بأت انعكاسات الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر بالظهور في حياة المواطنين. وفي حين دقت النقابات، ومعها اختصاصيون اقتصاديون، ناقوس الخطر، تواصل الحكومة رفع يدها بحجة تهاوي أسعار النفط وانخفاض قيمة العملة المحلية (الدينار) وتراجع المداخيل.
تنتشر مظاهر الفقر والعوز في بعض الأحياء الشعبية بشكل لافت منذ أشهر، ويكتشف المتجول في أزقة العاصمة ذات الكثافة السكانية، ومنها “باب الواد” و”بلكور” و”ساحة الشهداء” والقصبة” و”باش جراح”، حجم الألم الذي تعانيه فئات واسعة من الجزائريين الذين باتوا يقتنون المواد الاستهلاكية والخضراوات والفواكه رديئة النوعية لأسعارها المنخفضة، في حين يعيش البعض على الاقتراض من محال المواد الغذائية.
“لقد دمرت العصابة الطبقة المتوسطة، وأهلكت جائحة كورونا ما تبقى من الضعفاء”، يقول عبدالكريم صابري (موظف حكومي)، مضيفاً أن “الارتفاع الرهيب لأسعار المواد الاستهلاكية الضرورية في مقابل أجر شهري لا يتعدى 250 يورو (304 دولار)، يجعل الحياة مستحيلة”. ويسأل، “إذا كانت الحكومة تتحجج بتهاوي أسعار النفط وتراجع المداخيل، فماذا استفاد المواطن عندما امتلأت الخزانات حين بلغ سعر البرميل أكثر من 140 دولاراً؟”.
ويثير جمال، العاطل من العمل بسبب جائحة كورونا، مسألة “الأجور التي باتت تمثل إهانة للعامل قبل العاطل من العمل والمتقاعد”. ويقول بنبرة حادة إن “كل شيء ارتفع سعره إلا سعر جهد العامل”، ويتابع أنه “في وقت كان الأجدر الاستفادة من المداخيل الخيالية لتحسين وضع البلاد والمواطنين، انفردت العصابة ومحيطها بالأموال لمصالحها الخاصة، والمحاكمات المتواصلة شاهدة على حجم النهب، فالمواطن يدفع الثمن خلال الأزمات ولا يستفيد من الرخاء”. ويختم أنه “بلغ بنا الوضع أن نجد اليوم أكلاً وغداً يعلم الله”.
مهن إضافة في ظل تراجع العروض
ولمواجهة الحاجة يلجأ جزائريون إلى مهن إضافية، فالذكور باتوا يعملون بمهنة الحمّال في الأسواق الشعبية وفي البناء والخياطة، والنساء بتن يعملن في المنازل.
سياسية أكثر منها اقتصادية، مضيفاً “أن الوضع الاقتصادي صعب جداً، ورفع الأجور متعلق بمردودية العامل وقوة الإنتاج، ومادام الإنتاج ضعيفاً فلا نستطيع رفع الأجور”. وينتقد “استمرار سيطرة الإدارة على الاقتصاد”، مشدداً على أنه “ما يزال البيروقراطي هو من يحدد للمستثمر ماذا يعمل وأين يستثمر”، داعياً الحكومة إلى “تحرير التجارة الخارجية وفتح الأبواب أمام الشباب وتسهيل إدماجهم في الاقتصاد والتنمية”.
ويتابع ميلي أن “المشكلة ليست في الاقتتات من الفضلات، وإنما في فقدان وظائف العمل وغلق الورش الصغيرة والمحال التجارية”، مبرزاً أن “المشكلة حالياً هي أن الاقتصاد في وضع خطير، وإذا جاع الناس فلن يرحموا”. ويوضح أنه على الحكومة القيام بإجراءات سريعة من خلال إعادة النظر في بعض القوانين، وتشجيع المهن والمؤسسات الصغيرة، ومنع ظهور عصابة جديدة”. وختم، “نحن أمام خطر ظهور عصابة جديدة تريد السيطرة على الاقتصاد إذا ما استمرت الحكومة بالسياسة القديمة نفسها”.
أجور لا تضمن “الكرامة”
ويلاحظ المتخصص في الشأن الاقتصادي، عبدالرحمن مبتول، أن “القدرة الشرائية للجزائريين تدهورت لأسباب عدة، أهمها ارتفاع أسعار المواد الأولية في السوق الدولية مقابل ضعف الأجور، واستمرار الممارسات السابقة”. ويعتبر أنه “من أجل حياة كريمة، يجب أن ترتفع الأجور إلى 60 ألف دينار كحد أدنى، أي ما يعادل 400 يورو” (486 دولار) ويكشف عن “إقدام عدد كبير من النساء على رهن مجوهراتهن لمواجهة تدهور مستوى المعيشة”، مشيراً إلى أن “المشكلات العائلية باتت تتوسع دائرتها بسبب الفقر والحاجة والعوز”.
ويعتقد الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين، سليم لباطشة، أن “العامل الجزائري بات بحاجة إلى متوسط أجر يقدر بـ 75 ألف دينار (500 يورو (608 دولار) كي يتمكن من تلبية حاجات أسرته”. ويوضح أن “رفع القدرة الشرائية للمواطن يرتبط بإعادة النظر في تنظيم الأسواق”.
ويعتبر رئيس جمعية “أمان” لحماية المستهلك، حسان منوار، أن “أجر الكرامة هو 80 ألف دينار، أي حوالى 520 يورو (632 دولار)، موجهاً نداءه إلى المستهلكين لاستغلال الأزمة من أجل ترشيد نفقاتهم. وأضاف، “نخشى كثيراً انعكاس انهيار القدرة الشرائية على صحة المواطنين الذين لن يكون في إمكانهم توفير غذاء متوازن وعلاج مناسب”.