agora.ma
جميل أن يتابع المرء الحركية السياسية في بلده من بلد الاغتراب، وجميل أن يكون الإنسان مواكبا لتطورات بلده ومرتبط ولو عاطفيا بوطنه، ولكن الأجمل من أجل المحافظة على مصداقيته ومصداقية ما ما يطرح من آراء وخلاصات هو صدق وصلابة عناصر التحليل، لأن التحليل المبني على الحلم لا يولد في الأخير إلا الخيبة والانتكاسة التي قد تؤثر على التوازن النفسي لصاحب التحليل وتفقده ما تبقى له من رصيد.
واحد من هؤلاء هو بوبكر الجامعي، الذي اصر على تجديد حلمه وهو يتحدث عن الأحكام التي اصدرتها المحكمة الابتدائية بالرباط في قضية الصحفية هاجر الريسوني ومن معها، إذ قال، بدون مقدمات لإذاعة راديو فرنسا الدولية: “هذه المحاكمة كانت منتظرة لأن أي نظام متسلط يتجلّى في كون العدالة لا تعارض الشرطة. هذه المحاكمة تضع الملكية أمام نوع من السكيزوفرينيا بحيث تظهر على أنها حامية للحقوق المجتمعية، لكنها معروفة أيضا، بارتباطها بمحيط محافظ. وفي المغرب، تتحرك العدالة والشرطة كحرس امبراطوري همّه الوحيد هو حماية الملكية والنخب المرتبطة بها”.
كلام مثل هذا، لا يمكن نعته إلا بكلام شخص حالم، شخص ظل يردد ويحلم بأن المغرب ليس استثناء وأنه في وضعية بركان وأن الديمقراطية الأفلاطونية لا بد أن تمر من مرحلة العنف الثوري والعنف السلطوي المضاد والدم ورائحة الموت والمقابر. والحل ذلك فتحت له القنوات الفرنسية أبوابها كما فتحتها لكبار القوم. كان، خلال زمن حركة 20 فبرابر، يظن أن العد العكسي قد بدأ واستعد بجميع ما أوتي لكي يواكب حكم المغرب من طرف كل الخوارج.
ماذا يعرف بوبكر عن الشعب، وماذا يعرف الشعب عن الجامعي؟!
بوبكر الجامعي لم يعرف يوما الشعب، ولا الشعب عرفه يوما، فمنذ أن كان يدير اسبوعية “لوجورنال”، كان لا يتوقف عن مسامرة كل أصحاب المؤسسات المالية بمن فيهم خوارجها الذين غرفوا من الطنجيات المالية وطردوا لأنهم لم يَصْدُقُوا الفعل.
كان عدوا لرجل الأعمال فلان وصديقا لآخرين، وحتى الذين مروا كالسراب من عالم المال والأعمال. فهل مثل هذا يعرف الشعب ويعرفه الشعب، حتى يحملا هم بعضهما البعض! لأن مسلك بوبكر لا يفيد في معرفة الشعب، فهو عرف جزءا من النخبة الفاسد والنظيف منها، ولكنه لم يعرف الشعب.
الشعب لا يعرف بوبكر ولكنه يعرف الفقيه بوشتة الجامعي في درب السلطان، الشعب لا يعرف بوبكر لأن بوبكر لم يكتب يوما للشعب كان يكتب لنفسه وحتى عندما ينتقد فهو ينتقد أعداء نفسه ولا ينتقد أعداء الشعب وحتى عندما كتب بشكل سيء عن اليوسفي فهو كتب عن أستاذ المقاومين ولو كتب ما كتب فاليوسفي سيبقى محبوبا عند الشعب لأن الشعب يعرف اليوسفي منذ زمان منذ فقده لرئته من أجل الشعب…
قضية الصحفية هاجر الريسوني، قضية عادية، اجري بخصوصها بحث بأمر من النيابة العامة، وعرضت على المحكمة الإبتدائية بالرباط وفق الاختصاص. ومارس دفاعها مآزرته لموكلته وفق القانون. فما علاقة النظام الملكي بقضية معروضة على محكمة ابتدائية، وما علاقة القانون بحرية المرأة في المغرب؟ وما علاقة أجهزة الأمن بهذه القضية؟
ألا يعلم بوبكر أن المغرب مجتمع مفتوح وليس مجتمعا مغلقا، الناس ليست مكبوتة في التعبير عن تمنياتها، وتمارس حريتها في أكثر من مجال، وكثيرون يمارسون بالملموس حريتهم، ألا يعلم بوبكر أن المجتمع المغرب، خليط بين المحافظين (قراءة وكتابة ووعيا) وبين الحداثيين (قراءة وكتابة ووعيا)، وبين محافظين بالفطرة واخرون بالصدفة، وحداثيين بالممارسات الحرة، التي يحاول المحافظ تفاديها، أو يمارسها خفية. وكل هؤلاء مسلمون ومؤمنون.
ألا يعلم الجامعي أن المشرع المغربي، واع بطبيعة هذا الخليط، لذلك وضع قوانين، املا في احتواء الجميع. والقوانين، أصلا توضع للاحتكام إليها وقت حدوث نزاع.