فيديو: المفوض الأممي لحقوق الإنسان: المغرب نموذج يحتدى به في مكافحة التطرف
أكورا بريس: عن موقع مركز الجزيرة للدراسات
يجري اقتراع 25 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري في المغرب من أجل الاستحقاقات التشريعية المسبقة قصد انتخاب أعضاء مجلس النواب في صيغته الجديدة، طبقا لمقتضيات الدستور الجديد الذي اعتُمد بمقتضى استفتاء فاتح يوليو/تموز 2011. وهنا أصبح سؤال منْ سيتصدر نتائج استحقاقات 25 نوفمبر الجاري سؤالا ملحا ما دام الدستور الجديد ينص على أن رئيس الحكومة سيختاره الملك من الحزب الذي سيتصدر نتائج هذا الاقتراع.
إن البحث عن جواب لهذا السؤال ينطلق من إجراء مقارنة بين وضع الأحزاب السياسية المرشحة لقيادة الأغلبية الجديدة حاليا، وبين وضعها قبيل الاستحقاقات التشريعية ليوم 7 سبتمبر/أيلول 2007، فتجدر الإشارة إلى ثلاثة أحزاب سياسية لها نفس الحظوظ لاحتلال المرتبة الأولى: حزب العدالة والتنمية، حزب الاستقلال، والتجمع الوطني للأحرار.
لاعبون جدد في السباق
قبيل استحقاق 7 سبتمبر/أيلول 2007 رشحت الكثير من مراكز الدراسات وبعض استطلاعات الرأي حزب العدالة والتنمية لتصدر النتائج، بل هناك من تحدث عن نوع من الاكتساح “الإسلامي” لصناديق الاقتراع. وذهب قياديو الحزب آنذاك إلى تأكيد إمكانية الحصول على أكثر من ربع المقاعد المتنافس عليها. غير أن لا شيء من هذا قد تحقق، فالحزب حصل على المرتبة الأولى من حيث عدد الأصوات حيث حصل على حوالي 500 ألف صوت من بين كتلة ناخبة كان يتجاوز عددها 17 مليون ناخب، في ظل تسجيل نسبة امتناع عالية فاقت 63%، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة 37% من بينها 17% من الأصوات الملغاة. كما احتل الحزب المرتبة الثانية بحصوله على 49 مقعدا من أصل 325 مقعدا يتكون منها مجلس النواب ( الغرفة الأولى)، فأسقطت هذه النتائج سواء على مستوى الأصوات المتحصل عليها أو عدد المقاعد فرضية هؤلاء الذين كانوا يتحدثون عن اكتساح إسلامي لصناديق الاقتراع.
على أن هناك أشياء كثيرة حصلت بعد تشريعيات 7 سبتمبر/أيلول 2007 نذكر منها تحديدا تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة في شهر أغسطس/آب 2008، وقد جعل هدفا له الدفاع عن المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي ومناهضة المشاريع “الظلامية” في استهداف واضح لحزب العدالة والتنمية. وقد انتهج حزب الأصالة والمعاصرة إستراتيجية تتشكل من عنصرين أساسيين: أول هذه العناصر هو إضعاف حزب العدالة والتنمية انتخابيا، وقد تجلى ذلك خلال الانتخابات المحلية التي شهدها المغرب يوم 12 يونيو/حزيران 2009 حيث سُجل تراجع الحزب مقارنة بالنتائج المحصل عليها من قبل حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال. وثاني هذه العناصر عزل الحزب سياسيا عبر دفع العديد من الأحزاب إلى مقاطعته من خلال إبرام “تحالفات إستراتيجية” بين حزب الأصالة والمعاصرة وأحزاب أخرى كالحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار، وجدت ترجمتها فعليا في تحالفات تشكيل مجالس الجماعات المحلية المنبثقة عن اقتراع 12 يونيو/حزيران 2009. كما أن حزب الأصالة والمعاصرة نجح في قطع الطريق أمام تحالف كان ممكنا إبرامه بين حزب العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
ورغم أن حركة شباب 20 فبراير/شباط التي انبثقت في سياق أحداث “الربيع العربي” استهدفت حزب الأصالة والمعاصرة الذي اضطر تحت “ضرباتها” إلى التراجع إلى الوراء، فإن حزب العدالة والتنمية لم يستغل الفرصة ووضع موضوعيا نفسه في صف حزب الأصالة والمعاصرة، عندما تبنى موقفا ملتبسا من حركة شباب 20 فبراير/شباط التي ظل الأمين العام للحزب يعتبرها حركة تهدد الملكية واستقرار البلاد.
إن اختلال موازين القوى ساعد حزب الأصالة والمعاصرة على مواصلة تطبيق إستراتيجيته المستهدفة لحزب العدالة والتنمية ولكن بأسلوب جديد. فبعدما كان هذا الحزب يطمح لتصدر نتائج الانتخابات التشريعية التي كان من المقرر إجراؤها صيف 2012 في ظل مقتضيات دستور 13 سبتمبر/أيلول 1996 السابق، وفي ظل المتغيرات التي فرضها الحراك المغربي، عمد حزب الأصالة والمعاصرة إلى تشكيل تحالف رباعي يضم كلا من حزب الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار وحزب الاتحاد الدستوري، ليتوسع بعد ذلك ليشمل أربعة أحزاب أخرى، وهي: الحزب العمالي، الحزب الاشتراكي، حزب اليسار الأخضر، وهي أحزاب ذات مرجعية يسارية، إضافة إلى حزب النهضة والفضيلة الذي تنتمي إليه أسماء من ذوي المرجعية الإسلامية.
