إعداد : حسن هرماس/و م ع/
أكادير – بعد مرور 60 سنة على كارثة الزلزال الذي ضرب مدينة أكادير ذات ليلة من فبراير 1960،والتي شكلت إعلانا عن انخراط المغاربة في جهاد البناء والتشييد الذي أطلقه جلالة المغفور له محمد الخامس ، رفقة وارث سره جلالة الملك الحسن الثاني ، طيب الله ثراهما، من أجل إعادة بناء هذه المدينة ، التي استحقت أن تحمل لقب “مدينة الإنبعاث”، ها هو التاريخ يعيد نفسه سنة 2020 ، التي شهدت إعلان جلالة الملك محمد السادس عن مشروع جديد لانبعاث هذه المدينة.
ففي يوم 4 فبراير من السنة الجارية، كانت ساحة “الأمل”، في قلب مدينة أكادير، على موعد تاريخي جديد، سيظل بصمة راسخة في أذهان المغاربة عامة، وساكنة أكادير وجهة سوس ماسة على وجه الخصوص، حيث شهد هذا اليوم ترؤس صاحب الجلالة الملك محمد السادس لحفل تقديم برنامج التنمية الحضرية لأكادير للفترة 2020 ـ 2024.
فتكفي الإشارة إلى الغلاف المالي الإجمالي المرصود لإنجاز مختلف المشاريع المبرمجة في إطار هذا البرنامج ، والتي تصل حوالي 99 ر5 مليار درهم، للاقتناع بأن مدينة أكادير ستشهد خلال ما تبقى من السنة الجارية ، وخلال السنوات الثلاث القادمة أوراشا عدة ستغير من ملامح المدينة بالكامل، مما سيمكنها من الإرتقاء إلى مصاف الحواضر الحاملة لمواصفات المدن العصرية التي دخلت سجل الحداثة والمدنية ، مثل العديد من المدن المغربية الأخرى.
وبإلقاء نظرة موجزة على برنامج التنمية الحضرية لأكادير (2020-2024)، الذي تم تقديمه بين يدي صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يتضح جليا أنه عبارة عن برنامج مهيكل يؤسس لمرحلة جديدة في مسار النهوض بدور مدينة أكادير كقطب اقتصادي مندمج وكقاطرة لمجموع جهة سوس ماسة. كما أن من شأنه تحويل مدينة الإنبعاث إلى قطب اقتصادي حقيقي ذي تنافسية وجاذبية، وتدعيم إشعاعها الوطني والدولي، فضلا عن مساهمته في تحسين مؤشرات التنمية البشرية وتحسين إطار عيش المواطنين، ولاسيما بالأحياء ناقصة التجهيز.
ويتكون هذا البرنامج من ستة محاور أولها إنجاز الخط الأول للحافلات ذات جودة عالية لمدينة أكادير، يمتد على طول 15,5 كيلومترا، ويربط ميناء أكادير بحي تيكوين، والمناطق الصناعية المحيطة به، مرورا بالحي الإداري للمدينة وشارع الحسن الثاني، وسوق الأحد وشارع الحسن الأول والمركب الجامعي ابن زهر، والمنطقة الصناعية لتاسيلا.
أما المحور الثاني للبرنامج،فيتعلق بتقوية البنيات التحتية وتحسين انسيابية التنقلات بأكادير، ويهم إنجاز الشطر الأول للطريق المداري الشمال -الشرقي على طول يناهز 25 كيلومتر يربط مطار أكاديرـ المسيرة بالميناء التجاري للمدينة، وتهيئة منشآت فنية، وخلق مداخل جديدة للمدينة انطلاقا من هذا الطريق، والشروع في إعادة تهيئة الطريق السريع.
ويتوخى المحور الثالث التهيئة الحضرية للمنطقة السياحية بأكادير والرفع من جاذبيتها، من خلال إنجاز عدد من المشاريع، لاسيما إعادة تأهيل كورنيش المدينة، وإحداث مرافق عمومية (مركز المعلومات السياحية، ومتحف تيميتار)، والربط الأفقي للمدينة بالمنطقة الشاطئية، وتأهيل الشبكة الطرقية بالمنطقة السياحية وشبكة الإنارة، وتأهيل المساحات الخضراء بالمنطقة، وتأهيل وإعادة هيكلة حديقة “وادي الطيور”، والارتقاء بالمنطقة الشاطئية وإحداث وتأهيل مسارات سياحية موضوعاتية (المسار التجاري، والمسار الترفيهي، والمسار الثقافي، والمسار الرياضي).
