذ الفعل والفعل المضاد المفترض شكل تعارض بين مؤسسات دستورية.
في ظل هذا المشهد اختار الإتحاد أن يعقد مؤتمره الوطني من أجل انتخاب خلف لعبد الواحد الراضي، و تقدم للترشيح ثلاثة مسؤولين من الوجوه التاريخية للإتحاد سبق لكل واحد منهم أن تحمل مسؤولية وزارية و إطارا رابعا كان منتوجا صرفا للمؤسسات المنتخبة.
و لأول مرة في تاريخه اختار الحزب أن يزاوج بين المشروعيتين، المشروعية النضالية التي تحتسب بعدد المناضلين و مشروعية المؤسسات المنتخبة التي تحتسب بعدد الأصوات التي حصل عليها الحزب في الإستحقاقات الإنتخابية وعلى أساسها تم احتساب عدد المؤتمرين.
إعطاء المشروعية لصانعي الرصيد الانتخابي للحزب شكل انقلابا بجميع المقاييس في التطور التنظيمي للإتحاد و فتح شهية بعض البرلمانيين من أجل التطلع إلى قيادة الحزب ليتم اختزال صراع المشروعيات داخل الحزب إلى صراع حول من يتحكم في الفريق النيابي.
هذا المشهد التنظيمي لم يكن ليصمد فيه فتح الله ولعلو المسلح بالمشروعية التاريخية و بالواقعية السياسية في تدبير الشأن العام و لا الحبيب المالكي الذي ينحصر تأثيره التنظيمي في منطقة الشاوية ورديغة، بل صمد فيه اثنان يختزل الصراع بينهما صراعا بين المشروعية النضالية و مشروعية المؤسسات المنتخبة.
اشتراط الأقدمية وعضوية المكتب السياسي من أجل الترشح للكتابة الأولى أفقدت جناح المؤسسات المنتخبة كل إمكانية من أجل ترشيح بعض الرموز من بين البرلمانيين لقيادة الإتحاد، و جعلت الاختيار يقع على أحمد الزايدي أحد الذين دخلوا الحزب أيام الانفتاح على الفعاليات عندما اختار الحزب أيام الصراع حول التناوب بقيادة عبد الرحمان اليوسفي أن يرشح بعض الوجوه النظيفة و بعض الرموز من المجتمع في الإنتخابات لكي يصبح أحمد الزايدي طرفا في معادلة لم يخطط لها شخصيا و لكن دخلها في إطار الإيمان بالديمقراطية الحزبية.
لكن بعد أن أعلنت النتائج و تأكد فوز ادريس لشكر الذي تربى في الماكينة الحزبية و لجنة التنظيم الحزبي منذ أن تحكم فيها محمد اليازغي، لم يكن لجناح المؤسسات المنتخبة القبول بالخسارة الكاملة و سعى بكل جهده إلى القبول بنصف الخسارة و الدخول في إطار التوافق إلى المكتب السياسي و تمثيله بأربعة مقاعد من بينها مقعد واحد لعبد العالي دومو، لكن أغلبية المؤتمرين اختارت أن يحتكم الجميع إلى الصندوق.
عبد العالي دومو لم يعرفه الإتحاديون أيام سنوات الجمر و الرصاص إلا كرجل ظل للحبيب المالكي أيام المجلس الوطني للشباب و المستقبل قبل أن يحتمي بالقبيلة لضمان مقعد القلعة في البرلمان، و حتى في البرلمان لم يسمع صوته في معركة كبيرة و عندما اختار الحزب بعد 25 نوفمبر أن يعود إلى صفه الطبيعي لم يسمع له صوت في البرلمان من أجل ترجمة القرار الحزبي و لو من باب الإلتزام الأدبي بقرارات الحزب الذي اختار المعارضة.
