في حياته الشخصية يعرف فرانسوا فيون بشغفه بسباقات السيارات. ففي مدينته لومانس الشهيرة بسباق السيارات الذي يستمر على مدى 24 ساعة يشارك فيون أيضا بسيارة قوية الدفع. سياسيا لم ينجح فيون إلى حد الآن في تجاوز من يتقدمه، حيث إنه ظل يعب حتى الآن دورا سياسيا من الدرجة الثانية. والمسار المهني لفيون قد يشبه سيرة ولي عهد فاشل. لكن في الجولة الأولى من الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح اليمين المحافظ الفرنسي لخوض انتخابات الرئاسة في العام المقبل فاز فيون بصفة مفاجئة أمام المؤهلين المحتملين، ألان جوبيه ونيكولا ساركوزي.
وقد ينتقل السياسي المحترف هذه المرة إلى داخل قصر الإليزيه بباريس. فمن هو فرانسوا فيون الذي ظل طويلا من أبرز كوادر السياسة الفرنسية دون أن يلتفت إليه أحد بجدية؟ جدي وبعيد عن الفضائح “فرانسوا فيون يعكس الجدية المطلقة”، كما يقول خبير الشؤون السياسية دومنيك غريلماير من المعهد الألماني الفرنسي لودفيغسبورغ لـ دوتش فيليه، موضحا أنه يبدو”حريصا ومتواضعا ومتمكنا” أمام العموم. وعمل فيون طوال خمس سنوات، من 2007 إلى 2012، كرئيس وزراء تحت رئاسة نيكولا ساركوزي دون الظهور في صورة سلبية، ليكون بذلك أول رئيس وزراء في فرنسا استطاع النجاح في قضاء ولاية حكم كاملة.
وقبلها كان فيون وزيرا للشؤون الاجتماعية وبعدها وزيرا للتعليم. ويلخص غريلماير شخصية فيون قائلا: “الاستمرارية والجدية” هما اللتان تحددان معالم عمل فيون الذي يعتبر داخل النخبة السياسية الفرنسية “رجلا نظيفا” وهناك قضية مشاركته في رحلة استجمام على نهر النيل عام 2010 بدعوة من الرئيس المصري السابق حسني مبارك. لكن مقارنة مع منافسه ألان جوبيه الذي صدر حكم ضده بتهمة تمويل حزبي بشكل غير قانوني، فإن قضية فيون تبدو للمراقبين قضية بسيطة. كاثوليكي محافظ فيون الذي وُلد في لومانس بالشمال الغربي لفرنسا يمثل قيما كاثوليكية تقليدية، ويُعتبر رجل القانون هذا محافظا، فهو يرفض زواج المثليين وحق التبني من قبلهم، وهو متزوج منذ 36 عاما وله خمسة أطفال. وتسكن العائلة في قصر يعود للقرن الـ 12 في مقاطعة سارث.
كما إن فيون يمثل نهجا يمينيا منتقدا للإسلام، وصدر له في الخريف كتاب بعنوان “الإسلام الراديكالي”. ويعتزم فيون مراقبة المساجد بشكل أكبر، وسجن الأشخاص الذين لهم صلات بمنظمات مثل تنظيم “داعش” الإرهابي.
كما يتطلع إلى تشديد إجراءات الحصول على الاستفادة من النظامين الاجتماعي والصحي، كما يطالب فيون بتحديد سقف أعلى لعدد المهاجرين الذين يدخلون فرنسا. مساند للاقتصاد الليبرالي برنامج فيون يدعم النهج الاقتصادي الليبرالي، وهو من المعجبين برئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تايتشير. ويعتزم فيون خفض الإنفاق العام بنسبة 100 مليار يورو على مدى خمس سنوات وإلقيام بإصلاح ضرائبي، ورفع سن التقاعد إلى 65 عاما بالإضافة إلى زيادة ضريبة القيمة المضافة على المبيعات، وإلغاء 500.000 منصب في القطاع العام. كما إنه لا يتورع في مواجهة “الملفات المحرمة” في فرنسا، حيث يريد شطب نظام 35 ساعة عمل في الأسبوع الواحد. ويتطلع في الوقت نفسه إلى تخفيض الضرائب والمستحقات المفروضة على الشركات لمنح فرنسا قوة تنافسية.
مساهمة في حل المشاكل أم تقسيم للمجتمع؟ ويقدم فيون نفسه، حسب خبراء على أنه رجل يحل المشاكل وشخص يريد تصويب مسار البلاد في الاتجاه الصحيح. غير أن الخبير غريلماير يعتبر أن فيون يتجاوز الحدود بنهجه الاقتصادي الليبرالي القوي. فأحزاب اليسار وأيضا عناصر من معسكره ترى إن هذا النهج سيحدث شرخا داخل المجتمع. كما إن طلباته تشبه إلى حد كبير تلك التي يدعو إليها الشعبويون اليمينيون، وهي بمثابة محاولة لاستعادة ناخبين محافظين لجئوا إلى الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة. لكن بالمقارنة مع نيكولا ساركوزي فإن فيون يتمتع بمصداقية أكبر. ويعتقد غريلماير أن الناخبين مقتنعين بأنه “يقوم بهذه الإجراءات بقناعة راسخة، وليس فقط لحسابات انتخابية”، مشيرا إلى أن فيون ليس رجلا يتأرجح حسب هبوب الرياح، حيث كانت مواقفه هذه معروفة منذ سنوات طويلة.
كما يلاحظ خبراء أن فيون الذي يظهر جادا ويمكن الثقة به يُنظر إليه من طرف العديد من الفرنسيين على أنه ذلك الشخص القادر على تجسيد “كرامة منصب الرئاسة “. ورغم ذلك فالسباق من أجل الظفر بمنصب الرئاسة الفرنسية لم يحسم بعد، حيث تبقى كل السيناريوهات المحتملة قائمة.