ويندرج المحور الرابع من برنامج التنمية الحضرية لأكادير 2020 ـ 2024 في سياق العمل على المحافظة على المحيط البيئي وإنشاء وتأهيل الفضاءات الخضراء، ويتعلق الأمر بإحداث منتزه تيكوين (28 هكتار)، ومنتزه الإنبعاث (25 هكتار)، وتأهيل وإعادة هيكلة منتزه ابن زيدون وحديقة أولهاو (15 هكتار)، بالإضافة إلى مجموعة من الحدائق والساحات العمومية ، وتجهيز فضاءات ترفيهية بالأحياء الآهلة بالسكان.
أما المحور الخامس فيسعى إلى تعزيز المنشآت الدينية ودور العبادة بالمدينة وتثمين التراث والاهتمام بالتنمية الثقافية، ويشمل بدوره شق “رعاية الشأن الديني”، وشق “حماية وتثمين تراث المدينة” وشق الإنعاش الثقافي.
بينما يرتبط المحور السادس بتعزيز التجهيزات الاجتماعية الأساسية، ويهدف إلى استكمال تأهيل الأحياء ناقصة التجهيز، ومواكبة النمو الديموغرافي والتوسع العمراني للمدينة، وكذا تحسين إطار عيش المواطنين. وتم أيضا برمجة مجموعة من المشاريع في هذا الصدد، والتي تهم أساسا قطاعات الشباب والرياضة والصحة والتعليم والأنشطة الاقتصادية والتجارية للقرب.
ومباشرة بعد تقديم برنامج التنمية الحضرية لأكادير بين يدي صاحب الجلالة الملك محمد السادس، انطلقت دينامية غير مسبوقة على صعيد مدينة الانبعاث لتنزيل ما تم الإعلان عنه أمام جلالة الملك، وذلك وفق الجدول الزمني المحدد سلفا لإنجاز مختلف المشاريع المبرمجة، حيث لم تتوقف هذه الدينامية حتى أثناء ظروف الحجر الصحي التي فرضتها جائحة كورونا.
فقد توالت خلال هذه الفترة الاجتماعات عن طريق تقنية التواصل الشبكي ، كما تعددت الزيارات الميدانية لمواقع إنجاز عدد من المشاريع، بل انطلقت أشغال إنجاز البعض منها ، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لملاعب القرب التي تم الشروع في إنجاز العديد منها في مناطق مختلفة من الجماعة الترابية لأكادير، إلى جانب الشروع في أشغال ترميم وتأهيل الموقع التاريخي لقصبة “أكادير أوفلا”.
وتم خلال هذه الاجتماعات ، التي ترأسها والي جهة سوس ماسة عامل عمالة أكادير إداوتنان، وشارك فيها مختلف المسؤولين على الصعيد المحلي والإقليمي والجهوي ، الانكباب على مناقشة وتنقيح المشاريع التي أنجزتها مكاتب الدراسات المكلفة بمختلف مشاريع برنامج التنمية الحضرية لأكادير ومن ضمنها، على سبيل المثال لا الحصر، مشروع إنجاز المنتزه الحضري” الانبعاث”، ومشروع المسرح الكبير لأكادير، ومشروع الطريق المداري الشمال الشرقي ، ومشروع “المركز الثقافي والذوقي” لأكادير، وغيرها من المشاريع الأخرى.
والجدير بالإشارة في هذا الصدد أن برنامج التنمية الحضرية لأكادير يأتي تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية الواردة في الخطاب التاريخي لجلالة الملك بمناسبة الذكرى الـ44 للمسيرة الخضراء، والذي دعا فيه جلالته إلى تعزيز البنيات التحتية الأساسية لجهة سوس – ماسة ودعم شبكتها الطرقية، وربط مراكش وأكادير بخط السكة الحديدية، وتقوية المكانة التي تتبوؤها جهة سوس ماسة كحلقة وصل بين شمال المملكة وجنوبها.
واعتبارا لذلك ، فإن التكامل العضوي بين مكونات برنامج التنمية الحضرية لأكادير 2020 ـ 2024 من جهة، ومشروع الربط السككي بين أكادير ومراكش من جهة ثانية، يعطي الدليل على أن أكادير، وجهة سوس ماسة عموما ، مقبلة على موعد جديد مع التاريخ تتبوأ بموجبه انبعاثا جديدا ، بعد الإنبعاث الأول الذي أعقب كارثة زلزال 1960.
ومن الأكيد أن هذا الانبعاث الجديد بمختلف مكوناته، قادر على أن يؤسس لمرحلة جديدة في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمدينة أكادير وجهة سوس ماسة عموما، وهذا من شأنه أن يحول المنطقة إلى قطب اقتصادي حقيقي ذي تنافسية وجاذبية، مما سيساعد لا محالة على ربح رهان الجهوية المتقدمة ، وتدعيم إشعاع المنطقة وطنيا وجهويا وعالميا.