يقول سارتر: الآخرون هم الجحيم، وأقول: نحن الآخرون، ونحن الجحيم.
كان الجحيمُ عام 1990 مقتصرًا على استيقاظي مبللة بالكامل، لم أكن قد بلغت الثامنة من عمري، والعام الألف من عبارات والدتي المكررة ذات التوقيت المحدد من كلّ صباحٍ: «فلتذهبي إلى الجحيم».
في عام 1996، خرج لي جحيمٌ مضرجٌ بالدماء من القنوات التلفزيونية التي حملت بين عناوينها جثث وأشلاء أطفال مجزرة قانا، قال لي الجحيم هامسًا: «سأقتلع قلبكِ». وكنت على يقين تام من أنه سيفعل ذلك، وفي تلك اللحظة دخلت في حالة اكتئاب.
في عام 2001، خرج الجحيم من السنة الأولى في الجامعة مرتديًا لباس الرسوب، صفعة، اثنتان، ثلاث صفعات تلقيتها من والدي، عدا عن الطعنة التي وجهها نحو كتفي عندما مزقه بأصابعه الخمسة.
عام 2006، ظننت أن الجحيم اختفى، وأنه بمقدوري أن أفتش عن طبيب نفسي يساعدني بطريقة ما على التخلص مما علق في رأسي من تعذيب وضرب وفشل وأشياء أخرى كثيرة، استطاعت أن تتسلق روحي بمنتهى التخبط وأن تستعمرني تمامًا.
غير أنه فتح عينيه على حياتي مجددًا عام 2007، عندما أجبرني والدي على الزواج مكرهةً.
في عام 2010، فهمتُ أن بإمكان بوابات الجحيم أن تتسع وتكبر وتتكاثر وأن الأشياء التي نحبها يجب أن ندفع ثمنها بأضعاف ما نعتقده. في البداية كنت امرأة ضعيفة وكنت أمتلك ضعفًا عنيدًا واحدًا أوجهه نحو ذاتي، إما بصفعي أمام مرآتي وإما بخدش بطني وصدري بأظافري، وفكرت أنه وقد صرت أمًّا فهذا الضعف سيعود أضعافًا مضاعفة مما كنت أمتلكه سابقًا.
عام 2011، استعرت الحرب في بلادي وكذلك الجحيم، تساقطت الجثث، والعبوات الناسفة، والناس، والأفكار، والأحلام، والدعوات أرضًا، وكأن الحياة تحتضر. كان لزامًا أن أفتح عيني جيدًا وأن أرى ما لا يمكن رؤيته من هول الضباب في المشهد، ألا وهو الإيمان.
عام 2015، خرج الجحيم من حياتي، حين قرأت كتاب «السر» لرواندا بايرن، لقد تفتتت النار شيئًا فشيئًا، تحولت الأمطار الساخنة إلى مجرد ماء بارد، تلاشت النسخة الرديئة من والدتي وصرت أنا كما تمنيت يومًا أن أكون.
عام 2016، صرت قوية حين قررت أني أريد أن أكون كذلك، وأن القوة لا بد ستنبع من الداخل كي يستشعرها الآخرون ويقدروها، لا أن يخافوا منها.
عام 2017، نلت أول جائزة لي في القصة القصيرة، وبدأت مشواري في الكتابة، وقررت وأنا أكتب النصوص النثرية والقصص القصيرة أن أحول رغبتي في نقل المعارف على الورق إلى وسيلة شفاء حقيقية بالتخلص مما في داخلي من رؤىً ماضية وذكريات ذات رائحة كريهة.
عام 2018 أدركت قيمة ما أملك وصرت ممتنة، وكنت أردد: ممتنة لأني على قيد الحياة، ممتنة لأني كنت ضعيفة وهذا الضعف أيقظ قوتي، ممتنة أني صرت أمًّا وأن أطفالي بخير، ممتنة أني عرفت الله؛ رب الجمال، المحبة، الفرح، القوة، الإيمان.
عام 2019، وقعت لكن نهضت وبقوة، وأدركت أن القوة التي تأتي بعد السقوط تكون عارمة وغير منتهية.
في 2020، قررت مشاركة الجميع إحباطاتي كلها، ليفهموا أن ليس ثمة جحيم وإنما خوف، نخاف مما لا نعرفه، نخاف مما نريده، ولا نستطيع أن نبذل قصارى جهدنا كي نحصل عليه. نخاف من قوتنا، نحن الذين نمتلك قوة الإيمان ولا يدركها الكثيرون منّا.
كيف تكون طبيبكَ النفسي؟ اقفل الباب على الماضي، كن ممتنًّا لكل ما تملك حتى لو لم تملك سوى قدرتك على التنفس. ضع الفكرة التالية في رأسك وكررها كل دقيقة: أنا قويٌّ لأني كذلك، ولأني انعكاس الله فيّ.