فيديو: المفوض الأممي لحقوق الإنسان: المغرب نموذج يحتدى به في مكافحة التطرف
تكشف أسماء التنظيمات الإسلامية منذ ظهورها في شكل جماعات معاصرة (منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين سنة 1928) عناصر أرضيتها الفكرية واستراتيجيتها التي تطرحها على نفسها عند التأسيس. فمنها جماعات ارتبطت بتخطيط طويل الأمد وأخرى ذات مهام ظرفية ومحددة وهي في الغالب مفتعلة، ومنها تنظيمات أخرى ربطت نفسها بالله لتكون “ممثلة” له على الأرض بقوة السلاح.
الجماعة الأم في كل هذه العائلات الإسلامية الحركية هي جماعة الإخوان المسلمين، التي تعكس تسميتها علاقة بين الباطن الفكري الإسلامي والشكل التنظيمي العضوي الذي تتشكل منه الجماعة.
وتعتبر كلمة “إخوان”، وهي الكلمة المفتاح في التعريف بهذه الجماعة، مستوحاة من الأفكار التي أتى بها الإسلام عن العلاقة بين المسلمين بشكل عام وهي “الأخوة في الدين” أي أن الرابط بين المسلم والمسلم تماما كالرابط بين الأخ وأخيه في العائلة، ومن ذلك تشكلت الخلايا التنظيمية التي تكون النواة الأولى للتنظيم الإخواني وهي “الأسرة”. وتعتبر الأسرة الإطار الأول الذي يمر من خلاله الفرد عند استقطابه حديثا ليتكون فيها فكريا وسياسيا وتنظيميا.
وتعتبر هذه الفكرة المؤسسة التي أتى بها حسن البنا (مؤسس الجماعة) من أولى الإشارات التي تعكس تناقض الجماعة مع الحداثة والمواطنة والانتماء إلى الدولة، فتشكيل الوعي بالانتماء إلى الجماعة وتصويرها على أنها رابطة دموية يهدم مصطلح الدولة والمواطنة والقانون في ذهن الإخواني لينخرط بشكل تام في أطر موازية للعالم المعيش، ولعل أفكارا كهذه كانت الأرضية الخصبة لتوليد معاني “الاغتراب والجاهلية والحاكمية” التي أتى بها سيد قطب من بعد. لذلك فإن تسمية الإخوان المسلمين كانت في شحنتها السيميائية إشارة إلى بداية حقبة طويلة لم تتوقف من التناقض بين عالم الإسلاميين والتاريخ المعيش.
لم يدم الأمر زمنا طويلا حتى ظهر أول التنظيرات لتكوين الجماعات المسلحة الجهادية المعروفة اليوم. فبعد سطوع نجم سيد قطب المنظر الإخواني المعروف، وإرسائه لمبادئ جهادية مبنية على تصورات “متطورة” لطرح جماعة الإخوان المسلمين، أخذت الخلايا الإسلامية منذ الستينات بالاتجاه نحو التخلص من الارتباط بالإخوان المسلمين وتأسيس جماعات مسلحة تتجاوز في جرأتها وعملياتها جرأة وقوة عمليات الإخوان المسلمين التي وصلت إلى أقصاها في محاولة اغتيال جمال عبدالناصر سنة 1954، لتنجح جماعة الجهاد الإسلامي بعد ذلك في اغتيال الرئيس أنور السادات سنة 1981.
جماعة الجهاد الإسلامي أسستها مجموعة من الطلبة المصريين الدارسين في مستوى الثانوية العامة، وهم أساسا علوي مصطفى وإسماعيل طنطاوي ونبيل البرعي، وقد أكدت البحوث المنجزة حول هذه الجماعة أن تسمية “جماعة الجهاد الإسلامي” كانت مقصودة وفق مكامن المواقف التي لدى مؤسسيها من الإخوان المسلمين، فالاحتفاظ بكلمة جماعة يدل على أصل هذا التنظيم المنبثق من رحم الإخوان، وجماعة الجهاد الإسلامي هي رسالة للتمايز على الإخوان المسلمين لأنهم في نظر الطلبة المؤسسين “قد تخلوا عن العمليات الجهادية ضد السلطة” فسميت الجماعة بجماعة الجهاد الإسلامي.
وتعد جماعة الجهاد الإسلامي هذه المجموعة الأولى التي من خلالها ظهر تنظيم القاعدة. وتعود جذور اسم القاعدة إلى مقال كتبه عبدالله عزام في إحدى المجلات التي كانت تصدر في أفغانستان باسم “القاعدة الصلبة”، وكان يدعو إلى تأسيس قاعدة للجهاديين في أفغانستان.
ولئن كان المقصود بالقاعدة هو تأسيس مساحة خاصة بالجهاديين في منطقة أفغانستان للتدريب على الفكر والسلاح، إلا أن الظروف التي تأسست فيها القاعدة ساعدت على توسع هذا التنظيم بانضمام الجهاديين العرب إلى المقاتلين ضد السوفييت. ويمثل التنظيم بدوره بؤرة لتفريخ جماعات أخرى منها “الموقعون بالدماء” الذي يعتبر تنظيما مخابراتيا بامتياز انطلاقا من تسميته، وأيضا ما يسمى اليوم بتنظيم الدولة الإسلامية.
فقد بدأت الدولة الإسلامية بالعراق والشام بالظهور في مفترق تاريخي بين سعي العراقيين والسوريين إلى إسقاط نظامي الحكم في دولتيهم، وبين الحاجة إلى التسلح، ليظهر داعش في مرحلة أولى مستغلا المناخ الفوضوي “العراق والشام”، وبعد أن قويت شوكة التنظيم أصبح اسمه “الدولة الإسلامية” في دليل على دخوله مرحلة العالمية وهو ما تأكد من خلال عملياته في أوروبا وشمال أفريقيا وأميركا وحتى جنوب آسيا وأفريقيا.
من ناحية أخرى، عرفت التنظيمات الإسلامية التي تمثل الطائفة الشيعية بأسمائها المرتبطة مباشرة بالذات الإلهية، لتدعي تلك الحركات الإسلامية المسلحة في مناسبة أخرى أنها المتحدث باسم الله على الأرض. فتنظيم حزب الله اللبناني مثلا، ومثيله في العراق، كانت تسميته منذ تأسيسه عبارة عن مصادرة لمبررات الجماعات الجهادية الأخرى في أنها تنشط باسم الله. فقد كانت الظروف التي تأسس فيها الحزب بعيد “ثورة” روح الله الخميني في إيران، وما قدمه المنظر الإسلامي حسين فضل الله من تحضيرات لبروز حزب الله المسلح، مؤطرة لهذا الحزب من الناحية الفكرية والتنظيمية، خاصة وأنه كان على خط النار مع الاحتلال الإسرائيلي فاختار أفراده تسمية “حزب الله” كانعكاس للعقيدة الطائفية الشيعية التي تميز بها النظام الجديد في إيران “حزب واحد فقط وهو حزب الله، قائد واحد فقط وهو روح الله” وقد وجدوا له مبررا في آية قرآنية تقول “فإن حزب الله هم الغالبون”. فحتى تسمية الحزب تعكس ارتباطا مباشرا للحزب بالنظام الطائفي الإيراني.