الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي
agora.ma
عشر سنوات مرت على حدث تأسيس حركة “20 فبراير” بالمغرب، وقد تم التأسيس في سياق محاولة المؤسسين التماهي مع ما حدث في تونس وبعدها ليبيا ثم مصر واليمن، أي التماهي مع ما سمي “الربيع العربي”.
ليس من المفيد في شيء طرح سؤال “ماذا تبقى من حركة 20 فبراير”؟، إنما الأهم هو سؤال : ماذا كان ينقص هذه الحركة؟ ألم تسقط هذه الحركة في فخ الصورة الوردية لنظرية الفوضى الخلاقة، بعد “نجاح” ما سمي عنوة “ثورة الياسمين” بتونس؟ أسئلة وأخرى نجيب عليها في ما هو آت من الحديث.
إن نجاح الانقلاب الذي قاده رئيس الأركان في تونس بتغييبه للجنرال زين العابدين بن علي، الذي صوره الإعلام الغربي وربيبته الجزيرة القطرية على أساس أنه “ثورة ياسمين”، أعطى صورة وردية لنظرية الفوضى الخلاقة باعتبار الخسائر البشرية والمادية المحدودة التي سجلت في الشارع، وأعطت أكلها سريعا بفعل تدخل الجنرالات في إيقاف المسار السياسي للجنرال ابن المؤسسة. (هذا النجاح) فتح شهية أكثر من عاصمة غربية على أساس التصالح مع الإسلام من خلال دمج جناحه السياسي في اللعبة السياسية، في أفق إيجاد مخرج للانسحاب من المستنقعات العراقية والأفغانية والصومالية. النتيجة السريعة التي حدثت في تونس جعلت الجزيرة القطرية تصوب كل أسلحتها من أجل الاشتغال على غريمي قطر التي كانت تسعى إلى لعب دور دولي في المنطقة العربية، وذلك باستهداف الغريم الأبدي معمر القذافي، وعلي صالح الأحمر وحسني مبارك الذي يتحكم في بلد ثقلت موازينه في الساحة العربية.
استهداف الديكتاتوريات العربية التي صادرت كل الحريات بإسم تحرير فلسطين وجوعت شعوبها بإسم مستلزمات المجهود الحربي للدفاع عن قضايا الأمة لما يزيد عن 50 سنة، وجد صدى في الشارع العربي الذي تحرك في أكثر من عاصمة مسنودا بهدير الشعب ليعيد صياغة حاضره ومستقبله.
فهل كان المغرب يعيش نفس الشروط التي تضمن نجاح حراك شبيه بالحراك الذي شهدته بعضالعواصم العربية؟ وهل كانت حركة 20 فبراير حركة شعبية أصلية أم حالة شرود تاريخي للنخبة التي تستعجل التموقع وأكثر؟
لقد صور إعلام الفوضى الخلاقة تململ الشارع في أكثر من عاصمة على أساس أنه انتفاضة شبابية كانت في حالة كمون على الشبكة العنكبوتية، فصدق بعضهم هنا في المغرب الأمر وتصور أن شروط النجاح لا تقتضي أكثر من حساب أو صفحة على الفايسبوك ومجموعة يافطات كرطونية وميكروفون لاستباحة الشوارع لكي يتحقق المطلوب، والآن هل هناك فيسبوكي واحد يتحكم في حكومات تونس ومصر واليمن وليبيا أو في مستقبل سوريا.
نزول الشبيبات إلى شوارع المغرب بإسم حركة 20 فبراير كان له تأثير واحد هو نهاية العطالة السياسية عن قطاع من القطاعات الحزبية التي خفت تأثيرها في المجتمع المغربي.
لقد اختارت الحركة الشبابية ومن ورائها العدل والإحسان الاستعراض في شوارع مراكز المدن، وأمرت كل الأتباع من أجل النزول علها تحقق الزخم المطلوب، لكن اندحارها كان في شعاراتها لقد استعاروا شعارات صالحة في طرابلس وعدن وصنعاء ودمشق والقاهرة وأسقطوها على الشارع المغربي، شعارات منفصمة عن الواقع المغربي.
