لغة الوضوح والمسؤولية التي تميز بها خطاب ثورة الملك والشعب حول قطاع التعليم لم ترق بعض أوساط الحزب الحاكم، التي تحركت لمصادرة حتى حق الملك كرئيس للدولة في القيام بمهامه الدستورية في مسعى لتكميم الأفواه، عوض التحلي بالشجاعة والاعتراف بتراخي الحكومة في التعاطي مع ملف استراتيجي استعجالي، أدارت ظهرها لمختلف الفرقاء المعنيين بهذا الملف الاستراتيجي.
ردة الفعل السريعة للأطراف إياها سعت إلى الترويج لمقولة “الملك المعارض، طبعا لحكومة الإسلاميين”، وسعَ خيالها السماوات والأرض للاستدلال على أن الأمر يشكل سابقة، وأنه لأول مرة ينتقد الملك أداء الحكومة ويخصص لذلك خطابا ساميا.
الأطراف إياها، حتى وإن اشتغلت بالسياسة، فذاكرتها مثقوبة ولا تتذكر أن خطاب 20 غشت للسنة الماضية خصص لنفس الموضوع، ووقف على الاختلالات، وتمنى الملك أن تتحرك الحكومة. فهل كان النائب البرلماني وزميلته البرلمانية وصغيرهم الكشاف، عضو المكتب الوطني لشباب الحركة، ينتظرون أن يعيد خطاب 20 غشت نفس الكلام. لقد انتظر الملك وانتظر معه المغاربة عاما كاملا لكي تتحرك الحكومة، لكنها لم تفعل.
أين كان النائب البرلماني عبد العزيز أفتاتي، وأين كانت النائبة البرلمانية ماء العينين؟ كانا مشغولين بالمشاركة في الحروب الصغيرة داخل البرلمان. كان النائب أفتاتي مزهوا بحضوره اليومي في الإعلام، وحضور صورته وهو يتهجم على كل الأطراف المنتقدة للحكومة، ونسي ونسيت معه الحكومة ووزيرها “القشاشبي” للتربية الوطنية، أن مهام الحكومة هي اتخاذ قرارات، أو على الأقل مشاريع القرارات لعرضها على السلطة التشريعية، وفي مقدمتها القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للتعليم.
لا أحد تحرك. فهل منطق الإخوان يقتضي ألا يتحرك أحد، حتى يرضى الإخوان، بموجب منطق “أنا أو لا أحد”، منطق لا أحد يتكلم، بعض رجال الحكومة نيام.
الملك رئيس الدولة انتظر عاما كاملا وقرر، في إطار صلاحياته الدستورية، ألا يترك قطاعا استراتيجيا يعاني فراغا في منظور التدبير، وقرر في إطار الأحكام الانتقالية للدستور الحالي إعادة تفعيل المجلس الأعلى للتعليم بصيغته القديمة لأن الطبيعة تكره الفراغ، علّ الحكومة تتحرك لمسابقة الزمن لتنزيل القانون التنظيمي للمجس الجديد “ودابا أفتاتي وصحابو يورينا حنة يديه..ها عام آخر بدا”.
قبل أيام، وبمناسبة عيد العرش استقبل “الملك المعارض”، حتى نستعير لفظ الهلالي صبي الفقيه، أعضاء اللجنة المكلفة بإصلاح ومنظومة العدالة، ووشحهم واحدا واحدا بأوسمة ملكية، وكان على رأسهم وزير العدل والحريات. إنه الملك المعارض للكسالى، الملك المعارض لعاشقي القيلولة، الملك المعارض للفراغ، الملك المعارض للعمل البهلاواناتي، الذي تحرك من أجل الإشادة بمجهودات الرجال من الذين تكلفوا بتقديم توصيات لإصلاح القضاء ومنظومة العدالة، حتى يشكرهم ويثمن عملهم باسم المغرب والمغاربة.
لقد كان الملك ينتظر من بنكيران ووزرائه في التربية والتكوين طوال عام، أن يبادروا باتخاذ ما يلزم، حتى يتم تعيين أعضاء المجلس الأعلى الجديد للتعليم، لينصبُّوا على الاشتغال في هذا المشروع الاستراتيجي.
