العام الثقافي قطر-المغرب 2024: عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية
سعيدة فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها تعمل كخادمة في البيوت منذ كان عمرها 12 عاما ونصف، تعرضت لشتى أنواع المعاملة السيئة من ربات البيوت تحتفظ بآثار أسوئها على يدها اليمنى عندما تعرضت للكي من ربة بيت اتهمتها بأنها اعتدت على ابنها الصغير. وتقول سعيدة التي اضطرتها ظروف الحياة القاسية، وفاة الوالد المعيل الوحيد للعائلة وكثرة الإخوة والأخوات وجهل الأم إلى العمل في البيوت منذ طفولتها.
إنها تتمنى من المسؤولين أن يمنعوا تشغيل الأطفال وخاصة الخادمات الصغيرات في البيوت بعد مشروع قانون صوتت عليه لجنة الشؤون الاجتماعية في البرلمان المغربي مؤخرا والذي يتيح للخادمات العمل في البيوت ابتداء من سن 16 عاما. حالة غير نادرة وحالة سعيدة ليست الوحيدة في المغرب فقد تعرض عدد من الخادمات للكي وللضرب المبرح حد التعذيب، مما اضطر منظمات حقوقية محلية ودولية كـ “هيومان رايتس واتش” أن تصدر دراسات عديدة على الخادمات في المغرب آخرها كان في 2012 قدرت فيها عدد الخادمات الصغيرات في المغرب بأكثر من 60 ألف يحصلن على راتب هزيل لا يتسلمنه بأنفسهن، بل تصل إلى أولياء أمورهن الفقراء الذين يدفعنهن للعمل.
كما أشارت كل التقارير الخاصة بهذا الملف إلى ظروف العمل السيئة كطول عدد ساعات العمل التي تصل أو تتجاوز في الكثير من الأحيان 100 ساعة في الأسبوع وعدم ملائمة مكان مبيتهن وسوء تغذيتهن. ولا تتوفر الجمعيات الحقوقية المغربية على عدد دقيق لخادمات البيوت في المغرب خاصة القاصرات “بسبب صعوبة إعداد إحصائية خاصة بهن وصعوبة الكشف عن أسرار البيوت”، كما تقول سميرة موحيا رئيسة فرع الرباط لـ”فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة.
تدخل “المرصد المغربي لحماية الطفل”
تدخل “المرصد المغربي لحماية الطفل” الذي تترأسه شقيقة العاهل المغربي محمد السادس الأميرة للا مريم إلى عدم التصويت على القانون12-19 الذي يسمح بتشغيل الأطفال بالمنازل على اعتبار انه سيكون” وسيلة قانونية للتشجيع على تفاقم تشغيل الأطفال بالمنازل”. وبذلك عمل المرصد بجهوده على عودة مشروع القانون إلى لجنة القطاعات الاجتماعية في البرلمان المغربي من جديد لغرض إجراء تعديلات عليه. وفي سياق أعتراضه، اعتبر المرصد أن هذا القانون سيكون وسيلة لتفاقم ظاهرة تشغيل الأطفال بالمنازل. ووجه مذكرة” إلى رئيس مجلس النواب ورئيسة لجنة القطاعات الاجتماعية وإلى أعضاء اللجنة التي ستبت وتصوت على مشروع القانون دعا فيها إلى إزالة كلمة الأطفال أو الأقل من 18 سنة من مشروع القانون 19 -12 وان يتم التأكيد فيه على أنه لا يجوز تشغيل الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بالمنازل”.
كما دافعت المنظمات الحقوقية المغربية خاصة المهتمة بوضعية الطفولة بقوة عن عدم تشغيل الأطفال كخادمات في البيوت على اعتبار أن مكانهن الطبيعي المدرسة وأحضان الأسرة. جدل مثير داخل وخارج البرلمان في غضون ذلك، أثار مشروع القانون الجدال داخل صفوف البرلمانيين أنفسهم وليمتد حتى إلى داخل حزب التقدم والاشتراكية الذي ينتمي إليه وزير التشغيل الصديقي. ففي حين دافع الأخير عن مشروع القانون، رفضت النائبة عن نفس الحزب نزهة الصقلي والتي شغلت في الحكومة السابقة منصب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن هذا القانون على اعتبار أن”المكان الطبيعي للأطفال في عمر 16 عاما هو المدرسة وليس العمل”. واعتبرت أن القانون كان يجب أن يأخذ بعين الاعتبار آراء بعض الهيئات الدستورية والحقوقية ومنظمات المجتمع المدني المغربي.
لكن وزارة التشغيل رفضت التعليق على الموضوع في عدة اتصالات معها. بيد أن وزير التشغيل قال إن القانون الجديد جاء بعدة مكاسب، أهمها تحديد سن أدنى للتشغيل وضرورة توفر العاملة أو العامل المنزلي على عقدة الشغل، واستفادته من الحماية الاجتماعية والراحة الأسبوعية والعطلة السنوية والحماية ضد الأشغال الخطيرة، ومنع وساطة الأشخاص الذاتيين بمقابل، وكذا الاستفادة من التكوين والتدريب مع إقرار عقوبات زجرية مهمة في حالة مخالفة مقتضياته.
