أمام سبورة إعلانات معلقة على أحد جدران مدخل كاتدرائية سيدة النصر بالعاصمة السنغالية دكار، وقفت السيدة مريما، المسيحية الذي تجاوزت الأربعين بقليل، تطالع إعلانا لإحدى وكالات الأسفار تقدم فيه عرضا لمقام ديني سياحي يمتد لأسبوع بالمغرب لمواكبة الزيارة التي يعتزم قداسة بابا الفاتيكان فرنسيس القيام بها للمملكة يومي 30 و31 مارس الجاري.
إعلان وكالة الأسفار الذي تصدرته عبارتان بالبنط العريض هما “زيارة قداسة البابا لأرض إفريقية.. الحوار الإسلامي المسيحي”، يقول إنه “بمباركة من أسقف دكار السيد بنيامين ندياي، تقترح (الوكالة) على الطائفة الكاثوليكية حجا إلى المملكة المغربية للقاء قداسة البابا فرنسيس الذي يقوم بزيارة بابوية يومي 30 مارس (الرباط)، و31 مارس (الدار البيضاء). إنه سفر إلى أرض إفريقية في بلد إسلامي”.
تقول مريما في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء وهي تقرأ على الملصق الدعائي عبارة تصف هذه الزيارة البابوية ب”الحدث التاريخي والمتفرد”، إن “الأمر يتعلق فعلا بحدث تاريخي ومتفرد يغري بحضوره. لقاء البابا بالنسبة للمسيحيين فرصة لا تتكرر دائما. والذي يستطيع التوجه للمغرب لاستقبال قداسة البابا محظوظ فعلا”.
والسنغال بلد ذو غالبية مسلمة تتجاوز 95 في المائة، فيما تعد الطائفة المسيحية في هذا البلد أقلية تحظى بالكثير من الاحترام.
شابة أخرى مسيحية تدعى فرانسواز صامب، أكدت في تصريح مماثل، أنها ستتوجه إلى المملكة لتكون في استقبال بابا الفاتيكان، قائلة “أختي توجد هناك (في المغرب)، وستحضر هذه الزيارة التاريخية. أنا أيضا سألتحق بها”.
ويشكل لقاء بابا الفاتيكان بشكل مباشر مصدر سعادة للمسيحيين الكاثوليك الذين يرون فيه رجل حكمة وبركة.
تقول فرانسواز “إنها بركة أن تشاهد هذا الرجل الذي يوجد في رأس هرم السلطة الدينية في الديانة المسيحية”.
الأمر نفسه عبر عنه السيد أوغستان ريمون ندياي، الذي قال إن “لقاء هذه الشخصية مباشرة يعد نعمة عظيمة. وأن تتوفر لنا الفرصة لرؤيته في المملكة المغربية لهو أمر يبعث على السعادة الغامرة، ويعد بمثابة بركة”.
وأضاف ندياي في تصريح للوكالة، أن “مما يزيد من أهمية هذه الزيارة كونها تنظم في المغرب. إنه بلد قريب من السنغال. هذا علاوة على الروابط المتينة التي تجمع المملكة بالسنغال”.
“أن نعيش هذا الحدث جنبا إلى جنب مع أصدقائنا المغاربة هو وسيلة رائعة لنبرز للعالم أن بإمكاننا العيش في جو من الأخوة والتضامن والوئام”، يقول ندياي.
هذا الترحيب الكبير بزيارة بابا الفاتيكان للمغرب، يؤكده مسؤولو الكنيسة الكاثوليكية بالسنغال كذلك.
وفي هذا الصدد، يقول القس أوغستان تياو، الأمين العام للمؤتمر الأسقفي للسنغال وموريتانيا والرأس الأخضر وغينيا بيساو، في تصريح للوكالة، إنه “تلقينا نبأ زيارة البابا للمغرب بكامل الفرح. نحن نشعر وكأنه يزورنا في بلادنا”.
