أكد الباحث البارز بمركز الدراسات من أجل الجنوب الجديد، العربي الجعايدي، اليوم الثلاثاء، على ضرورة أخذ العبرة من الماضي المشترك بين المغرب وإسبانيا، من أجل بناء أسس تصور طويل المدى يصون العلاقة الثنائية “في ظل محيط متوتر للغاية”.
وأوضح السيد الجعايدي، الذي حل ضيفا على البرنامج الأسبوعي لمركز الدراسات “حديث الثلاثاء”، خصص لمناقشة موضوع “مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية”، أنه رغم التوترات التي شابت العلاقات بين البلدين الجارين، غير أنهما حرصا دائما على “التزام نوع من حسن الجوار لأن العلاقة بينهما استثنائية في المحيط الإقليمي، مما استلزم التحلي بالتبصر والهدوء”.
وأشار، في هذا السياق، إلى أن النزاعات الترابية تشكل المعضلة الكبرى في العلاقات بين البلدين، داعيا إلى “القطيعة مع الحلقة المفرغة المتولدة عن هاته النزاعات، من خلال احترام سيادة المغرب على أراضيه وإيجاد حل تدريجي للمشاكل الترابية المعقدة”.
وبعدما أشاد بجرأة الموقف الجديد للقيادة السياسية الإسبانية من قضية الصحراء المغربية، أبرز أن الأمر يتعلق بـ”قفزة نوعية، رغم أن إسبانيا كانت تساند المقترح المغربي في الأمم المتحدة بنوع من العقلانية والبراغماتية”.
وسجل الباحث بمركز الدراسات من أجل الجنوب الجديد أن حل النزاعات الترابية ومشاكل المياه الإقليمية العالقة بين البلدين ينبغي أن يتم وفق مقاربة متبصرة قوامها الانفتاح على المستقبل، في إطار احترام حق المغرب وأخذ المصالح الثنائية بعين الاعتبار.
وبخصوص ملف الهجرة، أكد أن تدبير الهجرة غير المشروعة ينبغي أن يستند إلى نهج مستقبلي يقوم على المعالجة الاقتصادية والاجتماعية، وإرساء التوازن في التنمية المشتركة، ودعم آليات التحكم في تدفق الهجرة، وخلق إمكانيات التنمية في إفريقيا والمغرب، مبرزا، في هذا الصدد، إلزامية الحد من جميع القنوات التي تستفيد من هذه الهجرة ليس في دول الجنوب فقط بل في إسبانيا كذلك.
واعتبر السيد الجعايدي أن “الهجرة تعد إشكالية على مستوى حكامة العلاقة بين البلدين”، ملاحظا في الوقت نفسه أن الحوار بين إسبانيا والمغرب بخصوص تدبير الهجرة غير المشروعة عرف، ومنذ 2005-2006 تطورات هامة وإيجابية جدا.
وشدد على أن حرص المغرب على الحد من الهجرة غير المشروعة والتزامه بالاتفاقيات المبرمة في هذا الصدد جنب إسبانيا مشاكل أكبر، مسلطا الضوء على إدماج المملكة للعديد من المهاجرين الأفارقة في الاقتصاد والمجتمع.
وفي ارتباط بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين، يرى الباحث الأكاديمي أن الاقتصاد عامل أساس لتجاوز الصدمات الدبلوماسية والسياسية، مشيرا إلى أن إسبانيا تعتبر الشريك الأول للمغرب في الاتحاد الأوروبي من ناحية المبادلات التجارية.
كما سلط الضوء على ارتفاع المبادلات التجارية بين البلدين ب10 في المائة سنويا، واستقرار أزيد من 1000 شركة إسبانية تشتغل في مختلف القطاعات بالمغرب، داعيا إلى توطيد مرتكزات الترابط بين الاقتصادين المغربي والاسباني، لكون المغرب يشكل بالنسبة لإسبانيا منفذا وقاطرة للولوج إلى إفريقيا وإتاحة الفرصة لاستثمارات مشتركة.
وعلى الصعيد الثقافي، اعتبر المتحدث أنه لا يمكن أن تتخذ العلاقات الثنائية أبعاد مستقبلية دون الإرتكاز على العلاقات الإنسانية وحركة التنقل، مؤكدا أهمية إدماج المجتمع المدني كآلية أساسية لمواكبة العلاقات الرسمية.
وأضاف، في الإطار ذاته، أن المغرب حرص على فتح المجال للغة الإسبانية. كما حرص على الحضور المحترم للغة العربية في إسبانيا من أجل تكسير الصورة النمطية السائدة التي ترى في المغرب مصدرا للمخاطر على إسبانيا.
كما حث السيد الجعايدي على اعتماد أفق التعاون بين البلدين على المؤسسات الثقافية والفكرية من أجل بلورة فضاء للتعرف على الثقافة المغربية والأصيلة والمعاصرة من تكسير الصور النمطي والتمثل السلبي.