بتعليمات من الملك محمد السادس: ولي العهد مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء
يأتي إعدام السعودية للشيخ الشيعي نمر النمر ضمن مقاربة أكثر جرأة تعتمدها المملكة إقليميا لمواجهة خصمها اللدود إيران، لكنه يهدد برفع مستوى التوتر المذهبي وتسعير النزاعات خصوصا في سوريا واليمن.
وكانت وزارة الداخلية السعودية قد أعلنت صباح يوم السبت، عن تنفيذ حكم الإعدام بحق 47 شخصا، وجهت لهم تهم استهداف مقار للأجهزة الأمنية والعسكرية، والسعي لضرب الاقتصاد الوطني والإضرار بمكانة السعودية وعلاقتها ومصالحها مع الدول الشقيقة والصديقة. واستعرض بيان الداخلية السعودية العشرات من العمليات الإرهابية للمنفذ فيهم حكم الإعدام، ومن بينهم نمر باقر النمر، الذي كانت المحكمة الجزائية قد أكدت، في مارس 2015، حكم إعدامه، بعد إدانته بـ”إشعال الفتنة الطائفية” و”الخروج على ولي الأمر”.
وبعد ساعات من إعلان المملكة إعدام 47 مدانا “بالإرهاب”، بينهم النمر الذي شكل أحد أكثر المتطرفين في مهاجمة الأسرة الحاكمة في السعودية في 2011، اشتدت حدة التوتر بين السعودية وإيران، إذ هاجم متظاهرون غاضبون سفارة المملكة في طهران، بينما استدعت الرياض السفير الإيراني لديها للاحتجاج على انتقادات بلاده لتنفيذ الإعدام. كما انتقدت أطراف شيعية في المنطقة إعدام النمر، لا سيما المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني، وحزب الله اللبناني. وقال حسين أمير عبداللهيان نائب وزير الخارجية الإيراني، إن “تنفيذ المملكة العربية السعودية حكم الإعدام الصادر بحق رجل الدين الشيعي ‘نمر باقر النمر’، سيكلف السعودية الكثير”.
وفي المقابل عبر مسؤول بوزارة الخارجية السعودية عن استهجان المملكة واستنكارها الشديدين ورفضها القاطع لكافة التصريحات العدوانية الصادرة عن النظام الإيراني تجاه الأحكام الشرعية التي نفذت بحق الإرهابيين في المملكة. وأكد المسؤول في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السعودية “واس”، أن تصريحات النظام الإيراني تكشف وجهها الحقيقي المتمثل في دعم الإرهاب، والتي تعد استمرارا لسياساتها في زعزعة أمن واستقرار دول المنطقة، مشيرا إلى أن دفاع نظام إيران عن أعمال الإرهابيين يبرر أفعالهم، ويجعله في خانة الشريك في جرائمهم، ويتحمل المسؤولية الكاملة عن سياسته التحريضية والتصعيدية.
وأضاف أن النظام الإيراني آخر نظام في العالم يمكن أن يتهم الآخرين بدعم الإرهاب، باعتباره دولة راعية للإرهاب، ومدان من قبل الأمم المتحدة والعديد من الدول، ويؤكد ذلك إدراج عدد من المؤسسات الحكومية الإيرانية على قائمة الإرهاب في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى توفير ملاذ آمن على أراضيه لعدد من زعامات القاعدة منذ العام 2001، علاوة على توفير الحماية لأحد المتورطين السعوديين في تفجيرات الخبر التابع لما يسمى بحزب الله الحجاز منذ العام 1996، والذي تم القبض عليه في العام الماضي وهو يحمل جواز سفر إيرانيا.
ويعتبر نمر النمر من أكبر قادة الشيعة المعارضين في السعودية، إذ أثارت خطاباته التي هاجم فيها الأسرة المالكة بالسعودية جدلا واسعا، ترتب عليها اعتقاله ثلاث مرات في 2006 و2008 و2009، قبل أن يتم اعتقاله في عام 2012 بتهمة إثارة الفتنة ضد النظام الحاكم، وذلك خلال المظاهرات التي شهدتها المملكة على خطى الربيع العربي في هذا العام، وفي أكتوبر 2014، وأدانت محكمة سعودية “النمر” بالإعدام الذي نفذ صبيحة اليوم 2 يناير 2016.
