وخص السيد ابن كيران، في مداخلة حول مستجدات القضية الوطنية قدمها أمام مجلسي البرلمان في إطار مقتضيات المادة 68 من الدستور، بالذكر قضية الاختطافات واسعة النطاق للنساء، والتي شملت أزيد من 150 امرأة وكانت حديث الصحافة العالمية، وخاصة الاسبانية منها، بحكم أن أغلب المختطفات ومجهولات المصير يحملن الجنسية الاسبانية، حيث تم احتجازهن في مخيمات تندوف أثناء زيارتهن لأسرهن.
واضاف أن المغرب أشار على سبيل المثال إلى حالة ثلاث نساء صحراويات محتجزات منذ أكثر من سنة، وتم عرض حالتهن على الأمم المتحدة، وخاصة المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان من طرف عائلاتهن وكذا من طرف المنظمات الدولية لحقوق الإنسان وأخرى لا حكومية.
وذكر رئيس الحكومة بإعلان الأمين العام الأممي عزمه تنظيم مؤتمر لمانحي المساعدات الإنسانية للمحتجزين في مخيمات تندوف، دون أن يتطرق لقضيتين بالغتي الأهمية، تتمثل أولاهما في تتمثل في ضرورة إجراء إحصاء لهاته الساكنة والذي دعا إليه السيد الأمين العام بنفسه في العديد من تقاريره ويفرضه القانون الإنساني الدولي وتؤكده جميع قرارات مجلس الأمن منذ 2011.
وأشار، بهذا الخصوص، إلى وجود محاولات لإقناع المفوضية السامية للاجئين وبرنامج الغذاء العالمي لإحداث بطائق التموين للمحتجزين بذريعة ضمان الشفافية في توزيع المساعدات، في حين أنه مجرد التفاف على ضرورة إحصاء المحتجزين. وقد حذرنا المبعوث الشخصي من إمكانية انزلاق الأمم المتحدة وراء هذه المناورة الهادفة إلى إعطاء الانطباع أن الإحصاء قد تم، مع أن إجراء الإحصاء مطلب استعجالي ينبغي أن يتم وفق مقتضيات القانون الدولي الإنساني.
أما القضية الثانية، يقول السيد عبد الإله ابن كيران ، فتهم “الاختلاس المؤكد والمنتظم”، منذ أربعة عقود، للمساعدات الإنسانية الموجهة لساكنة المخيمات، والذي أكدته تقارير المفوضية السامية للاجئين وبرنامج الغذاء العالمي ومكتب محاربة الغش بالاتحاد الأوروبي وندد به المجتمع الدولي والدول المانحة، مشددا على أنه “لكل هذا، فإن هذه التجاوزات، هي أبعد ما تكون عن تحقيق الهدف الذي أعلنه السيد الأمين العام خلال هذه الزيارة والمتمثل في إحياء المفاوضات، قبل بضعة أشهر من انتهاء ولايته”.
وذكر بأن الأمين العام للأمم المتحدة أعلن، خلال مؤتمر صحفي عقده يوم 6 مارس الجاري بالجزائر، عن أربعة أهداف لجولته بالمنطقة تتمثل في إجراء تقييمه الخاص للوضع الميداني وإحاطة مجلس الأمن الدولي بذلك، والاطلاع على الحالة الإنسانية بمخيمات تندوف، وزيارة المينورسو، وتحليل الوضع الأمني على الأرض، إلا أنه و”عكس كل الالتزامات المعلنة، وخلال زيارته إلى بئر لحلو، تخلى عن الحياد والموضوعية، ليس فقط من خلال التصريحات، بل كذلك من خلال إشارات رمزية كتعبير صريح عن تساهل مدان مع كيان وهمي يفتقد لكل مقومات الدولة المتعارف عليها في القانون الدولي ومن طرف الأمم المتحدة نفسها”.
وأضاف أن بان كي مون تجاوز الأهداف التي حددها لهذه الزيارة، وتمادى إلى درجة استعمال لفظة “الاحتلال” لوصف استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية، و”هي سابقة في قاموس الأمم المتحدة في تناولها لملف الصحراء المغربية، إذ لا تستند لأي أساس سياسي أو قانوني، ويعتبر استحضارها في هذه الحالة مخالفا للقانون الدولي وللأعراف المعمول بها”.
وأكد أن “هذا التطاول الخطير ليس الأول من نوعه، فقد سبقته خروقات في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ تعيين المبعوث الأممي الحالي”، كما تجسد ذلك وقائع تتمثل في محاولة التدخل سنة 2012 مباشرة في مفاوضات صياغة قرارات مجلس الأمن، وهو ما اعتبر آنذاك سابقة اضطرت المغرب إلى سحب ثقته منه، والإيعاز سنة 2013 بفكرة توسيع صلاحيات المينورسو، والقيام سنة 2014 بصياغة تقرير مجحف أحدث أزمة جديدة مع الأمانة العامة، تلاها الاتصال الهاتفي بين جلالة الملك والأمين العام، تم خلاله الاتفاق على الالتزام بالمعايير المحددة من طرف مجلس الأمن، أي تسهيل مفاوضات بين الأطراف للوصول إلى حل متفق عليه. خاصة وأن مجلس الأمن يعترف بالمجهودات الجادة وذات المصداقية للمغرب متمثلة في مقترح الحكم الذاتي.
