خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله
(بقلم: رضوان البعقيلي) /و م ع/
واشنطن – من بيونغ يانغ إلى طهران، مرورا ببكين وكراكاس ومكسيكو (…)، تشكل سياسة “العصا والجزرة” التي تنهجها الإدارة الأمريكية، عنوانا بارزا في التعاطي مع قضايا أمنية وسياسية واقتصادية تضع واشنطن في مواجهة متعددة الجبهات مع أنظمة وقوى إقليمية ودولية يمثل “ترويضها” وإعادة ترتيب أوراق العلاقة معها، بما يخدم المصلحة الأمريكية في المقام الأول، رهانا أساسيا في الأجندة السياسية الأمريكية التي ترفع في عهد الرئيس دونالد ترامب شعار “جعل أمريكا عظيمة مجددا”.
فسواء تعلق الأمر بالملف النووي لكوريا الشمالية وطموحاتها العسكرية التي تعتبرها واشنطن تهديدا للأمن والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، أو النزاع التجاري مع المارد الصيني الذي اتخذ أبعادا غير مسبوقة باتت تهدد استقرار الاقتصاد العالمي، أو الاتفاق التجاري لأمريكا الشمالية الذي أصرت الولايات المتحدة على إعادة صياغته، وكذا قضية الهجرة التي تعكر صفو العلاقات مع الجار الجنوبي (المكسيك)، لا تتردد الإدارة الأمريكية في تسخير كافة الأوراق المتاحة لديها، ترغيبا أو ترهيبا، لتنفيذ هذه السياسة (الحشد السياسي، الضغط الاقتصادي، التلويح بالخيار العسكري) واستثمار النتائج المحرزة لتعبيد الطريق على المستوى الداخلي أمام ولاية ثانية للجمهوريين على رأس البيت الأبيض.
ويرسم التوتر الشديد في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، منذ شهرين، والذي أخذ منحى خطيرا بعد إسقاط إيران لطائرة أمريكية مسيرة في 20 من الشهر الجاري، ملمحا بارزا لسياسة واشنطن التي تزاوج بين الضغط السياسي وتشديد الخناق اقتصاديا مع ترك الباب مواربا للتفاوض والوصول إلى حلول للأزمات القائمة.
وإذا كان الخلاف والتباين هو السمة التي طبعت على مدى أربعة عقود علاقات إيران مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، جمهورية كانت أم ديمقراطية، فإن بوادر التشدد والحزم في التعاطي مع الملف الإيراني لاحت منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض حيث بادر إلى الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، مرفقا ذلك بعقوبات اقتصادية ومالية قاسية على طهران وذلك ردا على ما تعتبره الإدارة الأمريكية “تحركات استفزازية متزايدة لطهران”.
وشكلت العقوبات التي طالت قبل أيام المرشد الأعلى في إيران وقادة في الحرس الثوري حلقة جديدة في سلسلة التدابير الأمريكية الرادعة، فيما أعلنت وزارة الخزانة أنها ستدرج وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف على القائمة السوداء وستجمد مزيدا من الأصول الإيرانية تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.
وسعت إدارة الرئيس دونالد ترامب أيضا لدفع حلفائها إلى الحد من روابطهم الاقتصادية مع إيران وشل مصدرها الرئيسي للدخل بجعل الصادرات النفطية الإيرانية “أقرب ما يكون إلى الصفر”، معتبرة أنها ستكون قادرة على الوصول إلى هذا الدخل خلال العام الحالي.
وفي هذا الإطار، أكد الرئيس ترامب أن واشنطن ستواصل زيادة الضغوط على طهران “، معتبرا أنه “لا يمكن لإيران امتلاك سلاح نووي مطلقا”. وأضاف أن “قادة إيران يفهمون فقط القوة، والولايات المتحدة أقوى قوة عسكرية في العالم إلى حد بعيد”، مشيرا إلى أن “الشعب الإيراني الرائع يعاني وبدون أي سبب على الإطلاق. فيما قيادته تنفق كل أموالها على الإرهاب، والقليل على أي شيء آخر”.