سياسة واقعية
يرجح محللون أن يؤدي إعدام النمر الذي أوقف قبل أكثر من ثلاث سنوات، إلى زيادة التوتر بين القوتين الإقليميتين الكبيرتين، واللتين تقفان على طرفي نقيض في أزمات كبرى، بينها سوريا والعراق واليمن.
ويعتبر أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة قطر محجوب الزويري أن إيران راهنت سابقا على “تردد السياسة الخارجية والداخلية السعودية”، بيد أن “ما حصل في حوالي سنة قلب الطاولة وجعل الرياض في موقف المستفز لطهران”.
فقبل زهاء عام، اعتلى الملك سلمان بن عبدالعزيز العرش في المملكة خلفا للعاهل الراحل عبدالله بن عبدالعزيز. وكذاك، يرى محللون ودبلوماسيون غربيون أن الرياض تتبع سياسة خارجية أكثر جسارة. فالرياض تقود منذ مارس الماضي تحالفا عسكريا عربيا يدعم الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ضد المتمردين الحوثيين الذين تتهمهم بتلقي الدعم من إيران. كما أعلنت في ديسمبر الماضي، تشكيل تحالف عسكري إسلامي بهدف محاربة “الارهاب”. كما أنها تشارك منذ صيف 2014 في الائتلاف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ويرى محجوب أن الرياض باتت “تمضي في أفعالها ولا تهتم بردود الأفعال”، معتبرا أن ثمة “نوعا من الاعتقاد بأن السياسة السعودية النشطة والمصممة، هي ما يقود إلى تحقيق الأهداف، بما في ذلك الرد على إيران وسياساتها في المنطقة”.
كما يذهب بعض المراقبين إلى اعتبار قرار إعدام نمر باقر النمر وكل من ثبتت إدانتهم بمثابة الخطوة الجريئة والشجاعة لا سيما في ظل التحديات التي تواجهها المملكة اليوم على أكثر من صعيد. وعكست قرارات تنفيذ الأحكام القضائية، برأيهم، بحق المتهمين حقيقة الرؤية التي تمتلكها القيادة السعودية في تعاملها مع الأحداث واختيار الوقت المناسب للتنفيذ بما يتلاءم والأوضاع السائدة في المنطقة. كما أكدت السعودية بهذه الإجراءات عمق ما تتمتع به من مفهوم للسيادة الداخلية وأعطت رسالة واضحة وبدلائل واقعية وبإشارات مهمة مفادها أن القيادة السعودية لن تسمح بأي تدخل في شؤونها الداخلية واستهداف أمنها الوطني والقومي وسلامة وحياة مواطنيها.
ويشكل إعدام النمر (56 عاما) أحدث فصول التوتر بين إيران ذات النفوذ الواسع لدى شيعة المنطقة، والسعودية التي تتهمها بالتدخل في شؤون الدول العربية المختلطة مذهبيا كالبحرين والعراق ولبنان.
ويقول المستشار في منظمة البحث الاستراتيجي في باريس فرنسوا هيسبورغ، إن إعدام النمر هو بمثابة المواجهة المباشرة بين القوتين. ويوضح “هي حال من المواجهة وجها لوجه مع بعض العقلانية. إذا كانوا (السعوديون) يعتقدون أن لا مفر من المواجهة مع إيران، فالأفضل أن يستفزوها الآن طالما أن الأميركيين (حلفاء الرياض) لا يزالون هنا، وإيران لا تزال في وضع اقتصادي وعسكري هزيل نسبيا”.
علما وأن الاتفاق حول برنامج إيران النووي الذي توصلت إليه طهران والدول الست الكبرى العام الماضي، قد قوبل بامتعاض شديد من طرف السعودية ودول خليجية أخرى، لا سيما أنه سيتيح تخفيفا تدريجيا للعقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، ما قد يسمح لها بالإفادة من موارد مالية واقتصادية.
مواجهة وجها لوجه
ورغم مواقف إيران من إعدام النمر، وأكثرها حدة للمرشد الأعلى آية الله علي الخامنئي أمس الأحد، أبدت السعودية عدم اكتراث بردود الفعل.
وقال المتحدث باسم الداخلية السعودية اللواء منصور التركي في مؤتمر صحفي إن “المملكة عندما تنفذ أحكام القضاء الشرعي فيها لا تنظر إلى أي كان، ولا تعير اهتماما لتهديداتهم آو تعليقاتهم، نحن على ثقة تامة بما نقوم به ولا نهتم لكيفية نظر الآخرين إلى الإجراءات المعتمدة لدينا”.