كيف يمكن مراقبة القانون؟
من جانبها، قالت سميرة موحيا في حديث صحافي: “من غير المعقول أن تمرر قوانين التي تهم النساء بشكل سريع ولا تأخذ وقتها الكافي في المناقشة”. وأضافت على هامش احتجاج عدد من المنظمات الحقوقية على القانون المذكور أمام مقر البرلمان بالرباط” يوم 24 ماي الحالي إن قانون 19-12 جاء مخيبا للآمال فمن ابرز هفواته تشغيل الفتيات في سن 16عاما و هو سن المدرسة وليس سن التشجيع على العمل”. وتساءلت موحيا عن “آليات المراقبة، كيف يمكن لمفتش الشغل أن يراقب قانونية تشغيل القاصرات داخل البيوت، هذا الفضاء المغلق والمحاط بكثير من السرية والتعتيم؟ كيف يمكن أن يعرف إن كانت محمية داخل البيوت ولها عقد عمل؟..ونحن نعتبر أن هذا القانون الذي تقول الحكومة انه مكسب مجرد حبر على الورق، وكان من الأجدر أن تحترم الحكومة مبادئ الدستور المغربي المصادق عليه في 2011 وتحترم الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها وان تضع قانونا قابلا للتنفيذ والتفعيل”.
من جانبها، نادت الحقوقية ليلى اميلي رئيسة”منظمة أيادي حرة” بـ”رفع أصوات المغاربة بإلغاء هذا القانون”. وأضافت ليلى: “لا يعقل أن يمر هذا القانون في المغرب في ظل دستور 2011 وفي ظل توقيع المغرب على اتفاقيات حماية الطفولة”. وقالت ليلى التي تشتغل أيضا مستشارة قانونية بمجلس النواب المغربي “لا يعقل أن نقبل عمل أطفالنا في سن اقل من 18 عاما هذا حيف..مشروع القانون مر في لجنة التشريع وتم وضع التعديلات والتصويت عليه ..لكن بعد مذكرة مرصد حقوق الطفل من المنتظر أن يعود القانون إلى لجنة التشريع لإعادة التصويت عليه”. وأضافت أن تدخل المرصد الذي ترأسه الأميرة لالا مريم لإعادة القانون من جديد للتعديل هو أمر عادي في المغرب فهذا سبق وحدث في مدونة الأسرة عندما تدخل العاهل المغربي وعين لجنة لحسم الجدال حول مدونة الأسرة (قانون الأسرة المغربي) التي عرفت الكثير من الأخذ والرد بين علمانيين وإسلاميين، وكذلك ما وقع مؤخرا حول قانون الإجهاض حيث تدخل العاهل المغربي أيضا لحسم النقاش.
وتساءلت كيف يمكن أن يقول الدستور المغربي إن المجتمع المدني في المغرب قوة اقتراحية لكن في الواقع أصواتنا لا تسمع”. تكاتف منظمات المجتمع المدني. من جانبها، ترى خديجة الرياضي الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان المستقلة أن هناك شبكة من هيئات وجمعيات تشكلت في 2009 واشتغلت فقط على عاملات البيوت بعد تقرير هيومان رايتس واتش وتوالي تسجيل حالات الاعتداء على الخادمات الصغيرات في مناطق متفرقة من المغرب. وقالت الرياضي الحائزة على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للعام 2013 إننا” في المغرب لا نزال ندور في فلك التحكيم الملكي عندما يثار جدال حول موضوع ما..يأتي التحكيم الملكي على اعتبار أن هذه الجهة هي”راعية الحقوق وفوق الصراعات وتتمتع بالحكمة..يتم هذا التوظيف السياسي في الوقت الذي تكون هناك مرافعات قوية للمجتمع المدني لكن الحكومة لا تستمع لها”.
وأضافت الرياضي “الحكومة لا تريد أن تستمع لأحد، لا إلى النقابات ولا إلى منظمات المجتمع المدني”. إلى ذلك تقول زهور التي رمزت لاسمها الثاني بحرف “ز” وتعمل وسيطة تشغيل إنها بدأت العمل منذ كانت طفلة في الثامنة حين أخذتها أسرة بدعوى تربيتها وتدريسها والعناية بها لكنها وجدت نفسها في ذلك السن وجها لوجه أمام الأشغال المنزلية الشاقة. وبقيت زهور تنتقل من بيت لآخر حتى سن الخامسة والعشرين، حيث تزوجت ومنعها زوجها من الاشتغال في البيوت لكنها امتهنت الوساطة في تشغيل الخادمات.
وتضيف زهور التي لا يكف هاتفها عن الرنين بسبب اتصالات ربات بيوت الباحثات عن عاملات لبيوتهن، أنها ليست لديها فكرة كبيرة عن القانون الجديد المثير للجدل لكن “بطبعي ارفض الوساطة لفتيات صغيرات لأنني اعرف حجم المسؤولية التي تنتظرهن من جهة وما قد يشكله من خطورة على ربة البيت أو أطفالها من جهة ثانية”. وتقول “الفتاة في سن اقل من عشرين سنة تكون جامحة وقد تقوم بأعمال منافية للآداب وتورط العائلة الكفيلة و تعرضني للوم والعداوة من الأسرة التي توسطت لها”. أما عن حقوق الفتاة الصغيرة الخادمة اقل من 18 عاما أو في حدود 16، فزهور لا ترى في ذلك مانعا “إن كانت الفتاة عاقلة” فـ”الشغل ستر لها يقيها شر الشارع وإنزلاقاته وشر الفقر ومكائده..الشغل نعمة يجب أن نحمد الله عليها”، حسب تعبيرها.