بقلم: حسنى أفاينو /و م ع/
الرباط – حين تمضي لتلبية نداء الصلاة فيه، سيثير انتباهك اختلاف جنسيات وألوان القائمين على شؤونه، وستبهرك أفواج الوافدين إليه من النساء والرجال بأزيائهم المختلفة التي تعبر عن ثقافة بلدانهم، في مشهد دال يتفرد به مسجد الأخوة الإسلامية التابع لمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات.
فيه ترى مشهدا مهيبا، نسيج وحده ، يجسد مبادئ وقيم الدين الحنيف القائمة على الأخوة، ويحقق مقاصده الحضارية السمحة ويترجم العلة من تعدد الشعوب والقبائل، مشهد ينقلك من عالم التنظير القيمي إلى الممارسة الواقعية الحية لقيم الأخوة والمحبة والتسامح .
وأنت في باحة المسجد ، يستثير فيك هذا الاختلاف والتنوع في الألوان والألسن روح التأمل والتفكر ، عندما تنتهي إلى سمعك أحاديث بلغات مختلفة للمصلين وهم يهمون بالدخول لبيت الله ، تطيش سبحاتهم بين أناملهم أو يتأبطون سجاداتهم الخاصة ، لكن توحدهم تحية السلام التي يتبادلونها بينهم بعفوية تامة.
في مسجد الأخوة الإسلامية الذي دشنه أمير المومنين جلالة الملك محمد السادس يوم 27 مارس 2015 بالحي الجامعي (مدينة العرفان) بالرباط وأدى به صلاة الجمعة، قد يُرفع الأذان بصوت مسلم من غامبيا وقد يقيم الصلاة آخر من فرنسا، وقد يؤم بك في الصلاة مغربي أو نيجيري أو مالي …، كل ذلك بالتناوب في نظام خاص يميز هذا المسجد الذي يعد بمثابة “مدرسة تطبيقية” لما يتلقاه طلاب معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات من تكوين.
أما صلاة الجمعة في هذا المسجد فلها شأن خاص، وتكمن خصوصيتها في طريقة إعداد الفريق المكون من طلاب المعهد من أجل القيام بوظائف بيت الله في ذلك اليوم، من قراءة للقرآن وأذان وإقامة وخطبة وإمامة ودعاء، وقد جرت العادة أن يعطى لطلاب كل دولة شرف القيام بهذه الوظائف على مدى أسبوع، فيجتهد كل فريق من هؤلاء الطلاب لتمثيل بلدهم في أداء هذه المهام أحسن تمثيل .
وحول هذه الخصوصية، يقول السيد عبد السلام الأزعر، مدير معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، إن ما يميز مسجد الأخوة الإسلامية هو تولي الطلبة القيام بشؤونه، مشيرا إلى أنه منذ تدشين المعهد من قبل أمير المومنين في 27 مارس 2015 ، دأبت هذه المعلمة الدينية على تنظيم “أسبوع المسجد، حيث يمكن لطلبة كل دولة من الدول القيام بشؤون المسجد على مدى أسبوع كامل: الأذان والإقامة والإمامة والصلوات الخمس وخطبة الجمعة ودروس الوعظ وقراءة الحزب الراتب وغيره.. هذا أمر خاص بهذا المسجد “.
وعن كيفية انتقاء خطيب الجمعة والإمام بما هي مسؤولية جمة نابعة من عظمة منزلة خطبة الجمعة في الإسلام ، أوضح السيد الأزعر في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه في كل أسبوع يطلب من ممثلي الدول التشاور مع زملائهم من نفس البلد بشأن المهام المنوطة بهم وتوزيعها فيما بينهم خلال الأسبوع الذي سيتكلفون فيه بوظائف المسجد، على نحو يجعلهم يؤدونها على أحسن وجه ويتمكنوا بالتالي من تمثيل بلدهم أحسن تمثيل .
يقول عثمان الفاروني، وهو مرشد بالمعهد مكلف بتأطير أئمة أسبوع المسجد ” دائما نلتقي مع طلاب أسبوع المسجد في قاعة التأطير من أجل اختبار أداء الخطيب والمؤذن والإمام حسب معايير تحترم ضوابط المذهب المالكي، ولا تخرج عن رواية ورش من طريق الأزرق المعتمدة بالمملكة”.
وأضاف أنه “في جلسة التأطير نطلب من الطالب قراءة الفاتحة أو ما تيسر من القرآن حتى نميز ما إذا كان مؤهلا للإمامة ، ثم يطلب منه رفع الأذان حتى نتأكد من أدائه وفق الصيغة المغربية التي يؤذن بها في مساجد المملكة ، ثم نمر إلى الخطيب فنطلب منه قراءة مقدمة الخطبة فنستمع إليه وننصت لنبراته الصوتية ونتابع مدى تفاعله مع مضمون الخطبة، وقدرته على توزيع النظرات في الناس، هذه خطوات لابد أن تكون في المرحلة الأولى، ثم يتم توزيع هذه المهام بالإسم كل حسب ما يتقن”.
وبعد هذه المرحلة، يتابع السيد الفاروني، يتم الاتفاق على اللقاء في مقصورة المسجد قبيل موعد صلاة الجمعة من أجل تذكير الطلاب كمرحلة أخيرة بترتيب الخطوات التفصيلية التي تسبق الصلاة، وبواجب الإخلاص لله في العمل والالتزام بالكتاب والسنة.
أقيمت الصلاة ، فإذا بالصفوف ترص رصا بمصلين من مختلف الجنسيات، لتأذن بتشكل لوحة فسيفسائية جذابة تسمح باستكشاف جمالية الوحدة في ظل الاختلاف، ليس اختلاف التضاد، ولكنه اختلاف التنوع والرحمة والعطاء الموصول.
انتشر المصلون بعد صلاة الجمعة ، لكن الطلاب الذين ينتسبون لبلد الخطيب لم يبرحوا زميلهم ، والتفوا حوله مهنئين والبهجة تعلو وجوههم وهم يرددون الأذكار والصلاة على النبي المختار ويطوفون به بين جنبات باحة المسجد ، كأنه عريس ليلة زفافه .
وإذا كانت المساجد تزداد رونقا وبهاء في رمضان، ويزداد معها إقبال المصلين على أداء صلاة التراويح جماعة لما تنثره من نفحات إيمانية على أفئدتهم ، فإن مسجد الأخوة الإسلامية لا ينفك عن هذه الأجواء الروحانية الخاصة، إذ يبدأ الاستعداد لشهر التوبة والغفران في شعبان ، حيث تنظم مسابقة لاختيار أجود المشفعين من طلاب المعهد من جميع الجنسيات، وتشرف على ذلك لجنة خاصة ، تقوم باختيار 16 طالبا في كل سنة للقيام بهذه المهمة مناصفة بين المغاربة والأجانب، وفي كل يوم يؤم بالمصلين إمامان أحدهما مغربي والثاني أجنبي.
ومن اللمسات الرفيعة ذات الدلالة الرمزية ، أن يرتدي الإمام أثناء الصلاة السلهام المغربي فوق جلبابه أو اللباس التقليدي الخاص بالبلد الذي ينتسب إليه دلالة على الرفعة والتشريف ، فإذا انتهى من دوره في الإمامة نزع السلهام من على كتفيه ليلبسه الإمام الذي يأتي بعده، في سلوك راق يرسم أسمى صور التقدير والاحترام المتبادل والسماحة، فضلا عن رمزية الإسلام في التكامل بين جميع أفراده .