ادريس لشكر كان واضحا منذ البداية و حتى قبل المؤتمر في الإلتزام بقرار الحزب بعدم الدخول إلى الحكومة و العودة إلى الشارع من أجل ترميم الصورة و إعادة بناء الذات الحزبية التي تضررت بفعل مشاركة الحزب لمدة 14 سنة في الحكومة تآكل فيها امتداده داخل الجماهير، و عندما تم اختياره كان ذلك بفارق كبير في الأصوات بينه و بين خصمه قارب 300 صوت و من هنا كانت نقطة قوته، أن يستمد قوته و مشروعيته من الصندوق، فكيف لنقطة قوته أن تتحول إلى نقطة ضعف؟
رواية عبد العالي دومو لا يتحرك في شخوصها إلا البرلمانيون و الداخلية لم تكن محتاجة إلا إلى أربعة برلمانيين، برلماني من العيون و آخر من كلميم و ثالث من مراكش و رابع من الناضور، و لم يكن من بين البرلمانيين إلا عضو واحد من المكتب السياسي السابق هو حسن طارق الذي نفى بشكل رسمي كل ما قيل عنه على لسان عبد العالي دومو و أكثر و قال أنه لم يتكلم مع وزير الداخلية لا قبل و لا أثناء و لا بعد المؤتمر لا حول لشكر و لا غيره و عندما و صلت الأمور إلى مرحلة “الفرشة” إختار عبد العالي أن ينفي ما قاله للمساء، لأنه كان يتصور أن المساء سوف تخوض حربا بالوكالة عنه من أجل إسقاط لشكر ليعطي مصداقية للذين يقولون الآن أن الإتحاد دخل نفقا مسدودا و أن الحل هو عقد مؤتمر استثنائي لإعادة انتخاب الكاتب الأول و لكي تصل الإستراتيجية إلى الهدف المنشود فلا بد من الطعن في المشروعية الحزبية التي يتمتع بها لشكر و ربط انتخابه بتدخل الداخلية و أن تلعب يومية المساء اللعبة و تنشر ما يقال في “الأوف” و ينوب سليمان الريسوني عن عبد العالي في قيادة الحركة التصحيحية، لكن عبد العالي سقط في امتحان المصداقية عندما نشرت المساء على لسانه تفاصيل ما أدلى به في الظلام حتى يتحمل مسؤوليته.
ففي رواية عبد العالي يحضر البرلماني و يغيب الجهاز الحزبي، تغيب القطاعات الحزبية و يغيب النقابي و يغيب المثقف و تغيب الأطر و لا يحضر إلا البرلماني فهو الذي يقود المؤتمرين كالقطيع لا يصوتون إلا حيث يريد لهم أن يصوتوا، إنها صورة بئيسة لحزب القوات الشعبية التي يسوقها عبد العالي و من وراءه كل جنرالات المؤسسات المنتخبة، تصوروا برلماني الإتحاد الدستوري إدريس الراضي يتحكم في مؤتمري الحزب و يختار لهم أمينهم العام.
إن الإتحاد الإشتراكي الذي يتحدث عنه عبد العالي دومو هو غير الإتحاد الذي يعرفه الناس، ففي عز أيام الجمر و الرصاص كان الإتحاديون هم الذين يختارون قادتهم و لو بدون صناديق اقتراع، فكيف لغيرهم أن يختار لهم اليوم و بعد كل التراكمات قادتهم؟
فلماذا ياترى يتم تسويق هذه الصورة المبهدلة لحزب القوات الشعبية؟
أكيد أن الجميع يتذكر النقاش الحزبي غداة إنتخابات 25 نوفمبر 2012 فكل الأصوات داخل الفريق البرلماني التي سحقها القرار الحزبي بالإصطفاف في المعارضة و عدم المشاركة في حكومة عبد الإله بن كيران، اختارت أن تلعب ورقة الزايدي لأن لا ولعلو و لا المالكي و لا لشكر كانوا قابلين للإنقياد لمراجعة القرار الحزبي.
فحملة التبخيس و بهدلة الحزب كانت مبرمجة أيا كان الكاتب الأول الذي لا يرضى عنه جناح المشاركة بلا سروال في حكومة بن كيران و ما دام الحزب اختار الإستمرار في المعارضة من خلال انتخاب أحد الأصوات المتشبثة بالخيار فالأجدر هو أن تتم “مرمدة” الحزب حتى يتم إجهاض كل محاولة إعادة بنائه و إعادة ربطه بتاريخه النضالي حتى يصبح جثة بلا روح و لا يتصالح مع النخبة التي لن تقبل أن تساند حزبا متهما بتحكم الداخلية في انتخاب قادته.
فلننتظر لنرى من سيصمد في الإتحاد دفاعا عن تصالحه مع المجتمع بعيدا عن السلطة و من سوف يتحالف مع سلط أخرى من أجل وأد الحزب حتى يخفت صوته و إلى الأبد من أجل تسميته على رأس مؤسسة عمومية أو شبه عمومية أو في أحد المناصب لأنه في عرفه حزب القوات الشعبية و مستقبله لا أهمية لهم.
فالذي يسرق حزبا لا يسعى إلى ربطه بعمقه الجماهيري و لا يختار أن يبدأ بتصالح الحزب مع امتداده الشعبي من خلال أداته النقابية و غيرها من مركزيات اليسار العاملة في الساحة الإجتماعية.
أكورا بريس