العام الثقافي قطر-المغرب 2024: عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية
خلال فصل الصيف الجاري وبمجرد انتهاء شهر رمضان، شدت العديد من العائلات المغربية المحسوبة على الطبقة المتوسطة الرحال إلى أماكن جبلية علّها تنعم بعطلة صيفية تنسيها تعب سنة مليئة بالجد والكد.
فجل العائلات خرجت من شهر رمضان منهكة الجيب، كما ينتظرها افتتاح سنة دراسية جديدة ساخنة بفعل التكاليف والمسلزمات الخاصة بها، لذا تفضل مثل هذه الأسر الاقتصار على ما بات يعرف بالسياحة الشعبية القليلة التكلفة والمتواضعة من حيث الخدمات، لكن المهم بالنسبة إلى هذه الفئة من المواطنين تغيير الجو ومحاولة الاستمتاع بعطلة صيفية تهون من ضغط السنة المدرسية والعملية المقبلة.
ففي مدينة إفران الواقعة وسط جبال الأطلس مثلا وبمجرد الوصول إليها، يصطف شبان يحركون بين أيديهم مفاتيح في إشارة منهم إلى توفر مساكن للإقامة، سعر الإيجار يزيد عن معدل 200 درهم اي ما يعادل 20 يورو لليلة الواحدة. العائلات المتوسطة الدخل تفضل كراء مثل هذه المساكن لأنها لا تقدر على الإقامة في الفنادق التي تبقي قبلة الميسورين، إذ تجد عائلات تتكون من عدة أفراد تستفيد من مساكن بغرف متعددة.
“لقد اخترنا هذه الصيغة لأنها جد عملية وغير مكلفة”. هكذا يوضح عبدالحفيظ أستاذ التعليم الابتدائي الذي يفضل دائما قضاء أيام من عطلته الصيفية في مدينة إفران الجبلية، ويضيف أن الإقامة في منزل يستأجره بمبلغ لا يتعدى 200 درهم لن يكلفه كثيرا “خصوصا أن عائلتي تتكون من زوجتي و أربعة أبناء، فإذا قصدنا الفندق فإن الأمر لن يكون بهذه السهولة”.
والغريب في الأمر أن أغلب الحالات التي تلجأ إلى الشقق المفروشة تهدف إلى الاقتصاد في ميزانية السكن، لتتمكن من الاستفادة من الجولات التي تقوم بها في المناطق المجاورة.
ففي جل المناطق الجبلية، يضطر المصطافون إلى التخييم في منازل متواضعة مفروشة، مقابل قضاء اليوم كاملا في التجوال واكتشاف المناظر الجبلية الخلابة التي تزخر بها المنطقة الجبلية.
وغير بعيد عن مدينة إفران تقع مدينة إيموزار المعروفة ببساطتها الكبيرة، إذ أنه خلافا لمدينة إفران المعروفة بالنظافة وبالاهتمام الكبير بمظهرها وبرونقها، فإن إيموزار لا تحظى بنفس المكانة بسبب الإهمال الذي تعيشه من قبل السلطات المحلية. إنها مدينة جبلية تمتاز بغزارة المياه التي تعبر السواقي في أغلب جوانب المدينة، كما أنها تمتاز بطبيعة الفواكه الموسمية كالخوخ، البرقوق، الإجاص التي تجد إقبالا كبيرا من قبل الزوار إلى جانب الإقبال المنقطع النظير على عدة أعشاب جبلية من زعتر وإكليل الجبل والخزامى وغيرها.
وعلى بعد بعض الكيلوميترات من إيموزار، تتوزع عدة عيون لمياه طبيعية تنبع من جبال الأطلس المتوسط، التي تصبح في العطل وخصوصا خلال فصل الصيف قبلة للمصطافين والزائرين الذين يتعذر عليها السفر إلى أماكن فاخرة.
عين الشفا نموذج للعيون الطبيعية الموجودة في المنطقة الجبلية للأطلس المتوسط، مكان طبيعي يستهوي العائلات الباحثة عن المتعة بأقل تكلفة. في هذا المكان المتواضع جدا من حيث جودة مرافقه، يجد الأطفال متعة كبيرة في السباحة في مسبح يتم تعبئته من مياه عين الشفا. القائمون على المسبح يغيرون المياه مرتين في الأسبوع إذ يحددون موعدا مع الزوار كل يومي الثلاثاء والجمعة لإعادة تعبئة المسبح بمياه العين بدون استعمال أي مواد حافظة.
إدريسية أم فاطمة الزهراء، تفضل عين الشفا كوجهة سياحية شعبية تعفيها من كثرة المصاريف التي يتطلبها الاصطياف. تقول هذه السيدة وهي في عقدها الرابع، إنها في الغالب تأتي إلى عين الشفا برفقة أبنائها الصغار ليتمكنوا من قضاء لحظات ممتعة هناك. وبحكم عمل زوجها الذي ما زال لم يستفد بعد من إجازته الصيفية، فإنها تستغل فراغها باعتبارها ربة بيت لترافق صغارها لهذا المسبح مقابل خمسة دراهم (حوالي نصف يورو) للفرد الواحد. “هناك، كل شيء موجود”، تقول هذه السيدة التي تعبر عن سعادتها باللحظات التي تقضيها وهي تحرس أبناءها، ولا تكلف نفسها مشقة الطبخ في المنزل بحكم أنه في هذا الفضاء تصطف محلات المأكولات لتعرض طواجين باللحم والخضر المتنوعة، إلى جانب أطباق أخرى مثل المشويات والسلطات والشاي المغربي وغيره.
ورغم بساطة المكان، إلا أن الإقبال الكبير عليه يجد أكثر من تفسير، فالطبيعة الجبلية لعين الشفا وكثرة الأشجار التي تعطي برودة للجو أسباب كافية لجلب الزوار من الداخل وأيضا من الخارج، إذ أن المغاربة الذين يقيمون في الخارج يأتون لقضاء عطلتهم الصيفية في بلدهم الأم ويتوجهون رفقة عائلاتهم المستقرة في المغرب لاكتشاف عدد من المناطق الطبيعية.