إن هذا التحالف الذي يتشكل من ثمانية أحزاب سياسية وسمى نفسه “التحالف من أجل الديمقراطية”، هو في الواقع تجمع من أجل ضخ دماء جديدة في إستراتيجية حزب الأصالة والمعاصرة، التي تعمل أساسا على استهداف حزب العدالة والتنمية وتقليل حظوظه سواء على مستوى تصدر نتائج اقتراع 25 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أو على مستوى المشاركة في الأغلبية الجديدة التي ستنبثق عن هذا الاقتراع.
في ظل هذا الوضع، لم يعد حزب العدالة والتنمية هو الحزب الوحيد الأكثر حظا، بل أصبح ينافسه في إمكانية تصدر نتائج الاقتراع المقبل وبشكل جدي حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة صلاح الدين مزوار وزير المالية في الحكومة المنتهية ولايتها، وحظوظ هذا الحزب ليست ناتجة عن قدرات ذاتية يمتلكها على المستوى التنظيمي بقدر ما هي مرتبطة بالاستفادة من قدرات حزب الأصالة والمعاصرة، الذي قرر دعمه بالعديد من المرشحين ذوي الحظوظ الأكيدة في الفوز بمقاعد داخل مجلس النواب المقبل.
إضافة إلى حزب العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، هناك حزب الاستقلال الذي يراهن على تصدر نتائج الاقتراع المقبل والاستمرار في قيادة الحكومة، ويستمد حظوظه لاحتلال المرتبة الأولى من اعتبارين أساسيين: الأول، قوة الآلة الانتخابية التي يمتلكها هذا الحزب الذي يعتبر أقدم حزب سياسي في المغرب، حيث يتوفر على شبكة من العلاقات تمنحه العديد من الأصوات الانتخابية بعيدا عن سلبية أو إيجابية أدائه خلال مشاركته في التجارب الحكومية السابقة، وهو ما أكدته نتائج اقتراع 7 سبتمبر/أيلول 2007 حيث لم تكن هناك مراهنة حقيقية عليه، ورغم ذلك احتل المرتبة الأولى وكُلف بتشكيل الحكومة. الاعتبار الثاني، النتائج المهمة التي حصل عليها الحزب خلال الاستحقاقات الانتخابية المحلية السابقة ليوم 12 يونيو/حزيران 2009، حيث تقاسم المرتبة الأولى بشكل إجمالي مع حزب الأصالة والمعاصرة على مستوى مجموع المقاعد المتحصل عليها وعلى مستوى رئاسته للعديد من مجالس الجماعات المحلية.
حظوظ تكرار النموذج التونسي
هناك من يذهب إلى ترجيح حظوظ حزب العدالة والتنمية ارتباطا بسياق الحراك العربي الجديد الذي دفع بالإسلاميين إلى الواجهة من خلال تصدر حزب حركة النهضة التونسي لنتائج انتخابات المجلس التأسيسي. وهو أمر يمكن أن يتكرر في مصر ودول عربية أخرى، وبالتالي لن يَستثني المغرب. غير أن هذا الرأي يتجاهل قاعدة “لا قياس مع وجود الفارق”، فحركة النهضة عانت من سياسة قمعية انتهجها نظام زين العابدين بن علي، إضافة إلى الصورة التي ساهم راشد الغنوشي في إضفائها على الإسلام السياسي التونسي والتي تركز على خطاب استيعابي قادر على تنظيم الاختلاف مع الآخر.
وبالتالي فإن الناخب التونسي صوت على هؤلاء الذين كانوا يشكلون نقيضا لنظام بن علي سواء في صيغته الإسلامية المعتدلة عبر حزب حركة النهضة أو في صيغته العلمانية المعتدلة عبر حزب المؤتمر من أجل الجمهورية. وهذا الوضع لا ينطبق على حزب العدالة والتنمية في المغرب، فهو حزب ظل يشارك في الاستحقاقات الانتخابية منذ الاستحقاقات التشريعية بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1997، كما ساند حكومة التناوب التوافقي التي قادها عبد الرحمن اليوسفي سنة 1998 في إطار ما أسماه الحزب آنذاك بـ “المساندة النقدية”، قبل أن ينتقل إلى المعارضة سنة 2000 في إطار ما أسماه بـ “المعارضة الناصحة”. كما أن حزب العدالة والتنمية شارك في تدبير العديد من الهيئات المحلية. وبالتالي فإن إسقاط الحالة التونسية على المغرب فيه نوع من التعميم الذي قد لا يصح، خاصة وأن حزب العدالة والتنمية نفسه وفي ظل أحداث الربيع العربي ظل يعتبر أن المغرب يشكل الاستثناء مقارنة بالأنظمة العربية، وقد ينطبق هذا الاستثناء على حزب العدالة والتنمية مقارنة بحالة الإسلاميين في الدول العربية الأخرى.
