يرى محللون ان الاخطاء التي شابت السياسات الامنية لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى جانب عوامل اخرى داخلية وخارجية ابرزها النزاع في سوريا المجاورة وراء التدهور الامني الكبير الذي يعيشه العراق.
ويواجه المالكي اتهامات من قبل خصومه السياسيين باعتماد سياسة تهميش بحق السنة وبالسيطرة على الحكم ودفع البلاد نحو نظام ديكتاتوري، بينما يصر رئيس الوزراء الشيعي على انه يعمل منذ ولايته الاولى عام 2006 على اعادة الامن لبلاد تمزقها النزاعات منذ عقود.
ويضع الهجوم الذي يشنه مسلحون ينتمون الى تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” الجهادي المتطرف والى تنظيمات اخرى الى جانب عناصر في حزب البعث المنحل، المالكي امام احد اكبر تحديات سنوات حكمه الثماني، في وقت يسعى للحصول على ولاية ثالثة.
ويقول محللون ان السياسات الامنية لرئيس الوزراء، القائد الاعلى للقوات المسلحة والذي يتولى ايضا ادارة وزارتي الداخلية والدفاع، اقترنت بالعديد من الاخطاء على مدار ولايتيه.
ويرى المحلل الامني الاميركي والخبير في شؤون العراق كيرك سويل المقيم في الاردن ان المالكي “قام بتعيين كل الضباط رفيعي المستوى الذين يخدمون في الجيش حاليا، ما يجعله يتحمل بشكل ما المسؤولية عن مسائل شائكة مثل الاعتقالات غير القانونية والتعذيب والرشوة”.
ويعتبر من جهته انطوني كوردسمان الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ان المالكي “امضى السنوات الاخيرة (…) وهو يعين الموالين له في القيادة” العسكرية.
ويضيف ان رئيس الوزراء استعان بهذه القوات “حتى يقمع المعارضة السنية”، في اشارة الى مهاجمة هذه القوات لمواقع اعتصام معارضة للحكومة، وابرزها اعتصام قضاء الحويجة غرب كركوك (240 كلم شمال بغداد) في ابريل 2013 في عملية قتل فيها 50 شخصا.
وشنت القوات الامنية ايضا عمليات اعتقال واسعة في مناطق تسكنها غالبيات من السنة، حيث اوقفت العشرات من المواطنين علما انها عادة ما تكون تهدف الى اعتقال عدد معين من الاشخاص.
وقال كوردسمان ان “النتيجة النهائية كانت تحويل القوات الامنية الى بنية عسكرية غير فعالة (..) والى دفعها نحو خسارة جزء كبير من اخلاقياتها”.
وبدت القوات الحكومية عند انطلاق هجوم المسلحين في محافظة نينوى قبل اسبوع، ضعيفة تفتقد للكفاءة والانضباط، حيث تراجعت هذه القوات سريعا امام زحف مئات المسلحين، تاركة خلفها الاعتدة والاسلحة والاليات، وحتى ملابسها العسكرية وقد رميت على الارض.
الا ان هذه القوات التي لا تحظى بقبولية المدن السنية حيث تتهمها باتباع استراتيجية طائفية، والتي يبلغ عديد عناصرها نحو مليون عسكري وشرطي، بدات في اليومين الاخيرين تستوعب الضربة القوية التي تلقتها في بداية الهجوم الكاسح، وتحاول استعادة زمام المبادرة العسكرية.
وتسكن غالبيات سنية معظم المناطق التي يسيطر عليها حاليا المسلحون، واهمها الموصل (350 كلم شمال بغداد) مركز محافظة نينوى، وتكريت (160 كلم شمال بغداد) مركز محافظة صلاح الدين، اضافة الى مدينة الفلوجة (60 كلم غرب بغداد) التي خرجت عن سيطرة الدولة في بداية العام الحالي.
ولعبت شكوى الاقلية السنية من التهميش الذي تدعي التعرض له على ايدي الاكثرية الشيعية دورا اساسيا في ارتفاع معدلات اعمال العنف اليومية في البلاد على مدار الاشهر ال18 الاخيرة، حيث مهدت الطريق امام التنظيمات الجهادية والمتطرفة لتجنيد المسلحين وحدت من تعاون السنة مع القوات الامنية.
ويرى جون دريك المحلل والخبير الامني في مجموعة “اي كي ايه” الاستشارية الامنية البريطانية انه كان يتوجب على المالكي ان يدمج قوات الصحوة السنية التي قاتلت في السابق تنظيم القاعدة وحلفاءه في القوات الامنية.
ويقول دريك ان الاقدام على هذه الخطوة “كان ليساهم في ايجاد فرص عمل تشجع المجتمع السني على الاعتماد على الدولة العراقية”.
ويضيف دريك انه كان يتوجب على المالكي ايضا ان يسعى الى تمديد مهمة القوات الاميركية في العراق الى ما بعد العام 2011، وان “يعزز الحوار مع الجميع وبينهم زعماء العشائر في المنطقة الوسطى بهدف التوصل الى تفاهمات مشتركة”.
ورغم ذلك، لم تكن سياسات المالكي وحدها المسؤولة عن التدهور الامني الكبير في البلاد، بل ان عوامل داخلية وخارجية ساهمت في بلوغ البلاد مرحلة الخطر هذه.
وفي هذا السياق يشير سويل الى “الاصرار السني على تشكيل اقليم مستقل يحميه جيش مستقل، وهو ما لن يوافق عليه اي رئيس وزراء شيعي”، وكذلك عملية اجتثاث حزب البعث التي جرى توظيفها لاستهداف سياسيين سنة.
اضافة الى ذلك، فان النزاع الدامي في سوريا المجاورة ساهم ايضا في تصاعد اعمال العنف في العراق، وفي زيادة الاحتقان الطائفي في بلاد عاشت حربا اهلية بين السنة الشيعة قتل فيها الالاف بين عامي 2006 و2008، وخصوصا في ظل سيطرة تنظيم “الدولة الاسلامية” على مناطق في سوريا تقع على الحدود مع العراق.
وفي خضم كل ذلك، يسعى نوري المالكي لتمديد فترة حكمه لاربع سنوات جديدة عبر البقاء على راس الحكومة لولاية ثالثة، بعدما حقق نصرا مدويا في الانتخابات البرلمانية الاخيرة التي جرت في 30 ابريل الماضي.
ويقول سويل “اعتقد ان الاحداث الاخيرة تجعل من اعادة اختيار المالكي (لرئاسة الوزراء) امرا صعبا، اذا ان مصداقيته اصبحت محط شك”.