عقد الموقعون على “النداء الرسمي لطرد الجمهورية الوهمية من الاتحاد الافريقي” المسمى ب”نداء طنجة”، أمس السبت، بمراكش، اجتماعهم الأول لتتبع هذا النداء، والذي تميز باعتماد مشروع “الكتاب الأبيض” بالإجماع.
وتسمح هذه الوثيقة القانونية والسياسية المرجعية، والتي تقدم حججا واقعية وقانونية، من تجهيز، بشكل فعال، “مجموعة الاتصال”، التي تتحرك باسم الموقعين خلال المرحلة المقبلة للترافع، لهذه الجولة بإفريقيا.
هذا “الكتاب الأبيض” هو تتويج للمرحلة الفكرية وللجولة وانعكاس صادق للمناقشات التي تم إجراؤها. وتكمن قيمته المضافة في مسار بنائه المشترك والذي عبأ مختلف الأطراف الافريقية المشاركة. كما أنه تجسيد لرؤية، رؤية افريقيا موحدة، ووحدة افريقية متجددة بعيدا عن ايديولوجيات عفا عليها الزمن، وهي رؤية تحملها القوى الحية بالقارة.
ويحلل الكتاب الأبيض، الذي يعتمد مقاربة متعددة الأبعاد التي تميز هذه الجولة التي تشمل القارة الافريقية، بشكل موضوعي الانعكاسات السياسية، والقانونية، والاقتصادية، والأمنية، والمؤسساتية للوجود الشاذ لهذا الكيان الوهمي داخل الاتحاد الافريقي، على وحدة القارة.
و”تقدم هذه الوثيقة حججا واقعية وقانونية دامغة، تستند بشكل خاص على التناقضات الموروثة التي تتعلق بتحيز واضح لمنظمة الوحدة الافريقية ثم بعد ذلك الاتحاد الافريقي في معالجة قضية الصحراء المغربية”.
وعلى إثر خلاصات الندوات الإقليمية الخمس والمائدة المستديرة بطنجة، يركز “الكتاب الأبيض” على الحلول الملموسة المتاحة أمام الاتحاد الافريقي، قصد إعادة التوازن بشكل نهائي لموقفه إزاء قضية الصحراء، ويتمكن، بذلك، من مساندة بفعالية، بكل حياد ومشروعية، المسلسل الأممي الحصري.
ويتبين أن حل التعليق النهائي، استبعاد أو طرد “الجمهورية” الوهمية من الاتحاد الافريقي، والذي يحظى بالإجماع الذي انبثق خلال الجولة بإفريقيا، والذي يمثل شرطا مسبقا أساسيا من أجل عودة حيادية ومصداقية منظمة الاتحاد الافريقي بخصوص قضية الصحراء، بعيدا عن أي شكل من أشكال التلاعب أو التحيز الصارخ، يعد أمرا ضروريا قصد تعزيز وحدة القارة، والوقاية من الانقسامات المرتبطة بالتهديدات الانفصالية المتنامية.
ولا يتعين اعتبار هذا الحل، الذي تم تحديد صيغه القانونية في “الكتاب الأبيض”، على اعتبار أنه يتلاقى مع ضرورة عودة الاتحاد الافريقي، بهدوء، إلى الالتزام بدوره كمساند فاعل، ذي مصداقية ومحايد للأمم المتحدة، طبقا لروح ونص القرار 693، كطابو أو هدف بعيد المنال.
كما أن تحقيق هذا الحل، الذي يندرج في الدينامية الايجابية، أو الواقعية والبراغماتية السائدة، لا يمثل طموحا للمغرب بمفرده، بل، أكثر من ذلك، هو طموح لكافة الدول الافريقية الراغبة في وضع حد للانقسامات التي لا طائل منها، والاستغلال الدائم لمنظمة تخدم هدفا ومثلا تهم افريقيا برمتها.
ويتضمن “الكتاب الأبيض” عشرة اعتبارات واقعية تبرر مباشرة الاتحاد الافريقي، في أقرب الآجال، التعليق النهائي، استبعاد أو طرد “الجمهورية” الوهمية.
ذلك أن “الجمهورية” الوهمية، التي تم فرضها على منظمة الوحدة الافريقية / الاتحاد الافريقي، ليست دولة بما أنها لا تتوفر على أي من مقومات دولة مستقلة وذات سيادة (أرض، ساكنة وحكومة فعلية).
