فيديو: المفوض الأممي لحقوق الإنسان: المغرب نموذج يحتدى به في مكافحة التطرف
لم تنقلب حالة العراقيين فقط، رأسا على عقب، منذ سقوط بغداد في أبريل 2003، بل نال المغاربة المقيمين هناك قبل هذا التاريخ نصيبهم، فمن تدهور وضعهم المالي إلى وضع نفساني وإنساني غاية في التعقيد، وإذا كان مجموعة من المغاربة قد عادوا بعد أن سلبت منهم أراضيهم أو بيوتهم التي اشتروها من عرقهم غصبا، فقصة معاناة “عبد اللطيف عريب” (61 عاما)، بدأت في بغداد لتتواصل في الرباط، “عريب” مواطن مغربي عُيّن لدى سفارة المغرب بالعراق منذ 1994، كسائق مكلف بحمل البريد من بغداد في اتجاه عمان ودمشق، مقابل راتب شهري قدره 180 ألف دينار عراقي أي ما يعادل آنذاك 600 دولار أمريكي، وبعد 17 سنة من العمل، عاد بعدها إلى المغرب على أمل أن يحصل على حقوقه كاملة، وينشأ مشروعا ببلده، بعد أن ذاق ويل الحرب وما تلاها من انهيار للأمن وانتشار للفوضى والإرهاب في العراق.
لكن الخارجية المغربية أبت إلاّ أن تعيده إلى حمل حقيبة غير الحقيبة الدبلوماسية التي كان يحملها بين سفارات بغداد وعمان ودمشق، فحقيبة الرجل الآن، عبارة عن جواز سفر وعدد من بطائق الهوية تؤرخ لمُدد إقامته في العراق، ووثائق ابنه، أضاف إليها شواهد طبية تؤكد معاناته النفسية بعد اختطاف ابنه، واختطاف زملائه ثم قتلهم.
عريب السائق المرعوب من القاعدة في العراق
بدأ لقاءنا بــ “عريب”، بذكريات مؤلمة، تابع أطوارها كل المغاربة، ذكرى زملائه: “عبد الكريم المحافظي” و”عبد الرحيم بوعلام”، اللذان قُتلا على يد تنظيم القاعدة بالعراق، قصة تعيده إلى حالة من الرعب خاصة وأنه كان مهددا بالاختطاف رفقة زملائه، لكن بعد أن اختطفتهم القاعدة، وفشلت في اختطافه، قررت اختطاف ابنه (هشام)، الذي ذاق ألوانا من الترهيب والعنف، قبل أن يطلق سراحه، هذه المعاناة دفعته “منطقيا”، إلى الإعلان عن رغبته في العودة إلى المغرب، إلا أن مسؤولي السفارة، لم يرغبوا في عودته بدعوى ألا أحد سيعوض مكانه خاصة وأن اثنين من موظفي السفارة قد اختطفا، مما دفعه إلى البقاء مرغما على العمل في ظروف يطبعها العنف والقتل والرعب، لما بعد سقوط نظام “صدام حسين”، الذي يقول عنه “عريب”، “كان نظاما آمنا، وكنا نعيش في أمان وطمأنينة، وكأننا في وطننا، قبل أن تنقلب الأمور بدخول أمريكا وتشتت العراق.”
.قصة عريب مع الخارجية المغربية كما رواها لـ “أكورا”
قرر السائق السابق لدى سفارة المغرب ببغداد “عبد اللطيف عريب”، الخروج لأول مرة إلى الإعلام، بعد أن بلغ درجة اليأس، حيث كان يرى أن ذلك عيبا أخلاقيا، لأنه “يستحي” من وضع السفراء الذين اشتغل معهم، والذي يكن لهم التقدير والاحترام، ويطلب شهادتهم في حقه، وكان يحتفظ ببعض الأمل من أن الخارجية لن تهضم حقوقه المشروعة، يقول “عريب” في حديث حصري لــ “أكورا بريس”: “اشتغلت لدى سفارة المغرب بالعراق منذ 1994، وإلى حدود سنة 2005، لم أحصل على التعويضات عن السفر التي بلغت الآلاف وكنت أدفعها من مالي الخاص، كما أني اشتغلت مدة 5 سنوات بدون عطلة سنوية، في حين كان راتبي يصلني بشكل عادي، وفي 2008 وبعد أن قررت العودة إلى المغرب بشكل نهائي بعد المعاناة النفسية التي طالتني وأسرتي الصغيرة، خاصة ابني الذي اختطف وعذّب، كنت معتقدا أن الخارجية المغربية ستوفر لي الوسائل قصد العلاج من الأزمة النفسية التي عانيتها بالعراق.
قضيت سنة كاملة في رحلة من مراكش ذهابا وإيابا، أتردد على مقر وزارة الخارجية، اقترحت عليهم توفير منصب شغل لي بالمغرب، أو تعويضي عن مدة عملي بسفارة المغرب ببغداد مدة 17 سنة، سنة كاملة ترددت فيها على الخارجية، إلى أن اتصلوا بي بتاريخ 17 ماي 2009، وطلبوا مني تقديم الاستقالة مقابل تعويضي عن مدة 17 سنة، لأنهم لم يستطيعوا توفير شغل ملائم لي بالمغرب، كما طلبوا مني أن أمنحهم حسابي البنكي بالمغرب، وفعلا قمت بذلك على الفور حيث سلمت لهم الوثائق المطلوبة في 19 ماي 2009، (تتوفر أكورا على نسخ من جميع الوثائق).
بعدها انتظرت طويلا دون أن تتصل بي الخارجية المغربية، أو أتوصل عبرها بمستحقاتي، وبعد أن زاد التماطل، قررت رفع دعوى قضائية، وعوض أن تفاوضني الخارجية لمنحي مستحقاتي، أصبح مسؤولو الوزارة يلوحون بوثيقة الاستقالة التي طلبوها لوقف الراتب ولدفع تعويض عن 17 سنة من العمل، وأتساءل، هل هذا جزائي بعد هذه التضحية والعمل في جو الحرب والقذائف والمتفجرات؟ وعوض أن تعوضني الخارجية أضعافا مضاعفة بالنظر إلى معاناتي، اختارت أن ترمي بي إلى الفقر والحرمان أنا وزوجتي وأبنائي الستة، 6 بدون راتب أو تعويض وعمري 61 سنة.”