ما قاله عبد المالك العزيز وعبد الرزاق خيري، عن “السرطان”، الذي نخر جسد فريق عريق كالجيش الملكي، وغيّبه عن الواجهة لأكثر من عقد من الزمن، لم يحمل أي جديد، فالجميع يعرف أن سوء التسيير وفساد التسيير، والعشوائية في التسيير هي من أطاحت به، وجعلته محطة عبور للاعبين، يدخلون ويخرجون في صفقات أثارت الكثير من الشكوك، سيما في الفترة، التي كان فيها مسؤولون داخل الفريق، يفرضون على أي لاعب التوقيع مع وكيل واحد محظوظ، حتى أن الجيش في تلك الفترة صار “كمحطة القامرة”، الداخلون إليها والخارجون منها يعدون بالعشرات، لم يُحاسب أحد، ممن تسببوا في هذا الوضع واستفادوا منه، اللهم إعفاءات من مناصب، ليخلوا المكان لمستفيد آخر..هي فقط، حقائق كانت تتداول في المدرجات والمقاهي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، فصادق عليها الرجلان لأنهما شخصيتان اعتباريتان.
وسط كل ما قالاه، أثارتني عبارتان صدح بهما خيري، الأولى حينما تحدث عن تخلي “المسؤولين الكبار” عن الفريق، فرتع المسؤولون الصغار في النادي، تآلفوا وتخالفوا فشكلوا لوبيات، وكلهم، حسب ما أكداه، محاطون بأشخاص لا علاقة لهم بالكرة لا من بعيد أو من قريب، فلماذا تخلى المسؤولون الكبار عن فريق كبير؟ وهل هناك نية مبيتة لتقزيم دور النادي العسكري، الذي كان قاطرة للرياضة الوطنية، وأول من فتح باب القارة لبقية أندية البطولة، وعج تاريخه بنجوم وأساطير لاعبين ومسيرين؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه استشراء للفوضى بسبب وضع شاذ، مع اشخاص غير مناسبين في مناصب أكبر من حجمهم الحقيقي؟
العبارة الثانية المثيرة، التي تحدث عنها خيري، تكمن في فئة من الجمهور، التي قال إنها ترتبط بعلاقات مع مسؤولين يستغلونهم في “تاحياحت” للإطاحة بمن يرونهم خطرا على “نشاطهم” داخل الفريق، فإذا كان المسؤولون الذين أغرقوا سفينة الجيش معلومون، فهؤلاء المحسوبين على الأنصار مجهولون، لأنهم مندسون بين الجماهير الوفية والمحبة والمخلصة والمتوجعة على فريقها، والتي وجدت نفسها بين نار التسيير العشوائي ونار “المندسين”، الذين ينشرون فحيحهم وينقلون أخبارا كاذبة ويحولون انتباه الجمهور (الذي ينقاد معهم للأسف دون تفكير) نحو أشخاص أو أحداث ثانوية أو وهمية، ويرمون الحطب في نار كل خلاف وسط الجمهور لتأجيجه في لعبة الإلهاء والترويض التي يحترفونها..وهم ناجحون فيها إلى حد كبير للأسف.
خيري والعزيز، لا يمكن أن يخرجا عن “جماعة” المساهمين في سنوات الضياع، لأن اسمهما ارتبط بفترة من فتراته، وفي سياق “دويو علينا وجيو علينا” فقد ساهما فيها بصمت المتواطئين، خيري الذي وصف الجمهور العسكري بوصف سلبي، والذي تبرأ من كل ما يربطه بهذا النادي بشكل مستفز، عاد اليوم ليقول إن الإدارة هي من انتدبت اللاعبين وفرضتهم عليه، ولأنه لن يصعد أحد ظهرك إلا إذا انحنيت، فإن خيري قبل اللعبة بل الأدهى من ذلك، وحسب ما قيل عن تلك الفترة، فهو لم يكن مسؤولا مسؤولية كاملة عن التشكيلة والنهج أيضا، وفي المباراة التي أراد أن يسترد فيها صلاحيات المدرب، انهزم هزيمة مدوية كانت سببا في رحيله عن الفريق..
أما العزيز، الذي كان وراء انتدابات من الهواة عاد لينتقد انتداب لاعبين من القسم الثاني، بل كان أيضاً وراء انتداب كاشير وآخرين، حلّوا وارتحلوا دون أن يتذكرهم أحد.. ومعه خرج للوجود وصف “جيل العار”.
بعد عام على تعيين الجنرال حرمو على رأس النادي، خرج المندسون أنفسهم، يمارسون “عملهم” يدفعهم دافعون وينقاد معهم “جمهور الريح”، لوأد محاولة (مهما بدت خجولة) للخروج من “الورطة” وصناعة أعمدة وأبناء لفريق لم يعد يملك سوى قمصان ومركز ومكاتب… وتاريخ عظيم، وجمهور وفي.
ما نتمناه هو أن يدخل الفريق العسكري مرحلة جديدة بحلول رئيس جديد، فمعه استبشر الملاحظون خيرا مع صرامته وتتبعه لكل صغيرة وكبيرة، خاصة فيما يتعلق بالأمر بالصرف، وهي الصرامة التي قطعت الطريق على كثير من الممارسات، وطبيعي أن تتضرر أطراف من الوضع الجديد، وتحاول مقاومة أي تغيير، لإفشال أي محاولة للردة عن هواية العقد والفسخ عشرات المرات مع كل “ميراكاتو”.. حتى أن “الفاسوخي” صار لقبا للمرحلة السابقة، فالخطأ الذي قد يكون وقع فيه الرئيس الجديد، هو عدم إبعاده لكل من كان له علاقة بالسنوات السوداء، فمن ساهم في الهدم من الصعب أن يساهم في البناء، استمرار وجود مسؤولين، مُرِّغ اسم الفريق العسكري معهم، في قمرة التسيير، يربك المسير في طريق العودة المرجوة، فكما برر طاليب قرار تغيير الصفوف برغبته في التخلص من اللاعبين الذين تعايشوا مع الهزائم، كان حريا بالجنرال أن يتخلص بدوره من كل من ساهم في صناعة “أجيال ” تعايشت مع الهزائم.
الصيف الماضي، جمعتني مكالمة هاتفية بمسؤول في الفريق، اشتكى خلالها من ضعف أسلحته في منافسة الأندية، في قضية انتداب أسماء كبيرة بسبب فوارق الميزانية، وشبه ذلك بدخوله “حربا” بمسدس بينما خصمه يدخل بمدفع أو بطائرة ف 16، أنصتّ إلى تشبيهاته الحربية باهتمام، وقلت: “أنت تتحمل المسؤولية الأدبية عما حصل في الفريق، والتاريخ لن يذكر هذه التبريرات، بل سيذكر أن اسمك كان من بين الأسماء التي ارتبطت بأسوأ فترة في تاريخ النادي”، ويبدو أن جوابي لم يرقه، لأن المكالمة تلك، كانت الأولى والأخيرة بيننا.
بقلم الزميل إبراهيم شخمان / عن موقع لوماتان سبورت