مجلس الأمن: بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي
عن يومية “الاتحاد الاشتراكي”: إعداد: يوسف هناني
انطلقت شرارة قضية «اللحم الحلال» منذ أن بثت القناة الفرنسية الثانية «فرانس 2» قبل أسابيع تحقيقا ضمن برنامج «مبعوث خاص» خصصته لوضعية المذابح على التراب الفرنسي.
تلقفت مارين لوبين، زعيمة حزب اليمين المتطرف ماجاء في التحقيق كون أن عددا من أرباب المسالخ تتبى الطريقة الاسلامية في الذبح، وقالت في أحد تجمعاتها الخطابية «إن كل مسالخ المنطقة الباريسية تُذبح على الطريقة الإسلامية وأن الملايين من الفرنسيين يستهلكون لحماً حلالا دون أن يعرفوا بذلك».
وتشدد مارين لوبين على أن ذبح اللحوم بهذه الطريقة الاسلامية اعتداء على حرمة هذه المخلوقات التي تنص القوانين الفرنسية والأوروبية على حمايتها. وأكدت أن معظم اللحوم الموزعة مذبوحة على الطريقة الحلال، وأن ثلاثة مسالخ من أصل أربعة تُذبح على الطريقة الإسلامية، مضيفة أن ما بين 40 بالمائة و45 بالمائة من هذه اللحوم هي لحوم إسلامية.
ويتهم مراقبون اليمين المتطرف بركوب موجة العداء للمسلمين والعرب، ويعتبرون أن اليمين يستخدم المغالاة في الخطاب المتطرف والمزايدة الإعلامية لكسب أصوات الناخبين، وأنه لم يعد يتبنى من البرامج سوى التحريض على المسلمين ومضايقتهم كسلاح في الدعاية الانتخابية.
من جهته وصف رئيس الرابطة المهنية الوطنية للمواشي واللحوم في فرنسا تصريحات لوبين «بالكاذبة» والموظفة لأغراض سياسية، وقال إن الكثير من اللحوم التي تُستعمل في فرنسا ليست مذبوحة على الطريقة الحلال.
كما أكد أن هذا الجدل ليس جديدا، مشيرا إلى أن مرسوم عام 1964 ينص على أن الحيوانات يجب أن تخضع لعملية صعق قبل الذبح لأن الأمر سيخفف من معاناتها.
حملة بمنعطف ديني
هكذا اتخذت حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية منعطفا دينيا عقائديا خلال الأيام القليلة الأخيرة، حيث باتت قضية «اللحم الحلال» في قلب المهرجانات الخطابية الشعبية والمقابلات والتصريحات الصحافية لكل المرشحين للرئاسيات المقبلة.
غير أن هذا الجدل الذي كلما وجد طريقه إلى «الحل» و الإختفاء من الساحة الاعلامية والسياسية إلا وينبعث من جديد وبشكل ملتهب ايضا، كما جرى بعد تصريحات فرانسوا فيون رئيس الوزراء الفرنسي.
لقد ركب موجة هذا الجدل الحزب الحاكم لاستهواء الطبقات الشعبية، فوجد المسلمون واليهود أنفسهم في نفس الخندق في بلد لا يخفي التزامه الصارم بالعلمانية وبتعايش الثقافات والحضارات، فقد دعا فيون الاثنين الماضي عبر أمواج إذاعة «أوروبا 1» الديانات إلى «التفكير في تقاليد الذبح التي كان يطبقها الأسلاف» والتي «لم تعد صالحة اليوم.. ونحن في دولة حديثة».
وكان فيون يتحدث عن اللحوم التي تذبح على الطريقتين الإسلامية واليهودية، ما أثار استنكار مسؤولي الهيئات الممثلة للمسلمين واليهود.
وزاد وزير الداخلية كلود غيان الطّين بلّة عندما قال بشيء من التهكّم أن منح حق التصويت في «الانتخابات المحلية للأجانب غير المنحدرين» من الدول الأوروبية في التصويت في الانتخابات المحلية ـ كما يقترح الحزب الاشتراكي ـ سيؤدي «بالأجانب إلى فرض إلزامية الوجبات الغذائية الحلال» في المطاعم المدرسية.
الإسلام والمسلمون لن يكونوا ضحية الحملة
محمد موسوي، رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، أدان تصريحات فيون، مصرحا لعدة وسائل إعلام فرنسية أنه يرفض أن يكون الإسلام والمسلمين ضحية الحملة الانتخابية، وقال إن «الدولة علمانية ولا تحدد الممارسات الدينية للعبادة»، مشيرا إلى أن «القيد الوحيد يتمثل في النظام العام للدولة». وأوضح أن «ذبح الماشية وفقا للشريعة الإسلامية لا يقوم على تعذيب الماشية».
من جهته، عبر دليل بوبكر عمدة مسجد باريس، عن استيائه من تصريحات رئيس الحكومة الفرنسية، متأسفا في تصريح لإذاعة «أوروبا 1» من أن «الجدل بدأ بالنقاش الذي نظمه حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية» الحاكم في 5 أبريل 2010 حول العلمانية، والذي دار في الحقيقة حول مكانة الإسلام في المجتمع الفرنسي.
