حاول الكيان الصهيوني بكل ما أوتى من قوة أن يصل الى عمق فلسطين، وكانت الرياضة هي واجهته لتنفيذ اطماعه بالاستيلاء على الارض المقدسة قبل عام 1948، وقام بتشكيل الفرق والأندية الرياضية في فلسطين ودول العالم، وتحالف مع الانتداب البريطاني رياضيا، لضمان تحقيق أهدافه الذي منح فلسطين وطن قومي لليهود المتشردين من خلال وعد بلفور المشئوم،واستطاع اليهود بذلك تشكيل حركة رياضية قادرة على حمل السلاح ومحاربة الفلسطينيين تمهيدا للسيطرة عليها.
تجنيد الرياضة
في نهاية القرن التاسع عشر سعت الصهيونية إلى تجنيد الرياضة كوسيلة من أجل تحقيق أهدافها في فلسطين، واهتمت الحركة الصهيونية بتنشئة الشباب الصهيوني رياضيا وإعدادهم من اجل حمل السلاح استعداد للاحتلال فلسطين،وقام الصهاينة بتأسيس أندية المكابي الرياضية في المستعمرات في فلسطين في بداية القرن العشرين، والتي بلغ عددها حتى الحرب العالمية الأولى حوالي العشرين نادي،
و حسب ما أوضح الباحث الفلسطيني الدكتور عصام الخالدي في كتابه عن تاريخ الحركة الرياضية الفلسطينية انه في عام 1926 تم تشكيل أول نادي للهابوعيل التي كانت تابعة لمنظمة العمل اليهودية الهستدروت وقد ساهمت هذه المنظمة التي كانت أنديتها منتشرة في العديد من المدن والمستعمرات في فلسطين مساهمة فعالة في تهريب السلاح من دول أخرى إلى فلسطين،وحاولت الهابوعيل تجنيد اللقاءات الرياضية على الساحة الدولية من اجل التعريف بفلسطين أكثر مما كان يسعى إليه المكابي، الذي يطمح دائما لتحقيق الفوز والنتائج الرياضية، وقررت القيادة الرياضة الصهيونية التباري مع مثيلاتها من الفريق اليهودية في أوربا وسوريا ولبنان ومصر، وحاولت جذب الفرق الرياضية الانجليزية إلى جانبها للتأثير على القيادة العسكرية، وفي عام 1925 تأسست منظمة البيتار التي كان يتزعمها المتطرف "جابوتنسكي" و التي اتخذت فيما بعد من الرياضة غطاء من اجل أعمالها العسكرية الإرهابية والهجرة اليهودية غير المشروعة.
تباكي اليهود على تمثيل فلسطين
ويوضح الدكتور الخالدي أن المساعي الصهيونية تواصلت من اجل تحقيق حلمهم برؤية العلم الأزرق والأبيض يرفرف عاليا بين أعلام بقية الدول المشاركة في دورات الألعاب الاولمبية ، الأمر الذي جعل المكابي في عام 1924 تقوم بإرسال وفدا من فلسطين إلى المؤتمر الدولي لألعاب القوى ساعياً للانضمام إلى الاتحاد الدولي لرياضة الهواة كممثل لفلسطين ، وقد قوبل طلبه بالرفض لأن المؤتمر لم ير بالمكابي ممثلا لدولة مستقلة، مما دفعهم لأن يتبنوا فكرة إقامة مهرجان رياضي صهيوني مستقل، و في عام 1925 أقام الاتحاد العالمي للمكابي مهرجانا رياضيا على شرف المؤتمر الصهيوني الرابع عشر في فينا والذي كان عبارة عن إعداد لمهرجان رياضي على نسق الألعاب الأولمبية خطط له في المستقبل القريب.
مهرجانات رياضية لأهداف استعمارية
وفي عام 1924 حاول اليهود إدخال المزيد من المهاجرين اليهود إلى فلسطين تحت حجج واهية ولجئوا إلى التهريب وتظاهروا بالرضوخ للقيود التي ينص عليها قانون الهجرة وتحويل العديد من طالبي الدخول إلى فلسطين ثم إخفائهم في المستعمرات، كما يشير دكتور الخالدي إلى أن من أهم هذه الوسائل "المكابياد" وهو مهرجان رياضي على نسق الألعاب الاولمبية دعت له القيادات الصهيونية 1929 كانت تشارك به الشبيبة الصهيونية من كافة أنحاء العالم حيث بقى جزء كبير منهم بلا عودة وقام الصهاينة بتنظيم هذا المهرجان في عامي 1932 و1935.
