خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله
(بقلم : هشام الأكحل) من /و م ع/
بوينوس أيريس – هزيمة قاسية للتحالف الحاكم في الأرجنتين في الانتخابات الممهدة للرئاسيات تتسبب في اضطراب بالأسواق المالية و انهيار كبير في قيمة العملة المحلية أعقبته احتجاجات في شوارع بوينوس أيريس واستقالة وزير المالية من منصبه وتخفيض وكالتي التصنيف الائتماني “فيتش” و”ستاندارد اند بورز” درجة الدين السيادي للأرجنتين، كل ذلك في ظرف أسبوع واحد.. فهل دخلت الأرجنتين مجددا دائرة عدم اليقين السياسي والاقتصادي؟.
لقد عاشت البلاد على مدى الأسبوع الماضي أياما عصيبة دوخت الأرجنتينيين وأرقتهم وأعادت إلى الأذهان شبح الأزمات السابقة حينما أعلنت البلاد عجزها عن سداد الديون، لا سيما وأن اقتصاد البلد الجنوب أمريكي ما أن ينتعش لبضعة أشهر حتى يعاوده الركود وتنغص انتعاشته الظرفية معدلات التضخم، تلك المعضلة التي لم يجد لها الخبراء الاقتصاديون من وصفة تذهب عن البلاد بأسها.
أما السيناريو الذي قلب الأوضاع رأسا على عقب ولم يكن حتى أكبر المتشائمين يتخيله، فهو أن يلحق ألبيرتو فيرنانديز المرشح للرئاسة عن تحالف المعارضة “جبهة الجميع” إلى جانب الرئيسة السابقة كريستينا فيرنانديز دي كيرشنير (المرشحة لمنصب نائبة الرئيس)، في الانتخابات الأولية الممهدة لرئاسيات أكتوبر المقبل، هزيمة قاسية (بفارق 15 نقطة) بتحالف “جميعا من أجل التغيير ” الذي يتزعمه الرئيس الحالي ماوريسيو ماكري الطامح إلى ولاية ثانية على رأس البلد الجنوب أمريكي.
فإذا كانت الانتخابات التمهيدية تعرف بكونها تمرينا ديمقراطيا دأبت عليه الأرجنتين منذ العام 2009 لاختيار المرشحين الذين يتمكنون من الحصول على نسبة لا تقل عن 5ر1 بالمائة من الأصوات، فإن هذه الاستحقاقات شكلت استطلاعا للرأي كشف عن وجود نسبة كبيرة من عدم الرضا عن أداء حكومة الرئيس ماكري الذي بالكاد أحرز تحالفه (32 بالمائة) في وقت تمكن فيه ألبيرتو فيرنانديز من الحصول على أزيد من 47 بالمائة من الأصوات.
كثير من المراقبين اعتبروا أن الاقتراع انتظرته فئة كبيرة من الأرجنتينيين ليدلوا بأصواتهم ضد ماكري وتحالفه عقابا له على عدم قدرته على إخراج البلاد من أزمة تتفاقم شهرا بعد آخر، وتنعكس على القدرة الشرائية للمواطنين الذين يواجهون غلاء الأسعار وارتفاع معدلات التضخم في بلاد مرتبطة بشكل وثيق بالعملة الأمريكية.
وغداة هذه الاستحقاقات انهارت قيمة العملة الأرجنتينية بأزيد من 18 في المائة في يوم واحد أطلق عليه يوم “الاثنين الأسود”، حيث يتعلق الأمر بأسوأ انهيار في قيمة البيسو في ظرف يوم واحد بعد الانهيار الذي شهدته في 17 دجنبر 2015 (انهارت حينها ب 36 في المائة) إثر رفع ادارة الرئيس الحالي ماوريسيو ماكري المراقبة على سوق صرف العملات.
وليتوالى بعدها هبوط العملة الأرجنتينية طيلة الأسبوع الماضي حيث بات الدولار الواحد تتراوح قيمته ما بين 8ر57 إلى 1ر62 بيسو وهو الذي ظل مستقرا لأشهر بين 41 و 46 بيسو.