فإذا كانت بلدان كتونس واليمن والقاهرة محكومة بحزب الدولة، فإن الذي ألبسوه في إطار الانفصام جبة حزب الدولة في المغرب لم يكن في الحكومة بل كان خارجها، وأن منافسيه في الحكومة والمعارضة اجتروا حالة الاحتقان الانتخابي لسنة 2009 وألبسوها لبوسا سياسيا كان أكبر منها، لأن المقارنة بين المغرب و”ليبيا العقيد” أو “يمن العقيد” أو “قاهرة اللواء” أو حتى “دمشق ابن العقيد”، كانت تزويرا للحقائق.
عندما استنفذ المشي في الشوارع بمراكز المدن كل الأمل في استدراج الاحتضان الشعبي، تفتقت عبقرية زعماء حراك الانتكاسة في تجريب الذهاب عند الشعب واستجداء دعمه في أحيائهم في هوامش المدن وحوارييها، ولهذا اختار كل زعيم حيه لكي يشد انتباه أقرانه بقدرته على “الزعيق” ورفع شعارات من الحجم الثقيل، فانتقل المشي إلى الأحياء الهامشية وتمكن الشعب من التعرف على قادة الغد الذين يعرفهم ويعرف مصداقيتهم، تعرف عن قرب على هوية السادة الذين يريدون أن يوزعوا اختصاصات الدولة مشاعا بينهم، تعرف عليهم بسهولة لأنه يعرف تاريخهم النضالي في ليالي الأحياء التي ينتمون إليها، ولم يجد صعوبةفي التعرف على أصواتهم التي تطالب بما تطالب، إنها نفس الأصوات التي كانت تعكر عليهم هدوء لياليهم، فلم يكن للشعب أن يتبع صعاليكه فهو يعرف مصداقيتهم منذ زمن بعيد.
فمن الأحياء من انتفض ضد صعاليكه بالأخيار من رجاله، وفي بعض المرات بصعاليك من نفس الطينة إلى أن أعيى التيه العدل والإحسان التي تحولت إلى بقرة حلوب عند صعاليك الأحياء الذين يلجؤون إلى صندوق الجماعة من أجل استجداء التمويل عندما يكونون في حالة خصاص، ففي أكثر من مرة كان المسؤول عن شبيبة الجماعة الإسلامية في أكبر مدينة بالمغرب سخيا مع صعاليك الأحياء الذين يلجأون إليه من أجل تمويل “نشاطهم”.
وبين الفينة والأخرى كان بعض النشطاء يسقطون في حالة تلبس من مال الجماعة التي كانت في حاجة إليهم “كديكور” من أجل تسويق الحركة المتعددة المشارب و التيارات.
وآخر صعاليك التيه في الشوارع سقط بعد أن وضعت القنصلية البلجيكية بالدار البيضاء شكاية ضده وصحبه من أجل تزوير ملفات طلب الفيزا إلى الديار البلجيكية، فإذا كان الذين سقطوا من قبله ربما يمارسون حريتهم الفردية في استهلاك الشيرا وغيرها من الأنشطة النضالية، فإن سقوط أكثر من ناشط فبرايري في تنشيط عصابة لتزوير طلبات الفيزا يجيب على السؤال لماذا قاطع الشعب حركة 20 فبراير؟
الشعب قاطع 20 فبراير لأن جزءا كبيرا من شعاراتها المركزية زائف وغير أصيل، وأن بعض القادة الميدانيين للحراك لم تكن لهم مصداقية البتة، فالشعب لا يمكن له أن يقبل أن يقود المستقبل “صعاليك”، أولادهم وجيرانهم شهود على سلوكهم غير السوي.
لا يمكن للشعب أن يهدم الصرح المستقر ويتطلع إلى مستقبل يبنيه بنكرات الحواري وصعاليكها ودعاة بعض الحريات الفردية التي لازالت صادمة لأغلبية المجتمع.
بعد عام من الحراك (2011/2012) انسحبت العدل والإحسان وقررت العودة إلى الشعب لكي تعيد تربيته لأنه لم ينقد لها ولم يتبعها وبعض اليسار اعتبر أن الشعب المغربي “مكلخ” لأنه لم يجاريه في لعبة التيه وتحول الحراك إلى صراع بين شبيبات الأحزاب وصعاليك الحركة حول من أدخل 20 فبراير في غيبوبتها السرمدية.