تحالف رياضي يهودي انجليزي
أما بعد الحرب العالمية الثانية فقد عززت الوكالة اليهودية علاقاتها مع الانجليز ووقفت إلى جانبها في حربها مع ألمانيا من اجل تحقيق أهداف الأولى ، ووافقت الوكالة على إنشاء مكتب خاص للمكابي تكون مهمته تنظيم اللقاءات من الفرق العسكرية الانجليزية نظرا لأهمية وجوده، ومن أجل تشجيع اللقاءات الرياضية بين الجيوش الاسترالي منها خاصة والفرق الرياضية في فلسطين، واستطاعت المكابي والهابوعيل خلال الحرب التباري مع فرق من الجيوش البريطانية والاسترالية والأمريكية والتشيكوسلوفاكية واليونانية والجنوب افريقية والبولندية والهندية بهدف تعزيز هذه اللقاءات العلاقة مع الحكومات، من جانب آخر كان الدعم الانجليزي عاملا مساعدا في إنجاح هذا المهرجان ( المكابياد) وتم إرسال وفد إلى لندن وكان هذا الوفد قد تلقى نصائح ودروس من قبل القادة الصهاينة مثل وايزمان وسوكولوف حول كيفية إيجاد المنافذ الخاصة التي يستطيع من خلالها الوصول إلى مكاتب المستعمرات ووزارة الخارجية ، وقد كان اهتمام هذا الوفد يتركز حول موضوع إشارات الدخول للرياضيين والزائرين لهذا المهرجان ولمعرض ليفانت وهو معرض تجاري كان يقام سنويا في تل أبيب بحسب الدكتور الخالدي.
المكابياد الصهيوني
ويوضح الدكتور الخالدي أن الحركة الصهيونية رأت أن المكابياد وسيلة فعالة من أجل زيادة الهجرة بطرق غير مشروعة من خلال إدخال الزائرين والمشاركين إلى فلسطين وإبقائهم بها بعد انتهاء المهرجان، وافتتح المهرجان ( المكابياد) في 29 آذار عام 1932 بمسيرة كشفية رفعت بها الأعلام الصهيونية متوجهة إلى الإستاد الرياضي المزدان بالأعلام الصهيونية والبريطانية وبأناشيد بالعبرية وكلمات أريد بها شحن الحضور بالروح الصهيونية وقام المكابيين باستعراض في شوارع تل أبيب، فكان مما يثير الدهشة أن عددهم بلغ حوالي العشرين ألفا مع أنهم كانوا قبل أسبوعين من بدء المهرجان لا يزيدون عن ثلث هذا العدد ، وقد بلغ عدد المشاركين في هذا المهرجان 3500-4000 رياضي من سبع عشر دولة ، وكما يدعي منظمي هذا المهرجان أن نجاحه كان نصراً ودعاية للأفكار الصهيونية بشكل عام وللرياضة اليهودية بشكل خاص، والذي ميز هذا المهرجان أنه كان أول حدث ثقافي يجلب زائرين "مهاجرين" بهذا القدر الكبير و هذا العدد الذي فاق أعداد الزائرين لمعرض "ليفانت" التجاري ، واحتفالات افتتاح الجامعة العبرية في القدس.
الفرق الصهيونية
وفي عام 1930 تم تشكيل فريق كرة قدم من ستة لاعبين يهود وتسعة من الانجليز سمي بمنتخب "ارض إسرائيل" قام بزيارة مصر وزار عدة مدن هناك، كان فريقه يرتدي زى رياضي وضع عليه حرف(A P) Palestine فلسطين بشكل واضح وحرفان صغيران LD أي Land of Israel في الأسفل ، والسبب في ظهور هذان الحرفان بشكل مصغر هو الخوف من إغضاب المصريين ،وقد مني هذا الفريق بالهزيمة مع فريق القاهرة بخمسة إلى صفر، ومع فريق الإسكندرية هزيمة اثنين إلى صفر ، ومع فريق عسكري من القاهرة هزيمة خمسة إلى اثنين،في كانون أول 1937 أجريت فورا مباريتين مع الجيش الانجليزي حيث عمدت القيادات الرياضية الصهيونية إلى استضافة وتكريم فرق الجيش.
مخاوف صهيونية
وأبدى الصهاينة تخوفهم من المهرجان الرياضي الكبير الذي أقامه الاتحاد الرياضي العربي في مدينة يافا عامي1934-1935 بالتعاون مع مؤتمر الشباب واللجنة العربية العليا واشتركت فيه الفرق الكشفية والرياضية العربية مع الفرسان العربية التي جاءت خصيصا للاشتراك فيه وبلغ عدد المشتركين في المهرجانات حوالي خمسة ألاف شخص، واعتبر الصهاينة هذا المهرجان عبارة عن تنظيم لحركة شبابية قوية من مختلف المدن والقرى الفلسطينية، وبهذا المهرجان تكون القوى الوطنية الفلسطينية استخدمت الرياضة لأول مرة لتكون عنصر فعال في نظامها الأيدلوجي والثقافي.
هذه هي المحاولات التي سعى اليها الاحتلال مستميتا للاحتلال فلسطين،اذن هناك جذورا احتلالية قبل نكبة 1948 للاستيلاء على فلسطين من خلال الرياضة، وفق سياسة عنصرية يتبعها الاحتلال، ولازال يواصل سياسيته بتدمير الملاعب الرياضية واعتقال الرياضيين وقتل بعضهم، بدليل العدوان الاخير على غزة الذي خلف المئات من شهداء الحركة الرياضية، وتدمير الملاعب والاندية الرياضية، ناهيك عن الانتهاكات بحق الرياضة في المحافظات الشمالية لفلسطين