خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله
جنيف – أبرز وزير العدل، السيد عبد اللطيف وهبي، اليوم الاثنين بجنيف، الدينامية الراسخة التي تشهدها المملكة في مجال حقوق الإنسان، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وأوضح السيد وهبي، في كلمة ألقاها خلال مشاركته في أشغال اجتماع الشق رفيع المستوى من الدورة العادية الـ 49 لمجلس حقوق الإنسان، أن المملكة تظل منفتحة على الحوار البناء مع كافة الآليات الأممية المعنية بحقوق الإنسان، انسجاما مع التزاماتها الدولية ذات الصلة.
وأكد، في هذا الصدد، أن المملكة مستعدة لتقديم ومناقشة التقرير الوطني برسم الجولة الرابعة من آلية الاستعراض الدوري الشامل خلال السنة الجارية.
وأضاف وزير العدل، الذي يترأس الوفد المغربي المشارك في هذا الجزء رفيع المستوى، والذي ستتواصل أشغاله إلى غاية يوم الأربعاء، أن المغرب مستعد لمناقشة تقاريره الدورية المقدمة خلال السنتين الأخيرتين، إلى هيئات المعاهدات المعنية، موضحا أن الأمر يتعلق بالتقرير الوطني الجامع للتقارير 19 و20 و21 المتعلق بإعمال اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
كما أن الأمر يتعلق – حسب السيد وهبي – بالتقرير الجامع للتقريرين 5 و6 بشأن إعمال اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتقرير الأولي بشأن الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، إضافة إلى الانخراط في مسارات إعداد تقارير أخرى حل أجلها.
وقال الوزير “بنفس الإرادة، نواصل تعاوننا على الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، وقمنا بتوجيه دعوة رسمية للمقرر الخاص المعني بالحق في الحصول على مياه الشرب، والمقررة الخاصة المعنية بالجذام، والمقرر الخاص المعني ببيئة سليمة، وآلية الخبراء بشأن الحق في التنمية، للقيام بزيارة رسمية إلى المغرب خلال السنة الجارية للوقوف على الجهود والتحديات في المجالات المرتبطة بولايتهم”.
وأشار السيد وهبي إلى أنه تعزيزا للدينامية التي تعيشها المملكة المغربية، وبغية الإسهام في تعزيز الأدوار الطلائعية لمجلس حقوق الإنسان، قدمت المملكة المغربية ترشيحها لعضويته للفترة ما بين 2023-2025 ، و”هي إشارة واضحة على رغبتها الأكيدة والتزامها الراسخ بتعزيز وحماية حقوق الإنسان، ودعمها للمجلس وآلياته، وكذلك استعدادها للمساهمة في الجهود الجماعية لتعزيز عمل وفعالية هذه المؤسسة”.
وسجل أن هذا الترشيح يحظى بدعم الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية وعدد من التجمعات الجهوية الأخرى والدول الصديقة.
من جهة أخرى، أبرز وزير العدل أن البعد الحقوقي للمسار الديمقراطي، جعل المملكة المغربية تلتزم بشكل واضح بحق الاختيار السياسي وضمان دورية الانتخابات، مشيرا إلى أنه رغم الظروف الوبائية نظمت المملكة في شهر شتنبر 2021 انتخابات برلمانية وجهوية وجماعية، كان للمرأة المغربية دور محوري فيها.
وأكد أن هذه الاستحقاقات “أفرزت تشكيلة حكومية جديدة، ربما تختلف في رؤيتها عن الحكومة السابقة”، مضيفا “لكن في ظل دستور متوافق عليه، وديموقراطية منفتحة على جميع الأحزاب السياسية تحت مراقبة القوى المدنية والحقوقية الوطنية والدولية، شكلت مجالا لترسيخ الكثير من الإصلاحات والحقوق”.
وحسب الوزير، توجهت المملكة المغربية بشكل جماعي لخلق تصور تنموي جديد، كرافد من روافد صون الحريات وضمان الحقوق، سواء المدنية والسياسية، أو الاقتصادية والاجتماعية.
وفي نفس السياق، يضيف السيد وهبي، اتجهت المملكة المغربية نحو تعميم الحماية الاجتماعية لتدعيم ركائز الدولة الاجتماعية، وصون الحقوق الاجتماعية للمواطنين، خاصة المتقاعدين والفئات الهشة المحتاجة للكثير من الخدمات الاجتماعية.
وفي سياق متصل، أكد وزير العدل أن المملكة المغربية تعتبر أن قضية المرأة أصبحت التحدي الأكبر للمجتمع المدني والدولة على حد سواء، قائلا “نحن نتعامل معها بكثير من الجدية والجرأة والمصداقية، حتى نكون منصفين”.
وفي علاقة بالنزاع المفتعل والوهمي حول حقوق المغرب التاريخية والمشروعة لمغربية الصحراء، قال السيد وهبي إن المملكة تؤكد من جديد على تشبثها بالمسلسل السياسي تحت الرعاية الحصرية للأمم المتحدة، بغية التوصل إلى الحل السياسي الواقعي، البراغماتي، المستدام، والمبني على التوافق، وفقا لقرارات مجلس الأمن وخصوصا القرار 2602 المعتمد بتاريخ 29 أكتوبر 2021.