وأعرب رئيس الحكومة عن استغرابه كيف أن “هذه التطورات تأتي مباشرة بعد المبادرة الملكية السامية لإطلاق مسيرة خضراء جديدة لا تقل قوة عن الأولى، قوامها الجهوية الموسعة والمخطط التنموي الضخم الذي سيجعل الأقاليم الجنوبية حالة استثنائية في المنطقة وحلقة وصل كبرى بين بلادنا وبين إفريقيا وفي وقت يقوي فيه المغرب أكثر فأكثر سياسته الأفريقية”، مضيفا أن هذا المشروع الاستراتيجي، الرامي إلى ترسيخ مكانة المغرب في المنطقة وفي أفريقيا، وتقديم نموذج تنموي لمواطنيه في الجنوب، وسط محيط إقليمي خارجي يعاني من الهشاشة، أزعج إلى أبعد الحدود خصوم المغرب، وبالتالي لا يمكن أن ننتظر أقل من حملة شرسة ضد بلادنا التي تتعاظم أهميتها يوما بعد يومط.
وقال رئيس الحكومة إنه بعد شهور قليلة من عودة الثقة بين المغرب والأمين العام للأمم المتحدة، “يبدو أن الجانب الأممي لم يتراجع عن الخطوات التي شرع في تحضيرها منذ تعيين مبعوثه الشخصي في يناير 2009، والتي أثارت ردود فعل قوية من المغرب الذي طالب بضمانات بعدم الخروج عن الإطار الذي ترسمه قرارات مجلس الأمن الدولي لتحركات السيد الأمين العام ومبعوثه في ملف الصحراء”.
واضاف ان مؤشرات الإصرار على الخضوع لضغوط الخصوم ومحاولة جر الملف إلى مناقشة حلول لا تحفظ الوحدة الترابية للمغرب، ستدفع بلادنا إلى اتخاذ ما تمليه عليه مصالحه الاستراتيجية وفي مقدمتها الوحدة الوطنية والترابية، إذ لا شيء يعلو فوق قدسية الوطن. وإن الأربعين سنة الماضية لكفيلة بأن تعطي الدروس لمن هم في حاجة إليها.
واستحضر، بهذا الخصوص، “العبارات القوية التي تضمّنها الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، المؤكدة على عدم استعداد المغرب تقديم أي تنازلات جديدة بعد مقترح الحكم الذاتي، وكذا مضامين الرسالة الملكية الموجهة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمكالمة الهاتفية بين صاحب الجلالة والسيد بان كي مون التي تؤكد حرص المغرب على ضرورة “تجنب المقاربات المنحازة، والخيارات المحفوفة بالمخاطر”، في التعاطي مع ملف الصحراء المغربية؛ وعلى “ضرورة الاحتفاظ بمعايير التفاوض كما تم تحديدها من طرف مجلس الأمن، والحفاظ على الإطار والآليات الحالية” لانخراط منظمة الأمم المتحدة في ملف الصحراء. وقد أكد صاحب الجلالة أن “أي ابتعاد عن هذا النهج سيكون بمثابة إجهاز على المسلسل الجاري، ويتضمن مخاطر بالنسبة لمجمل انخراط الأمم المتحدة في هذا الملف” .
وشدد على أن الأجدر بالأمين العام للأمم المتحدة، أن طيقدر مخاطر الإرهاب وعدم الاستقرار التي تحوف بالمنطقة، وأن يعترف، كما الدول العظمى، بالنموذج الديمقراطي والفريد الذي يشكله المغرب، والذي يشكل مثالا يحتذى في المنطقة، بما يحققه من تزاوج بين تحقيق الأمن والاستقرار، وترسيخ الديموقراطية وحقوق الإنسان، عوض تشجيع الكيانات الوهمية ومنطق التجزيء الذي لا يمكن أن يؤدي إلا لمزيد من عدم الاستقرار”.
وخلص السيد ابن كيران إلى التأكيد بأن “المغرب، مواطنين ومؤسسات وأحزاب سياسية ونقابات ومجتمع مدني وفعاليات حقوقية ومجتمعية، يقف وقفة جسد واحد، حين يتعلق الأمر بالوحدة الوطنية. لقد ألفنا في مسعانا النبيل لبناء الديمقراطية المغربية أن نحول هذا الفضاء إلى فضاء للنقاش، الحاد في بعض الأحيان، والتقييمات الصارمة كذلك، ولكننا في مثل الظرف الحالي، نتحول إلى يد واحدة، بإرادة واحدة، وصوت واحد، يصدح: المغرب أولا وأخيرا، بقيادة ملكنا حفظه الله وأيده”.