ثلاثة أحزاب سياسية مغربية تستطيع تصدر نتائج اقتراع 25 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري وتكليفها بالتالي بتشكيل الحكومة، وهي: حزب العدالة والتنمية، حزب الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار. وهنا يُطرح السؤال عن أفضل صيغة للتشكيلة الحكومية المقبلة والتي بإمكانها ضمان الاستقرار داخل المملكة المغربية، خاصة في ظل استمرار الحراك العربي داخل الكثير من الدول العربية من جهة، وتواصل التظاهرات الاحتجاجية التي تدعو إليها حركة شباب 20 فبراير من جهة ثانية.
الحكومة القادمة: ثلاثة سيناريوهات
في ظل المؤشرات المتوفرة حاليا، سنكون أمام ثلاث صيغ للتشكيلة الحكومية المقبلة:
تتعلق الصيغة الأولى بحكومة يقودها التجمع الوطني للأحرار، وهذه الصيغة هي الأكثر ترجيحا للتحقق، فإضافة إلى كونها ستعمل على احتواء تخوفات العديد من الجهات التي ليست لها رغبة في وصول الإسلاميين إلى الحكومة، فإنها ستصور المغرب كبلد يشهد تداولا على رئاسة الحكومة بإبعاد حزب الاستقلال ليمارس المعارضة.
وهي صيغة تتميز بخاصيتين: أولاهما تكوين أغلبية منسجمة نسبيا في إطار التحالف من أجل الديمقراطية، حيث تتشكل نواتها الصلبة من التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية وحزب الاتحاد الدستوري. وثانيهما تكوين معارضة منسجمة نسبيا تتكون نواتها الصلبة من حزبين محسوبين على التيار المحافظ وهما حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية.
ترتبط الصيغة الثانية بحكومة يقودها حزب الاستقلال والتي ستتكون نواتها الصلبة من أحزاب الكتلة الديمقراطية وبعض الأحزاب اليسارية كجبهة القوى الديمقراطية، إضافة إلى حزب الحركة الشعبية والذي أعلن أمينه العام عدم التزامه بهذا التحالف في حالة ما إذا فاز حزب آخر بالمرتبة الأولى. ورغم أن البعض يشير إلى إمكانية تشكيل حكومة بقيادة حزب الاستقلال بتحالف مع حزب العدالة والتنمية، فإن هذا الخيار لن يلجأ إليه حزب الاستقلال إلا في حالة الاضطرار.
تتمثل الصيغة الثالثة في تشكيل حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية في حالة نجاحه في إقناع بعض الأحزاب السياسية بالتحالف معه. هذه الصيغة إن تحققت فكل المؤشرات تفيد بأن حزب العدالة والتنمية سيكون هو الحزب الأضعف داخل حكومة يقودها، نظرا للكلفة الباهظة التي يجب على الحزب أن يدفعها مقابل قبول الآخرين بالتحالف معه.
إن هذه الصيغ الثلاث وإن كانت لكل صيغة كلفتها بإمكانها جميعها أن تحافظ نسبيا على استقرار المؤسسة الملكية، وذلك لاعتبارين أساسيين يكمن أولهما في ميل موازين القوى لفائدة الداعين للحفاظ على الوضع القائم، ويرتبط ثانيهما بحرص الملك على تحديد مسافة بينه وبين الحكومة التي دعاها في خطاب افتتاح الدورة البرلمانية الأخيرة إلى تحمل مسؤولياتها كاملة على مستوى وضع برنامجها والعمل على تنفيذه.
أخيرا، فإن مدى تأثير اقتراع 25 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري على حركة شباب 20 فبراير يكون من خلال التمييز بين مستويين: مستوى ما سيفرزه هذا الاقتراع على صعيد النتائج و ما سيفرزه على صعيد نسبة المشاركة. في الشق الأول، لن تتأثر مسيرة حركة شباب 20 فبراير بطبيعة الأغلبية الجديدة كيفما كان لونها لأنها لم تراهن على الانتخابات بل على المقاطعة، وهنا يأتي الشق الثاني، فإذا ما كانت نسبة المشاركة مرتفعة في هذه الاستحقاقات، ولم تتم الاستجابة لدعوة المقاطعة التي دعت إليها حركة شباب 20 فبراير فإن الحركة ستفقد زخمها وستبدو هامشية، لكن إذا كانت نسبة الامتناع مرتفعة فإن الحركة تحصل على شرعية جديدة تمكنها من الاستمرار، غير أن ذلك لن يكفي إذا لم يتوفر شرطان: أولاهما يكمن في استمرار الحراك العربي الذي يلهم بكل تأكيد هذه الحركة، و ثانيهما القدرة على الحفاظ على حد أدنى من الانسجام بين مكوناتها في المستقبل خاصة أن هناك العديد من الجهات المناهضة للتغيير في المغرب تسعى إلى اللعب على تناقضات هذه الحركة لتفجيرها من الداخل و الحد من حيويتها.