وفي خطوة تروم تهدئة السوق المالية واحتواء تداعيات انهيار البيسو أعلن الرئيس الأرجنتيني عن حزمة من الإجراءات الاقتصادية تشمل الرفع من الأجور وتخفيض الضرائب ومنح مساعدات اجتماعية لبعض الفئات.
وقال ماكري في خطاب متلفز بدأه بالاعتراف بكونه تلقى الرسالة التي أراد الأرجنتينيون إيصالها إليه ليلة الانتخابات التمهيدية، إن الإجراءات المذكورة تهم أيضا تجميد أسعار المحروقات طيلة 90 يوما، ومنح مهلة عقد كامل للمقاولات الصغرى والمتوسطة لأداء ديونها المستحقة لدى إدارة الضرائب.
ولم يطل الرد على هذه الاجراءات حيث اعتبرتها أطياف المعارضة أنها وإن جاءت متأخرة فإنها غير كافية أمام الأزمة الاقتصادية التي يعيشها ثاني أهم اقتصاد في أمريكا الجنوبية.
رد آخر جاء هذه المرة عن طريق مظاهرة حاشدة جرى تنظيمها بوينوس أيريس الخميس الماضي، شارك فيها آلاف الأشخاص، وذلك للاحتجاج ضد سياسات حكومة الرئيس ماكري. ورفعوا شعارات ولافتات مناهضة لسياسات الحكومة على الخصوص في ما يتعلق بالاقتراض من صندوق النقد الدولي، وإجراءات التقشف.
كما نددوا بتدهور الأوضاع المعيشية وتفاقم التضخم وتقويض القدرة الشرائية، معبرين عن رفضهم لحزمة الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس الأرجنتيني في مسعى للحد من تداعيات انهيار قيمة العملة المحلية، واعتبروا أنها تدابير ذات نفس انتخابي ليس إلا.
ومن خارج الأرجنتين تفاعلت وكالتا التصنيف الائتماني “فيتش” و”ستاندارد اند بورز” مع حالة الاضطراب التي تعيشها الأسواق المالية الأرجنتينية وخفضتا درجة الدين السيادي للأرجنتين، وقامت وكالة فيتش بخفض درجة الأرجنتين من بي إلى “سي سي سي” وعلى المنوال ذاته قامت “ستاندارد أند بورز” بتخفيض من “بي” إلى “بي ناقص”.
وكأن المصائب تأتي تباعا لحكومة ماكري إذ قدم وزير المالية الأرجنتيني، نيكولاس دوخوفني استقالته من منصبه على خلفية الأزمة المالية والانهيار الكبير الذي تكبده “البيسو” منذ أيام متأثرا بنتائج الانتخابات الأولية.
وكتب دوخوفني الذي يعتبر مهندس الاتفاق الذي توصلت إليه بلاده مع صندوق النقد الدولي وحصلت بموجبه على تمويل بقيمة 57 مليار دولار لاحتواء الأزمة، في رسالة استقالته: “اتخذت هذا القرار بناء على قناعة مفادها أن الادارة التي أتولاها بحاجة الى تجديد كبير في الشأن الاقتصادي”، معترفا بارتكاب أخطاء، ومعربا عن أمله في تمكن بلاده مستقبلا من بلوغ أهدافها المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والقضاء على الفقر.
لا يفصل الارجنتينيين عن موعد الانتخابات الرئاسية سوى 70 يوما، ووفقا للقانون الانتخابي، فإن حسم الفوز من الدور الأول يكون للمرشح الحاصل على 45 في المائة من الأصوات أو الحاصل على 40 في المائة بفارق يتجاوز 10 في المائة عن أقرب منافس له.
وفي حال عدم تحقق هذه المعادلة يتم اللجوء إلى جولة ثانية حاسمة، و أخذا بعين الاعتبار السياق الاقتصادي والمالي المضطرب ونتائج الانتخابات التمهيدية التي انهزم فيها التحالف الحاكم بفارق 15 نقطة أمام ألبيرتو فيرنانديز ، فهل سيكون بمقدور ماكري الذي يسعى وراء ولاية ثانية، العودة من بعيد، أم أن السيل قد بلغ الزبى واختار الأرجنتينيون التعويل على تيار آخر لعله يوصلهم إلى شط الأمان؟..وحدها صناديق الاقتراع تملك الجواب.