وفي هذا الإطار – يقول الوزير- استمرت المملكة المغربية في دعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي السيد ستافان دي ميستورا الهادفة إلى إعادة إطلاق مسلسل الموائد المستديرة التي عقدت في دجنبر 2018 ومارس 2019 بمشاركة كل الأطراف، بما في ذلك الطرف المسؤول عن افتعال هذا النزاع الإقليمي واستمراره، علما بأن هذا الحل السياسي كما أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس في عدة مناسبات وخطب، “لا يكمن إلا في إطار الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة”.
وأضاف “لذلك قدمت المملكة المغربية مقترح الحكم الذاتي الذي ثمنه الكثير من الأصدقاء والملاحظين، بل اعتبره مجلس الأمن مبادرة جادة وذات مصداقية في قراراته الـ 18 الأخيرة، والأفق الوحيد للمسلسل السياسي الأممي”.
وأشار إلى أن “ما يعزز صدقية مقترح المملكة المغربية هو أن ساكنة الصحراء شاركت بشكل كبير وموسع في الاستحقاقات الأخيرة، حيث تصدرت أقاليم الصحراء المغربية نسبة المشاركة المسجلة في هذه الاستحقاقات، فاقت بكثير المعدل الوطني المسجل في 50.35 بالمائة.
وأشار السيد وهبي، في المقابل، إلى أن المحتجزين في مخيمات تندوف بالجزائر، لايزالون يعانون من الانتهاكات والحرمان من الحقوق الأساسية، و”يرفض الطرف الآخر ليومنا هذا إجراء إحصاء ساكنة مخيمات تندوف منذ سنة 2011”.
وفي هذا الصدد، نندد بشدة، بعملية تجنيد الأطفال بالمخيمات، في انتهاك صارخ للمعايير الدولية ذات الصلة، التي تصنف تجنيد الأطفال في القوات المقاتلة جريمة دولية يعاقب عليها القانون الدولي، ومن جرائم الحرب التي ترتكب ضد الإنسانية، ويصنف في خانة أسوأ أشكال عمل الأطفال.
وقال “إن المغرب بحضوره الدائم داخل مؤسسات حقوق الإنسان الدولية، وخطواته الجادة والمسؤولة، يجدد دعوته المجتمع الدولي إلى التدخل لحماية أطفالنا وجميع مواطناتنا ومواطنينا المحتجزين بمنطقة تندوف، ويحمل الطرف الآخر المسؤولية الكاملة على انتهاكات حقوق الإنسان والمساس بالحريات الأساسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية لهؤلاء”.
وفي سياق آخر، أكد وزير العدل أن جائحة “كوفيد-19″، أعادت للنقاش قضايا حقوقية كبيرة، تهم أولا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي ظلت شعارا يتعين التعامل معه في ظل ظروف الوباء بكثير من الجدية والمصداقية.
وقال، في هذا الصدد، إن “شعوب دول الجنوب عانت كثيرا، ليس فقط من الوباء، ولكن من عدم القدرة على مواجهته، فأصبحت أمام انتهاك صريح وصارخ لمبدأ الحق في الصحة. وهذا ما أكد أن مبدأ التضامن الذي كان إحدى الأسس الجوهرية لثقافة حقوق الإنسان، أصبح يفرض نفسه من جديد كمبدأ أساسي لمواجهة هذه الإخفاقات، وتهديد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أمام تنامي هيمنة ثقافة السوق والمصالح”.
ودعا السيد وهبي في هذا الإطار إلى المزيد من تكاثف الجهود وتنمية التعاون والتضامن الدولي، لاسيما من خلال تعميم اللقاحات وضمان الولوج إليها بشكل عادل ومنصف خاصة لدول الجنوب.
وفي هذا السياق – يضيف الوزير – وبإشراف وتوجيه من جلالة الملك، تبنت المملكة المغربية مقاربة شمولية لمواجهة تبعات هذا الوباء على جميع الأصعدة، خاصة الاقتصادية والاجتماعية، ترتكز على صيانة الحقوق وحفظها وتكثيف الجهود من أجل حماية الحق في الحياة والصحة، باعتبار موقعهما في هرم الحقوق.
من جهة أخرى، أبرز الوزير أن المملكة تؤكد التزامها بمواصلة جهودها الرامية إلى تحقيق السلم والأمن الدوليين ومكافحة التهديدات الجديدة، وعلى رأسها الإرهاب والتطرف العنيف والتحريض على الكراهية ومعاداة الأجانب، باعتبارها أكبر المخاطر المهددة لحقوق الإنسان.
كما تتعهد المملكة بمواصلة تعاونها مع الدول الصديقة في مجال تأهيل الحقل الديني وإذكاء قيم الإخاء والاعتدال والتسامح.
وقال “انطلاقا من انتمائها المتجذر لإفريقيا، فإن المملكة لن تدخر جهدا في الدفاع عن القضايا الإفريقية، خاصة تلك المتعلقة بالتنمية، ومكافحة الفقر، وإشكالات الهجرة، وفي هذه الأخيرة، تجدد المملكة المغربية دعوتها إلى اعتماد مقاربة جديدة لقضايا الهجرة، باعتبارها ليس تحديا فحسب، بل كذلك مصدرا هائلا للفرص”.
وخلص السيد وهبي الى أن المملكة المغربية “تتابع بقلق تطورات الوضع بين فيدرالية روسيا وأوكرانيا، وتجدد دعمها للوحدة الترابية والوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة”، كما تؤكد المملكة تشبثها بمبدأ عدم اللجوء إلى القوة لتسوية النزاعات بين الدول، باعتبارها إحدى أسس الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وتشجع جميع المبادرات والإجراءات التي تسهم في تعزيز التسوية السلمية للنزاعات.