بيان مشترك: المغرب و’سانت لوسيا’ عازمان على تعميق تعاونهما الثنائي
صوت أوبرالي خلق ليجعل من لغة الضاد منارة تهدي الحيارى في دروب الفن الأصيل. من وحشة الخزانات أخرجتها، ومن متون النوادر والمخطوطات انتقتها. فهي في صبرها وتؤدتها كعالم الآثار، نقبت ونبشت بكل لطف ورقة في بحور الشعر العربي لتقول لكل العرب، الشعر ديوانكم، ولغة الضاد هويتكم وحضارتكم، ودروب الفن كلها مستقاة من نبع ألسنتكم.
سمت باللغة العربية في محافل الشرق والغرب، وألبستها لبوس الأوبرا الراقي، لبوس جعل العاشق يزداد عشقا، والجاهل بلغة الضاد في ذهول.
إنها السوبرانو العالمية سفيرة الفن الأصيل سميرة القادري في حوار حصري مع أكورا بريس.
-
بداية هلا عرفتنا على سميرة الطفولة ؟
بطبيعة الحال مثل كل الأطفال، لكن الوسط العائلي الذي ترعرعت فيه وسط متميز، كانت فيه مجموعة من الأشياء ساهمت في تحقيق مرامي هدا الطريق الفني الدي اختارنب، فبحكم أن والدي كان يشتغل في مصلحة المياه والغابات، عمل كان يفرض عليه التنقل بين المدن المغربية. فمن جهة مكنني هذا التنقل من التعرف على ثراء الوطن و ما يزخر به من تقاليد وثقافات متنوعة. وهو أمر أتاح لي التعامل مع الثرات المغربي بدون أية صعوبات، فأصبح من السهل علي الغناء بأي لهجة عربية كانت أم أمازيغية…إلخ. لأنني أصبحت على دراية بخصوصية كل ثرات على حدة، ومن جهة ثانية انتمائي للزاوية الشرقاوية الكائنة بمدينة ابي الجعد التي صنفت مؤخرا ضمن الثرات العالمي. هذه الزاوية لديها طقوس صوفية محضة مرتبطة بغناء الفقيرات، وهو غناء وتقليد موسيقي نسائي ديني يقوم بالخصوص على مدح الرسول (ص) من خلال الأشعار التي كتبها شيوخ الصوفية، أمثال سيدي محمد بن الشرقي وأبناءه
قضيت أغلب طفولتي بين أحضان جدي وجدتي، فشهدت تلك الطقوس وتربيت فيها، لكن في نفس الوقت كان عندي إلى جانب هذه التربية التقليدية، تربية أخرى منفتحة وحديثة اكتسبتها عن والدي الذي كان يتقن لغة موليير؛ فدائما أعرف أن في بيتنا مكتبة جعلها أبي رهن إشارتنا لاكتشاف ثراء اللغة الفرنسية les fable de la fontaine وكتابات عديدة لموليير وكتاب اخرون ، وهذا جعلني بعد حصولي على باكالوريا في الاقتصاد أحتار في الاختيار بين العلوم الاقتصادية أو توجه آخر، فاخترت في الأخير التسجيل في المعهد العالي لفنون المسرحية والتنشيط الثقافي الشئ الدي ساعد على تطوير ميولاتي الصوتية إلى جانب الجسدية.
في طفولتي غنيت مجموعة من الأغاني لفيروز. فقد كانت هذه الفنانة بالنسبة لي هي الهرم، تعلمت منها العديد من الأشياء، واكتشفت في تجربتها الإنسانية تجربة عميقة جدا تجسدت في المزج بين ما هو شرقي وما هو غربي. إذا كل القصائد والثرات الديني والروحي متواجد في فن فيروز فهي غنت مجموعة من الأغاني بالسريالية، هذا النوع الفني أخذت منه الكثير لأنني وجدت فيه مقامات ربما تاريخيا في الارتباط بالموسيقى تتميز بمجموعة من التراتيل الكنائسية التي أعطت مجموعة من المقامات وطورت الموسيقى العربية الشرقية، أقدم لك بصفة عامة هذه الطفولة التي حضر فيها التمثيل والموسيقى معا. فقد غنيت وأنا في سن التاسعة لفيروز وأميمة خليل، غنيت كل ما هو أصيل في تلك المرحلة، وكنت أقلد حتى الأصوات الأوبرالية رغم عدم معرفتي بتلك اللغات، وأنا صغيرة كنت أتخيل نفسي على الخشبة، وساعدتني أسرتي كثيرا من خلال التشجيع وعلى رأسهم والدي.
صفوة القول؛ مهنة والدي وتنقله الدائم أثرا كثيرا في مسيرتي الفنية.
