بحلول شهر رمضان، يتجدد موضوع البرمجة الرمضانية على القنوات التلفزية المغربية، بما تحمله من تساؤلات حول مدى ملاءمة هذه البرامج لطبيعة الشهر الفضيل، وكذا النقاش حول جودة مضامين المواد التلفزية المبرمجة.
فبين من يقبل، بنهم، على “التهام” ما تجود به قريحة المنتجين من برامج تم إعدادها لتلائم “رغبات المشاهدين” المتحلقين حول مائدة الإفطار، وبين من ينتقد هذه البرامج، يدور النقاش المتجدد حول التنافس المحموم الذي تدخله القنوات التلفزية من أجل الظفر بأكبر نسبة متابعة لبرامجها، من خلال الرهان على عدد من البرامج التي يتم بثها خلال فترة الذروة والترويج لها بكافة السبل لضمان إقبال المشاهدين على متابعتها، عبر المساحات الإعلانية للجرائد وبث الوصلات الإشهارية واللجوء إلى الملصقات الكبرى في الشوارع.
خلال شهر رمضان، تشهد شبكة البرامج التلفزية للقنوات الوطنية تغيرا جذريا لشبكة برامجها، التي تخصص فترة قبيل وما بعد الإفطار لتقديم حزمة من الإنتاجات. كما تعرف القنوات التلفزيونية “إنزالا” لعدد من البرامج التي يتم الترويج لها ك”عادة” دأبت هذه القنوات على بثها طيلة أيام رمضان، على اعتبار أنها تحقق أعلى نسب متابعة، وبالتالي يتم تخصيص مساحات زمنية هامة لمجموعة من أصناف البرامج، من قبيل السلسلة الهزلية (سيتكوم) والكاميرا الخفية والمسلسل الدرامي فضلا عن بعض البرامج الحوارية والدينية، التي تؤثث المشهد السمعي البصري في فترة الذروة، التي تنطلق بعيد أذان المغرب، وتمتد لما بعد منتصف الليل.
تؤكد سارة، شابة في الخامسة والعشرين من العمر أنها تشاهد العديد من الإنتاجات التلفزيونية الوطنية خلال شهر رمضان، لأن هذه الفترة تعج بالأعمال الفنية الجديدة، معتبرة أن ذلك يمكنها من متابعة أعمال فنية تخاطب المواطن المغربي وتناقش قضاياه، سواء في شكل درامي أو عن طريق الأعمال الفنية التي تجعل من الفكاهة والهزل وسيلة للتأثير في الجمهور.
وتشاطرها في هذا الرأي صديقتها ليلى، في جواب عن سؤال حول مدى متابعتها للبرامج التلفزيونية، إذ تؤكد أنها “تدمن” متابعة قنوات التلفزيون الوطني خلال شهر رمضان، خاصة بعد الإفطار، وذلك عكس الشهور الأخرى، لكون البرامج تبث للمرة الأولى “مما يجعلنا نقبل على متابعتها بشوق”.
كما تشكل مشاهدة البرامج بالنسبة للشابة التي تقوم بتدريب صيفي في إحدى المؤسسات البنكية، فرصة للاستمتاع بفترة راحة بعد يوم حافل بالأنشطة المهنية، فضلا عن المساعدة في إعداد أطباق وجبة الإفطار، وتضيف “بالنسبة لي، تشكل متابعة برامج التلفزيون فسحة زمنية أستمتع فيها بعدد من الإنتاجات الفنية المعروضة، خاصة وأن أغلبها يعد إنتاجا مغربيا محضا، مما يجعلني أفتخر بمتابعة الإنتاج الوطني عوض البحث عن بديل في قنوات أخرى”.
غير أن هذا الزخم الإنتاجي، يتسم أساسا بطابع موسمي، إذ يقتصر الكم الإنتاجي على فترة محدودة من السنة يسابق فيها المنتجون الزمن لإعداد مشاريع فنية تؤثث شبكات البرامج التلفزيونية، مما يطرح بحدة سؤالا حول جودة المضامين المقدمة، ومدى ملاءمتها لطبيعة اهتمامات المشاهد المغربي خلال الشهر الفضيل.
فارتفاع نسب المشاهدة خلال شهر رمضان، يشكل حافزا لدخول منافسة من أجل إنتاج أعمال تنال الإعجاب، على حساب باقي فترات السنة التي يتضاءل فيها الإنتاج، مما يساهم في تكديس البرامج خلال فترات الذروة، تجعل المشاهد أحيانا في حيرة حيال ما يمكن أن يشاهده ومدى نجاح اختياراته.
يقول عبد الإله، أستاذ بالتعليم الثانوي، إن القنوات التلفزية تتسابق على انتزاع “حصة مشرفة” من نسب المتابعة، بغض النظر عن جودة الأعمال المقدمة، معتبرا أن ذلك يكرس ثقافة الانسياق وراء المضامين المبتذلة التي تحصر اهتمامات المواطن المغربي في الرغبة في الضحك وإن كان غير هادف.
ويضيف “أعيب على البرمجة التلفزيونية خلال شهر رمضان انسياقها وراء تقليد القنوات العربية الأخرى في التنافس المحموم في تكثيف الإنتاج وتركيزه خلال شهر رمضان”، مضيفا أنه يجد نفسه مكرها على متابعة عدد من البرامج التلفزيونية خلال فترة الإفطار، بسبب إقبال أطفاله على متابعتها.
يعتبر عدد من الإعلاميين الذين استقت الوكالة آراءهم، أن مراهنة القنوات التلفزيونية على السلسلة الهزلية “سيتكوم” ينبع من رغبة هذه القنوات في تحقيق أكبر نسب للمتابعة، غير أن عدم تطور المضمون يشكل موضع انتقاد، إذ تستمر بعض “السيتكومات” في اجترار مواضيع قديمة وتتفنن في تطوير الديكور العام، علها تظفر بإعجاب المواطنين، دون أن تنطوي على رسالة هادفة.
فالارتقاء بالذوق الفني، حسب الإعلاميين، يجب أن يكون هاجسا حاضرا لحظة الانكباب على كتابة سيناريوهات الأعمال الفنية، بغية الإسهام في تطوير الإنتاج.
ويذهب البعض إلى أن شح العروض الفنية خلال السنة يجعل عددا من الفنانين يقبلون أداء كافة الأدوار التي تعرض عليهم، خشية الوقوع في بطالة فنية، حتى في حال عدم الاقتناع بجودة السيناريو المعروض، وهو ما يطرح بحدة ضرورة تطوير مؤسسات للإنتاج تقدم إمكانيات هامة للارتقاء بالمجال الفني وتحقيق تراكم يمكن الفنانين من اختيار الأعمال بدقة.
ولئن كان الترفيه قاسما مشتركا بين مختلف البرامج، فإن جودة المضمون تطرح بحدة، حتى يصير الارتقاء بذوق المشاهدين هاجسا يسبق الهم الكمي للإنتاج.