وترافقت الإجراءات الحازمة المتخذة ضد النظام الإيراني ، والتي لا تنفصل برأي المراقبين عن التوجه الأمريكي الرامي إلى إعادة ترتيب الأوراق في منطقة الشرق الأوسط من حيث التحالفات والاصطفافات لعزل طهران “وردع سلوكاتها المزعزعة للاستقرار”، بتطور ميداني لافت تمثل في إرسال واشنطن مطلع شهر ماي تعزيزات عسكرية إلى المنطقة على خلفية اتهامات لإيران بالتحضير لهجمات “وشيكة” ضد مصالح أمريكية.
وبنبرة تهديدية واضحة، حذر الرئيس الأمريكي إيران من أن أي هجوم على مصالح بلاده سيؤدي إلى رد “ساحق” قد تكون نتيجته “إزالتها” من الوجود.
وصب حادث إسقاط طهران للطائرة الأمريكية المسيرة مزيدا من الزيت على نار الأزمة المشتعلة مؤججا المخاوف من انفلات الوضع في منطقة استراتيجية تعيش أصلا أوضاعا أمنية غير مستقرة، لاسيما بعد إلغاء الرئيس ترامب في اللحظة الأخيرة توجيه ضربة انتقامية ضد إيران.
وفي مؤشر على المخاطر المحتملة للتدهور الحاصل في العلاقات بين واشنطن وإيران على منطقة الشرق الأوسط برمتها، سجل المراقبون تصعيدا خلال الأسابيع الأخيرة في الهجمات التي يشنها المتمردون الحوثيون (المدعومون من قبل إيران) بالصواريخ والطائرات المسيرة عبر الحدود مع المملكة العربية السعودية. كما شهدت المنطقة سلسلة هجمات تعرضت لها ناقلات نفط واتهمت واشنطن النظام الإيراني بالضلوع فيها.
وفي ذروة التصعيد بين البلدين، وعلى نقيض تصريحاته ولهجته الحازمة، فتح الرئيس الأمريكي كوة في جدار الأزمة بدعوته للقادة الإيرانيين إلى التفاوض من أجل “التوصل لاتفاق يجنبهم التعرض للعقوبات”، معتبرا أنهم سيكونون “أغبياء” و”أنانيين” إذا رفضوا هذا العرض.
وأكد الرئيس الأمريكي من أوساكا التي استضافت قمة مجموعة العشرين أنه ” ليس في عجلة من أمره ” لإيجاد حل للتوترات بين الولايات المتحدة وإيران، مضيفا “لدينا كثير من الوقت. لا داعي للعجلة، يمكنهم أخذ وقتهم. لا يوجد إطلاقا أي ضغط”. وأعرب عن الأمل في “أن ينجح الأمر بنهاية المطاف. إذا نجح، سيكون جيدا، وبحال العكس، فإنكم ستسمعون بذلك”.
ويحاكي هذا السلوك، برأي المتتبعين، الأسلوب الذي أدار به الرئيس ترامب النزاع مع كوريا الشمالية حول ملفها النووي والذي أفضى بعد تصعيد سياسي وتشديد للعقوبات وتلويح باللجوء إلى الخيار العسكري، إلى عقد قمتين مع كيم جون أون لم تكللا بنتائج ملموسة.
وفي ضوء ذلك، يطرح العديد من المراقبين تساؤلات مشروعة حول نجاعة سياسة “العصا والجزرة” التي تنهجها الإدارة الأمريكية ومدى قدرتها على تحقيق الأهداف المرجوة منها بعد مضي ثلاث سنوات من ولاية دونالد ترامب الرئاسية، مبدين تخوفهم من أن تخطئ “حسابات الحقل حسابات البيدر”.