تصريحات مذهلة فيها إذلال ومخالفة لتقاليد الجمهورية
أعرب حاخام فرنسا الأكبر جيل برنايم عن «انزعاجه الشديد» من هذا الجدل الذي، «يجب أن لا يثار»، وأضاف متسائلا «إن مشاكل فرنسا كبيرة للغاية، ونحن في فترة أزمة، فما الداعي، لأن يثير موضوع اللحم الكاشير واللحم الحلال مشكلة كبرى لفرنسا؟».
وكان ريتشارد براسكييه رئيس مجلس الهيئات اليهودية بفرنسا أعرب الاثنين عن صدمته من تصريحات فيون «المذهلة»، والتي قال إنها تحمل شيئا من «الإذلال» وأنها «مخالفة لتقاليدنا الجمهورية».
وبدوره، قال الأسقف الكاثوليكي ميشال دوبو إن الحكومة في بلد علماني مثل فرنسا «لا ينبغي ان «تتدخل في شؤون الديانات»».
نيكولا ساركوزي واللحم الحلال
في البداية، استهجن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي هذا الموضوع واعتبره سخفا. ثم عاد مرشّح حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» اليميني الحاكم ليركز عليه لمّا شعر بأنه استقطب اهتمام شريحة كبيرة من المجتمع، بالخصوص الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما ويشكلون القاعدة الانتخابية للتيّار اليميني.
لكن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي فنّد مزاعم لوبين، واصفاً الأرقام بالكاذبة.
وأشارساركوزي إلى أن 2.5 بالمائة فقط من أصل 200 ألف طن من اللحوم التي توزع سنويا في فرنسا، هي لحوم حلال.
فدعا ساركوزي إلى وضع ملصّق على جميع اللحوم لتوضح الطريقة التي ذبحت بها. وتحوّل اللحم الحلال واللحم الكاشير إلى موضوع انتخابي ودخلا في قلب الحملة اليمينية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في 22 أبريل و6 ماي.
وجاءت الانتقادات أيضا من داخل فريق ساركوزي نفسه. فاتهمت وزيرة العدل السابقة رشيدة داتي، وهي ابنة عائلة مسلمة، خصمها اللّدود فرانسوا فيون بأنه «حشر نفسه في الشعائر الدينية. وهو بذلك تجاوز اختصاصاته».
وكانت داتي قد اتهمت فيون بمحاولة خطف منصبها كعمدة للدائرة السابعة في باريس.
وقال وزير الخارجية آلان جوبيه أن مسألة اللحم الحلال «مشكلة مصطنعة»، مشيرا إلى أن موضوع «صدام الحضارات» ليس من الأمور التي يحب الخوض فيها.
تهدئة
أمام هذا المنعطف الديني والعقائدي الذي أخذت الحملة اليمينية، كان لا بد من تهدئة الخواطر. فقال ساركوزي قبل يومين على القناة الثانية «أريد أن يهدأ الجميع، لقد سئمنا من كل هذا السجال».
وعقد ساركوزي اجتماعا لـ«هيئة الشؤون الإستراتيجية»، التي تضم على الخصوص كلا من فرانسوا فيون وألان جوبي وجون بيير رافاران، رئيس الوزراء الأسبق، وجون فرانسوا كوبي، الأمين العام للاتحاد من أجل «حركة شعبية»، حيث شدد معظمهم على أن قضية «اللحوم الحلال» ليست موضوعا يستأثر، باهتمام الفرنسيين، وبالتالي يجب التركيز على قضايا أهم، اجتماعية واقتصادية، ترتبط بالواقع اليومي «للشعب الفرنسي».
فرانسوا هولاند: الجل عبارة عن مزايدات
أما المرشح الاشتراكي للرئاسيات، فرانسوا هولاند، فقد دعا الرئيس ساركوزي ورئيس وزرائه إلى «التحلي بضبط النفس وعدم الإساءة للنفوس».
واتهم هولاند اليمين بالدخول في «مزايدات»، مؤكدا أن «أمامنا رهانات كبرى (…) ويحاول اليمين إقحامنا في حملة حول اللحوم الحلال، فقط لأن السيدة مارين لوبين تحدثت عن ذلك». وانتقد المرشح الاشتراكي ما أسماه «نقاشات مغلوطة وسجال غير مجدي» حول مواضيع سبق وأن استغلها مرشحون آخرون.
كما وعد هولاند خلال استقباله الأربعاء الماضي محمود الموسوى ورئيس مسجد باريس الكبير دليل بوبكر بإدخال تعديل على دستور عام 1905 للتأكيد على «فصل الدين عن الدولة» فى حال فوزه وصوله إلى الإليزي. وبحسب استطلاعات الرأى، فإن هولاند هو المرشح الأوفر حظا فى الفوز فى الانتخابات.
سارع مرشح اليسار جان لوك ميلانشون إلى التنديد بنزوع اليمين نحو اليمين المتطرف.