وتتلخص هذه الشروط والآليات، يضيف ربيع، في تشكل الفكر العلمي ووقف نزيف النخبة العالمة وتعاقد السلطة والمجتمع.
وأوضح ربيع، في ورقة بعنوان “في الزمن العربي الراهن: أسئلة المفارقة والاستشراف” قدمها في ختام أشغال ندوة “العرب غدا : التوقعات والمآل” المنظمة في إطار جامعة المعتمد بن عباد الصيفية (29)، أن من بين هذه الآليات العلم والتعليم أي العمل على تشكل الفكر العلمي والمعرفة الموضوعية بالعالم والكون، وكذا تحقيق مستويات البحث العلمي للنخبة العالمة المتخصصة من جهة ثانية.
لا يمكن تصور أي تحول إيجابي في الوضع العربي، دون السعي الحثيث الجاد، إلى بناء المجتمع التعاقدي
وأضاف أن الإصلاح المستمر والتجديد في مجال التعليم، وكذا الإنفاق والتشجيع في مجال البحث العلمي، مع الصرامة في المحاسبة والترشيد، يمثل السبيل الضروري والطريق الأمثل للإقلاع في سائر ميادين التقدم المجتمعي، ولا يتصور إقلاع ممكن أو حقيقي بدون ذلك.
ورأى ربيع أن ظاهرة الهجرة والتهجير في باب الأطر العالمة المتخصصة، إذا كان يتطلب خططا لإيقاف نزيفه، فهو يتطلب ما هو أبعد وأهم، ولا سيما في واقع الثروات العربية البترولية، لتوجيه الظاهرة في اتجاه ما يفيد المنطقة العربية، بتكوين مؤسسات علمية ومختبرات بل ومدن خاصة بهذا الغرض، لاحتضان الطاقات العلمية العربية، بل وأيضا لاستجلاب طاقات علمية إلى حظيرتها.
ومن جهة ثالثة، أكد مبارك ربيع ،عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء سابقا، أنه لا يمكن تصور أي تحول إيجابي في الوضع العربي، دون السعي الحثيث الجاد، إلى بناء المجتمع التعاقدي الذي يضبط العلاقات والاختصاصات، وينظم توزيع الثروات، ويحدد آليات الاكتساب المشروعة، ويقنن الحقوق والواجبات.
أهم ما حققته البشرية في مجال الارتقاء بالتعايش ، يتمثل في التخفيف من الصراع المجتمعي حول السلطة
وأشار الكاتب المغربي إلى أن أهم ما حققته البشرية في مجال الارتقاء بالتعايش ، يتمثل في التخفيف من الصراع المجتمعي حول السلطة، وذلك بتنظيم آليات اشتغالها وتداولها، ولا سيما عبر مفهوم وآليات الحياة الديموقراطية، بحيث يكتسب الصراع طابعا رمزيا سياسيا.
وأوضح أن مجتمع المؤسسات على هذا النحو، لا يعني مجرد مؤسسات الدولة بل يفترض بالإضافة إلى ذلك مؤسسات المجتمع المدني الممثلة للرأي العام، والمحققة لوظائف المراقبة والتتبع والمعارضة والاقتراح، بما في ذلك أحزاب سياسية وجمعيات، وهو ما يحصن المجتمع ضد الاستبداد، ويوطد الضمانة ضد التسلط والتفرد بصنع القرار. وتحت عنوان “نصف المجتمع العاطل”، تحدث مبارك ربيع عن “عطالة نصف المجتمع بمعناها الأعمق الأدل، الذي يتضمن استكانة مبدئية إلى إقالة واستقالة نصف المكون الاجتماعي من الفاعلية الإنتاجية للمجتمع”، أي وضع المرأة في المجتمع العربي.
العتبة المطلوبة لتحقيق التكامل بين نصفي المجتمع لا تتم بدون التزام مبدئي وتنصيص تشريعي قانوني
وأضاف أن هذا الوضع يطرح تساؤلات من قبيل كيف يحقق إقلاعة التطور والتقدم، مجتمع يبقى نصف طاقته معطلا، كم يتطلب مثل هذا السير من وقت، ليقطع مسافات التطور والتقدم الفاصلة بينه وبين ركب الأمم والشعوب المتقدمة، علما بأن هذه الأخيرة ماضية في طريقها ومنجزاتها المتنامية المتنافسة يوما عن يوم.
وخلص الباحث المغربي إلى أن “العتبة المطلوبة لتحقيق التكامل بين نصفي المجتمع وبالتالي تحقيق التطور الحقيقي والتقدم المنشود، وهو ما لا يتم بدون التزام مبدئي وتنصيص تشريعي قانوني، وممارسة عملية، لمقتضيات المشاركة الكلية لكافة مكونات المجتمع العربي في الإنتاج والبناء، دون أي تعسف أو حيف أو إقصاء”.
يشار إلى أن ندوة “العرب غدا: التوقعات والمآل” اختتمت سلسلة ندوات نظمت في إطار الدورة 36 لموسم أصيلة الثقافي الدولي (8-22 غشت)، وذلك تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.