هناك من الذين يغردون لأي كلام في حيطان مبكاهم الفايسبوكية، ومنهم إحدى الصحفيات، التي أصبحت مقتنعة أنها من الأصوات المزعجة، مدعية أن الحكومة ليست لها الصلاحيات، وأن القرار ليس بيدها، فلتتطوع الأخت التي تظن نفسها أصبحت مزعجة بعد أن استوطنت باسم الإخوان لجنة الإنتاج الوطني للسينما، ولتسمي لنا الجهة التي كان من المفروض أن تتقدم بمشروع القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للتعليم، حتى تنير عقول المغاربة، وتفضح هذه الجهة أمام الرأي العام وتدفعه إلى محاسبتها.
المغاربة صوتوا للأغلبية الحكومية لكي تشتغل لمدة خمس سنوات. والحكومة تقدمت ببرنامج على خلفية برامج انتخابية حزبية، عرضها الحزب الحاكم وأغلبيته على الشعب، ولها ) أي الصحفية إياها( ولمن والتهم أن تعرف أن التعليم وإصلاح التعليم كان حاضرا في هذه البرامج، فأين هو هذا الإصلاح؟
إن مرور موسمين اجتماعيين وسياسيين، ربما في عرف الحكومة ومن والاها أمر هين، وأن المغاربة ملزمون بانتظار ثلاث سنوات أخرى قبل محاسبة الحكومة ووزرائها. صحيح أن الحكومة الحالية غير مسؤولة عن كل أعطاب التعليم المتراكمة، لكن وقف النزيف هو من صلب مسؤولياتها. ومرور عامين على انتدابها يجعل مساءلتها مسألة مشروعة، فما بال الجميع إذا كان في الأمر تكليف ملكي.
المفروض أن الأغلبية التي تتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام ونوابها البرلمانيين، الذين لا يفهمون سوى في “النكًير البرلماني وتقرقيب الناب” في الإعلام والتنكيت في الاجتماعات الحكومية، أن يفهموا للمرة الألف أنهم مسؤولون على الفعل، مسؤولون عن اتخاذ القرارات، فمن أجل ذلك انتدبهم المغاربة من أجل تدبير الشأن العام.
الانتظارية تقتل، الكسل والخمول يضر مغرب اليوم والغد، فكل الناس تحب وتتمنى أن ترى حكومة فاعلة “قدّ فمها قد ذراعها، ماشي حكومة الفم ماضي والذراع كًاضي”، وحكومة لا ترى ذاتها إلا في الإعلام، حكومة تكثر الكلام و”تقرقيب الناب”، وتنسى انتظارات المغاربة، فالأمر في بعض الملفات يتجاوز حسابات الربح والخسارة بعد نهاية الانتداب الحكومي والبرلماني. فهل كانت الناس تنتظر أن يسكت الملك لمدة خمس سنوات، وبعد نهاية مدة الانتداب تذهب الحكومة إلى الشعب برصيدها الناقص، وتنتظر حكم الشعب؟
إصلاح التعليم هو فوق الأحزاب وفوق النقابات، وفوق الحسابات الصغيرة داخل البرلمان وخارجه. لهذا كانت الدعوة الملكية صريحة بالتحييد السياسي لمسألة إصلاح التعليم. لهذا كان الغضب الملكي. لهذا فكر الملك وقرر بصوت عال حتى يتحمل الجميع مسؤوليته. الأمر استراتيجي يهم المغاربة جميعا، لذا لم يشأ أن يترك الحكومة مستمرة في الخطأ، فلا مجال لترك ملف التعليم في كهف أهل الكهف. إن الأمر يتعلق بأبنائنا جميعا، وبإخواننا جميعا، وحفدتنا جميعا. فقد ضاعت الـ24 شهرا علينا جميعا، ولنجعلها فوق الحساب، فالأمر ليس مسؤولية بنكيران وحده، حتى ولو غفا. الأمر فوق بنيكران، فوق الحكومة، فوق الأحزاب. الأمر يتعلق بالمغرب، والمغرب فوق الجميع، فوق البيجيدي، فوق الحركة، فوق شبيبة الحركة، وفوق فقهائها.
ناموا حيثما شئتم، أما التعليم وإصلاحه فهو قضية استعجالية، يؤدي ثمنها المغرب من رصيده المستقبلي، فلا مكان فيها لانتظاركم ومحاسبتكم في اقرب منعرج، فلا أحد يريد دمكم والنيل من رصيدكم في مأدبة الانتخابات المقبلة.
إن المغرب فوق الجميع وهو الأبقى، فمتى تكونوا للمغرب من المحبين.