ويرى المراقبون أن إيران اليوم تتخبط وسط ردود فعلها الضوضائية بسبب الضغط الذي أصبحت تشكله المملكة على مصالحا على أكثر من صعيد. فعل المستوى الاقتصادي تشن السعودية عبر منظمة “أوبك” حربا نفطية اقتصادية ضد طهران برفض تخفيض الكمية المعروضة بما يهبط بأسعار النفط ويقلل مكاسب طهران المتوقع توظيفها لصالح ميزانية الحرس الثوري الإيراني والأذرع العسكرية التابعة لها بالمنطقة، وبالفعل خفضت إيران مسودة ميزانية السنة المالية القادمة بنسبة 2.6 ٪ مقارنة بخطة السنة الحالية مع تعرض المالية العامة للدولة لضغوط بفعل هبوط أسعار النفط، وهو ما لا تستسيغه طهران.
ومن جهة أخرى تشعر إيران بالخطر السعودي على مناطق نفوذها لا سيما في لبنان وسوريا واليمن في ظل السياسة التي تتبعها المملكة والتي مكنتها من الحضور كلاعب استراتيجي على جميع المحاور. ولعل ذلك ما يبرر الصراخ المتتالي للسلطات الإيرانية عقب كل حدث يجد في الداخل السعودي. ففي تصعيد هو الأخطر من نوعه، لوحت طهران باستخدام الخيار العسكري ضد السعودية، وذلك للرد على حادثة تدافع الحجاج في منى، حيث قال مساعد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة في إيران، العميد مسعود جزائري، إن القوات المسلحة على أهبة الاستعداد لتنفيذ أي مهمة في ما يخص كارثة منى المفجعة. كما هدد قائد القوة البرية في الجيش الإيراني، العميد أحمد رضا بوردستان، المملكة العربية السعودية بـ “ضربة عسكرية إن لم تكف عن القتال في اليمن”، على حد قوله، في 19 إبريل 2015 بحسب موقع قناة “العالم” الإيرانية وقال “إنها تخوض بذلك حرب استنزاف؛ قد تعرضها لضربات قاضية”.
بعد قرابة شهرين على بدء عاصفة الحزم في 26 مارس 2015 تناول الخبير الأمني في معهد واشنطن، ماثيو ليفيت، العلاقات الإيرانية السعودية المضطربة، وتصاعد لهجة الخطاب الإيراني المعادي للسعودية، موضحا أن لدى إيران تاريخا طويلا من التخطيط لهجمات ضد منافسيها السعوديين، والتهديد الدائم لمصالح المملكة في المنطقة، ومؤامرات نفذها عملاء إيرانيون ووكلاء “حزب الله”.
ويحمل إعدام النمر، رسائل إلى المعارضين في الداخل أيضا، ولا سيما إلى المواطنين السعوديين الموالين للخارج – وهذا الخارج ليس سوى إيران – وأن مجرد الاستقواء بالخارج، بصرف النظر عن المبررات والذرائع الطائفية والأقلية، والدعوة إلى التمرد على النظام والخروج عليه، سوف يواجهان بالحزم الذي قد يصل إلى الإعدام. كما يحمل هذا القرار رسالة إلى شيوخ الدين ورجاله ومؤسساته التي تتمتع بسلطات واسعة، تسمح لها بالتدخل في أدق تفاصيل حياة الناس وبذرائع ومسميات عديدة، دينية وعقائدية وأخلاقية وحتى سياسية، مفادها أن الجيل الجديد من الحكام في السعودية والذين باتوا اليوم في مواقع صناعة لن يتركوا تلك المساحة السابقة لشيوخ الدين كي يمارسوا السلطة المفتوحة التي اعتادوا عليها سابقا.
وكان شقيق الشيخ نمر النمر محمد، غرد أمس عبر “تويتر” قائلا “إنها رسالة خاسرة للصراع الإقليمي تقول: لا نزال قادرين! وللداخل تقول: إن طالبتم بالحقوق فسيف الجاهلية الأملح على رقابكم”.
وتقول الباحثة في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “تشاتام هاوس” جاين كينينمونت، إن “قرار المضي في الإعدام يعكس موقفا متشددا في وجه الانتقاد الداخلي، وهو ليس مجرد انعكاس للسياسات الإقليمية”. وتضيف أن النمر “كان ينتقد العائلة المالكة بصوت مسموع”، متوقعة أن يؤدي إعدامه إلى “زيادة الاستقطاب السعودي الإيراني”.
