✏️: أحمد الشرعي
لا أحد يمكن أن يجادل في اعتبار العدالة عنصرا مركزيا للحفاظ على اللحمة الاجتماعية، وبالتالي على استقرار البلاد. وهذا ما يجعل منها ورشا حاضرا باستمرار على طاولة الحكومات المغربية المتعاقبة منذ الاستقلال، سعيا لإصلاحه أو تطويره، أو إضافة حجر في بنائه.
خلال السنوات الأخيرة، سجلت منظومة العدالة تقدما ملموسا، يعكس وضعها المستقل، الذي منحه لها الدستور الجديد، والمكانة الجديدة للنيابة العامة تعد خطوة إيجابية في طريق تكريس هذه الاستقلالية. غير أن هذه المؤسسة تصطدم بعدم استقلاليتها ماديا.
قضية الاستقلال المادي لمؤسسة النيابة العامة ليست مشكلا تقنيا، بل متعددة الأبعاد. فلكي تكون لدينا عدالة تحظى بثقة المواطنين، وتنظر في القضايا بسرعة، وتصدر أحكاما متوقعة بحكم القانون في الملفات التي تعالجها، يتطلب الأمر رؤية واضحة ومستوى متقدما من الإمكانيات.
صحيح أن الرشوة آفة موجودة في بلادنا تماما كما توجد في كل مكان من هذا العالم. لكن سيكون من المجحف أن نعتبر بأن هذه الآفة تنخر جسم العدالة بكامله، في الوقت الذي يلتزم فيه القضاة، المنحدرين في غالبيتهم العظمى من الفئات الشعبية، بالقيم الوطنية الكبرى.
هناك ملاحظات عامة تفرض نفسها عند كل متتبع. أولها الإمكانيات التي لا تواكب الطموحات، فيما يتعثر ورش رقمنة القطاع في عدد من المحاكم، حيث يصبح العثور على حكم قضائي متقادم ضربا من المستحيل، وبذلك لا يتحقق مبدأ القرب مطلقا.
في المؤتمر الأخير حول العدالة المنعقد بمراكش، وقف الجميع على العلاقة الحيوية والمصيرية بين الاستثمار من جهة، والعدالة من جهة أخرى. لكن الملاحظ أن المحاكم التجارية والإدارية، التي يمكن أن يلجأ إليها المستثمر إذا ما أحس بالظلم، غير موجودة على مجموع التراب الوطني، في انتظار استكمال ورش الجهوية المتقدمة والإعلان عن استراتيجية جادة من طرف الحكومة في هذا المجال. غير أن هذا المشكل يمكن التغلب عليه ولو مرحليا، عبر انتداب قضاة متخصصين في الجماعات، التي لا تتوفر على محاكم متخصصة، في احترام ذكي للإكراهات المادية.
وليس القضاة وحدهم طرفا في هذه المعادلة، إذ لا يمكن لحكم قضائي أن يرى النور دون وجود كتاب الضبط، علما أن الوضع الاجتماعي لهذه الفئة من الموظفين يعرف احتقانا منذ سنوات، وتعبيراتهم الاحتجاجية عطلت المحاكم في مناسبات عديدة. كما تجدر الإشارة هنا إلى أن عمل كتاب الضبط لا يبدأ ببدء الجلسات وينتهي بانتهائها، ولكنه مرتبط بالمسطرة القضائية بكاملها، لأنهم يواكبون كل ملف على حدة من بدايته، فيتتبعون سير الاستدعاءات القضائية، ويسهرون على إعادة ديباجة الأحكام، ثم توزيعها على المحاكم.
تحتاج العدالة إلى إمكانيات أكبر بكثير من تلك التي تتوفر عليها اليوم، وإذا كان انتقاد العدالة يتمحور حول تأخرها في إصدار الأحكام، فالأمر يعود بالتحديد إلى خصاص في عدد القضاة، مقابل تزايد أعداد الملفات.
منظومة العدالة قطاع محوري في البناء الديمقراطي، لذلك يتوجب على الحكومة أن توظف الإمكانيات الضرورية اللازمة لسيرها من أجل إصلاح حقيقي.