ويضيف تياو “هذا الحدث يجعلنا نتذكر زيارة البابا يوحنا بولس الثاني للسنغال سنة 1992”.
وأبرز القس تياو أنه “بمباركة من أسقف دكار السيد بنيامين ندياي، تم إطلاق مبادرات من أجل دعوة مسيحيي السنغال للتوجه إلى المغرب لمواكبة هذه الزيارة المباركة. تم تعليق ملصقات في جميع الكنائس لهذا الغرض (..) نحن نطمح لأن تكون مشاركة مسيحيي السنغال في هذا الحدث قوية”.
وحسب الأمين العام للمؤتمر الأسقفي للسنغال وموريتانيا والرأس الأخضر وغينيا بيساو، فإن “تحمل مسيحيي السنغال لكلفة زيارة المغرب للقاء بابا الفاتيكان والتي تقدر بحوالي 700 ألف فرنك إفريقي (حوالي 12 ألف درهم مغربي)، يبرز الحرص على اللقاء بشخصية دينية مرموقة في الديانة المسيحية. إنهم لن يذهبوا للمملكة باعتبارهم سياحا، وإنما باعتبارهم حجاجا يسعون لتقوية إيمانهم”.
وفي سياق متصل، اعتبر القس تياو أن زيارة البابا فرنسيس إلى المغرب تعكس الحرص على “إشاعة لقيم الحوار والتسامح بين الديانات”، وتشكل “دعوة للعالم بأنه محكوم علينا أن نعيش في جو من التوافق”.
هذا الحرص على إشاعة قيم التسامح والسلام كان أمير المؤمنين، الملك محمد السادس، جدد التأكيد عليه في برقية التهنئة التي بعثها قبل أيام إلى قداسة البابا بمناسبة الاحتفال بالذكرى السادسة لاعتلائه الكرسي البابوي لحاضرة الفاتيكان.
وكان جلالة الملك قال في هذه البرقية “أؤكد لقداستكم حرصي على مواصلة العمل سويا معكم من أجل الإسهام في ترسيخ ما تتقاسمه الإنسانية من قيم دينية وروحية سامية، تدعو إلى السلم والتسامح والعيش المشترك، وتنبذ كل أشكال الجهل والكراهية والتطرف”.
كما قال جلالة الملك في هذه البرقية “إني أتطلع لأن تشكل زيارتكم المقبلة إلى المملكة المغربية مناسبة سانحة لتبادل وجهات النظر والتياور مع قداستكم حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، سعيا منا إلى دعم المساعي والجهود الهادفة إلى توطيد جسور التواصل والحوار البناء والتفاهم بين مختلف الديانات والثقافات”.
وعودا على عرض وكالة الأسفار السنغالية لمواكبة زيارة البابا للمملكة، تقول الوكالة المعنية إنه مفتوح أمام المسلمين أيضا. وهو يقترح -إلى جانب مواكبة أنشطة البابا في مدينتي الرباط والدار البيضاء- زيارة لمدينة فاس التي تحظى بتقدير خاص لدى مسلمي السنغال، ولاسيما من أتباع الطريقة التيجانية، باعتبارها تحتضن ضريح مؤسس الطريقة الشيخ سيدي أحمد التيجاني.
ويعد التعايش بين المسيحيين والمسلمين في السنغال ضاربا في التاريخ، لدرجة أن الأديب ليوبود سيدار سنغور، الذي كان أول رئيس للسنغال لمدة عشرين سنة (1960-1980)، كان مسيحيا، بما يجعل من بلد التيرانغا نموذجا يحتذى للتعايش الإسلامي المسيحي، في عالم تمزق أوصاله النزاعات الدينية.
يشار إلى أن قداسة بابا الفاتيكان فرنسيس يزور المغرب بدعوة كريمة من أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس. وتعد زيارة بابا الفاتيكان للمغرب الثانية من نوعها بعدما سبق للبابا يوحنا بولس الثاني أن زار أرض المملكة في صيف 1985، والتقى حينها بجلالة المغفور له الراحل الحسن الثاني.