وفضلا عن ذلك، فإن “الجمهورية” الوهمية، التي توجد فوق التراب الجزائري، خاضعة لسيادة أعلى، ممثلة في سيادة الجزائر، غير أن “الجمهورية” الوهمية، التي لا وجود فعلي لها لأنها خاضعة لسيادة أعلى، هي العضو الوحيد بالاتحاد الافريقي الذي تمارس عليه سيادة عضو آخر بهذه المنظمة نفسها.
وبالإضافة إلى ذلك فإن “الجمهورية” الوهمية كيان غير حكومي لا يتوفر على مسؤولية قانونية دولية، كما أنه لا يمكنها ممارسة الاعتراض بنفسها أو تكون موضوع نزاع، أو طلب التحكيم، بما أنها لا تشكل جزءا من أي آلية قانونية أو معاهدة دولية خارج الإطار الوحيد للاتحاد الافريقي.
فقبول “الجمهورية” الوهمية في منظمة الوحدة الافريقية هو انقلاب على القانون، في خرق سافر لميثاقها ومحاولة وقحة لتحريف الشرط الوارد في مادته الرابعة المتعلقة بانضمام “أي دولة افريقية مستقلة ذات سيادة”.
ويتعارض الابقاء عليها داخل الاتحاد الافريقي مع المبادئ التي تتضمنها المادتان 3 و4 من قانونه التأسيسي.
كما أن قبول “الجمهورية” الوهمية في منظمة الوحدة الافريقية تم في سياق خاص، أي في الوقت الذي كانت فيه القارة تحت تأثير مختلف التيارات الايديولوجية التي عفا عليها الزمن اليوم.
وقد تم الاعتراف بهذا السياق والتغير الرئيسي في الظروف الناجمة عن تطوره من قبل أغلبية الدول الأعضاء في الاتحاد الافريقي الموقعة على ملتمس كيغالي.
وبقبولها “الجمهورية” الوهمية، أضرت منظمة الوحدة الافريقية، في انحياز كامل، بنتيجة مسلسل وصف ب”الحل الإقليمي”، التي كانت هي الضامنة له، والذي لم يصل إلى نهايته بسبب هذا القبول.
وقد تبين أن خيار الاستفتاء، الذي فضلته منظمة الوحدة الافريقية ثم اختبر من قبل منظمة الأمم المتحدة، غير قابل للتطبيق وغير مناسب في حالة الصحراء.
وبالإضافة إلى ذلك، أبعد وجود “الجمهورية” الوهمية داخل منظمة الوحدة الافريقية، ثم الاتحاد الافريقي، المنظمة عن معالجة قضية الصحراء، ويعيق فعاليتها، ومشروعيتها ومصداقيتها لتقديم مساندة فعالة للمسلسل الأممي، الذي يرفض منذ 20 سنة خيار الاستفتاء، ويؤكد منذ شهر أبريل من سنة 2007 سمو المبادرة المغربية للحكم الذاتي.
ويؤكد القرار 693 الذي اتخذه الاتحاد الافريقي خلال قمة نواكشوط، في يوليوز 2018، حصرية المسلسل الأممي في البحث عن “حل سياسي عادل، دائم، ومقبول من الأطراف”، ويدعو، من ثمة، المنظمة الافريقية إلى تبني موقف الأمم المتحدة المعبر عنه من خلال القرارات ذات الصلة لمجلس الأمن، ولاسيما منذ أبريل 2007، وتحديد معايير جديدة لتسوية هذا النزاع الإقليمي.
ولا تقدم “الجمهورية” الوهمية، بما أنها ليست دولة، أي قيمة مضافة للاتحاد الافريقي، بقدر ما هي مصدر للانقسام، وليس للوحدة.
وخلافا لذلك، فهي تعيق فعالية وحسن سير المنظمة الافريقية، مع تعطيل السير السلس للاجتماعات والمؤتمرات والقمم الإقليمية التي تجمع الاتحاد الافريقي مع شركائه الدوليين.
وأخيرا، فإن وجود “الجمهورية” الوهمية داخل الاتحاد الافريقي، وهي المنبثقة عن جماعة انفصالية مسلحة، يعكس الهشاشة المؤسساتية للمنظمة، ويمثل عقبة لا جدال فيها أمام الاندماج الاقتصادي الإقليمي والقاري، وبما أنها تعبير عن شكل من أشكال تسويغ الانفصال، فهي تساهم في جعل التهديد الدائم لزعزعة استقرار منطقة المغرب العربي، والمس بالأمن الإقليمي، يرخي بظلاله داخل المؤسسة الافريقية، وهيئاتها الرئيسية.