وتوضح أن “إيران تسعى بشكل متزايد إلى وضع نفسها في موقع المدافع عن المصالح الشيعية في العالم، والكثير من الشيعة يشعرون بالاستهداف وبأنهم في موقع الضحية، لا سيما مع صعود” تنظيم الدولة الإسلامية الذي استهدفهم في دول عدة، بينها السعودية. وتعتبر أن “السلطات السعودية سترى رد الفعل الإيراني كتأكيد جلي لوجهة نظرها القائلة بتدخل إيران في شؤونها الداخلية”.
ويرى المحللون أن التوتر المستجد بين البلدين، سينعكس حكما على ملفات في المنطقة، يخوض فيها الطرفان ما يشبه “الحرب بالواسطة”.
ويقول الزويري “هذا التوتر ربما سيدفع إيران إلى تنسيق أكثر مع روسيا لمزيد من التعقيد في المشهد السوري”، حيث يدعم البلدان نظام الرئيس بشار الأسد بمواجهة المعارضة المدعومة من دول عدة بينها السعودية. كما رجح أن “يذهب الأمر إلى إطالة أمد الصراع في اليمن” وتحويله إلى “استنزاف للسعودية، لاسيما مع الانخفاض الحاد في أسعار النفط الذي ينعكس سلبيا على إيران أيضا”
دعم عربي للسعودية
أدانت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، على لسان أمينها العام عبداللطيف الزياني، الاعتداءات على السفارة السعودية في طهران، والقنصلية السعودية في مدينة مشهد الإيرانية. واصفا إياها بـ”الهمجية”.
وحمّل الزياني السلطات الإيرانية “المسؤولية الكاملة عن هذه الأعمال الإرهابية”، مشيرا إلى أن فشل السلطات الإيرانية في منع هذه الاعتداءات يعد “إخلالا جسيما بالتزامات إيران لحماية البعثات الدبلوماسية، بموجب اتفاقية فيينا لعام 1961 والقانون الدولي”.
كما استنكر الزياني التصريحات الإيرانية العدائية ضد المملكة، معتبرا إياها “تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية”، وربط بين هذه التصريحات والهجوم على السفارة والقنصلية، معتبرا أن “تلك التصريحات قد شجعت على الاعتداءات على البعثات الدبلوماسية السعودية”. وأكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي وقوف دول مجلس التعاون مع المملكة واستنكارها للتصعيد الإيراني.
وأكد بيان وزارة الخارجية البحرينية أن “هذه الأعمال الغوغائية الهمجية تمثل انتهاكا واضحا ومرفوضا للمواثيق والأعراف الدولية ولاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 والتي تكفل أمن وحماية البعثات الدبلوماسية وأعضائها”، وطالبت البحرين الجمهورية الإيرانية “بتحمل مسؤولياتها في توفير الحماية الكافية للبعثات الدبلوماسية وأعضائها، والإسراع في اتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية رادعة بحق المعتدين”.
وأعلنت وزارة الخارجية الإماراتية استدعاء السفير الإيراني محمد رضا فياض، وسلمته مذكرة احتجاج “على خلفية التدخل الإيراني في الشأن السيادي” للسعودية، واستنكرت الاعتداءات على السفارة والقنصلية السعودية في طهران ومشهد.
كما أعلنت دولة الكويت عن “إدانتها واستنكارها الشديدين للاعتداء الذي قام به جموع من المتظاهرين ضد سفارة المملكة العربية السعودية في مدينة طهران وقنصليتها في مدينة مشهد في إيران وأدى إلى اقتحام مبنى السفارة وإضرام النيران فيها”. وحثت السلطات الإيرانية على “الوفاء بالتزاماتها لحماية مقر السفارة السعودية وسلامة موظفيها”. واعتبرت الاعتداءات “انتهاكا صارخا لاتفاقية فيينا الخاصة بالتزام الدول بحماية وصون البعثات الدبلوماسية وضمان سلامة طواقمها”.
من ناحيته، أعلن الأردن أن اقتحام السفارة السعودية يعد “خرقا فاضحا للقانون الدولي واتفاقية جنيف بشأن صون وحماية البعثات الدبلوماسية واحترامها”. وبحسب وكالة الأنباء الأردنية، فإن الأردن يعلن تضامنه مع المملكة العربية السعودية، و”وقوفه إلى جانبها في مواجهة التطرف والإرهاب، مستنكرا التدخل والتحشيد الإيراني ضدها”.