-
تغنين بالعديد من اللهجات العتيقة غير العربية. ما سر هذا التفوق الذي أوصلك للعالمية؟
الجانب الفني الذي أشتغل فيه يحتم علي كل هذا التعدد والتلوين، فعندما أقول انني نتخصصة في الموسيقى المتوسطية التي استمدت روحها من الموسيقات الاندلسية فهدا يقتضي مني الاطلاع على اللغات الوسيطية لتلك المراحل التي انتجت فيها هدا الربرطوار الشامل . لكن ليس الهدف هو التفوق في اللغة، وإنما هدفي من هذا التعدد هو إيصال رسالة مفادها أن كل هذا المزج عنوانه المغرب الغني بلهجاته وثقافاته وأعرافه، فمنذ سنتين اشتغلت على قصائد باللغة الأمازيغية لإيماني بتعدد مجاري الثقافة المغربية، وحاولت أن أتجاوز برؤيتي المغرب لتشمل المغربي العربي كاملا، وكل ما قمت به لحنته في قوالب ذات أسلوب موسيقي متوسطي، وذلك بغية نشر هذه الثقافة العريقة والتعريف بها، فحتى أكون مغربي يجب علي ألا أقصي ولو لهجة من لهجاته.
أنا لا أعتبر هذا تفوقا أكثر منه امتيازا، والذي ساعدني على تجاوز صعوبة الاشتغال على القصائد الأمازيغة هو ذلك التنقل الذي تحدثت عنه سابقا. فمن خلال نطقي لها يظن البعض أني أتقنها.
-
كأول فنانة غنت الشعر العربي . هلا أطلعتنا على الفرق بين اللغة الهوية واللغة الأجنبية؟
بطبيعة الحال عندما نتكلم عن اللغة العربية، فإننا نتكلم عن لغة جميلة جدا وعميقة وفيها من الخصوصيات والميزات ما لا يوجد في اللغات اللاتينية، سأعطيك مثلا حرفي القاف والحاء هذين الحرفين يشكلان لغة القرآن، فأنا درست تجويد القران ومخارج الحروف على يد المقرئ حبد الحميد بنحساين ا فوعرفت تأثير هذه اللغة على الروح حينما تنبعث من الوجدان لتشعرنا بنوع من الخشوع، انظر إلى الأوروبيين كم درسوا من سنة ليتوصلوا في الأخير أننا لا نغني بالصوت أو من خلال الحبال الصوتية، وإنما تخرج ألحانا من الأعماق من حجاب المعدة، فمثلا الأسطورة أم كلثوم بدت الغناء صغيرة ودشنت أطول مسار في تاريخ الفن، ونادرا ما تجد فنانا يتجاوز 50 سنة، لكن للأسف لا أحد درس واهتم بميزات صوت أم كلثوم سليلة دار القران كانت مجودة قبل ان تكون مغنية .
اكتشفت أن اللغة العربية، أولا إيمانا بأنها لغة سلسة وعميقة، لكن ما آلمنا هو ارتفاع أصوات تنادي بتفعيل الدارجة داخل الوطن، نحن نريد الدارجة في الأزجال ونريد أن نرقى بها، وإذا كان علينا أن نروجها في قطاع المقاولات فإننا ينبغي أن نرقيها فهي اللغة الأم التي يتكلم بها جميع المغاربة، ولكن هذا لا يعني أن نجعلها لغة رسمية، لأن اللغة العربية لها تاريخ وكيان، وأيضا حضور قوي، وإذا أقدمنا على مثل هذه الخطوة فإننا سنطمس تاريخنا بشكل كامل.
لقد خضت هذه التجربة وكنت أول سوبرانو عربية إلى جانب مؤلف عربي هو مصطفى عائشة رحمه الله، حيث إننا انفردنا بتجربة وهي المدرسة الليريكية. فقد اشتغلنا على مجموعة من القصائد، قدمنا من خلالها للعالم أجمع سلاسة لغتنا وعمقها وتميزها، غنيتها في تركيا وفي مجموعة من المحافل، وبمجرد انتهائي يسألني الجميع هل هذه هي اللغة العربية، للأسف الإعلام لم يحاول أن يقدم مجموعة من الإضاءات، الاعلام المغربي لم ييهتم بهدا السبق التاريخي الدي اخده على عاتقه الراحل المؤلف مصطفى عائشى الذي بدأ مغامرته مند الستينات . فكان لابد ان ننتظر لتظهر في الساحة العربية محاولات جيدة من خلال مؤلفين عرب وأصوات أوبرالية أمثال هيبة القواسي وريمة الطويل ، الاعلام لم يسلط الضوء بشكل جيد حتى بقي هدا الفن يعاني الغربة والتغريب في الوطن العربي وإن نحن العرب فعلنا هذا فإننا بدون أدنى شك سنوصل اللغة العربية إلى العالمية.
-
مؤخرا منحك عمدة ديجون الفرسية فرونسوا رابسامين الميدالية الذهبية للمدينة، ولقب رجال الشرف. ماذا يعني لك هذا التكريم؟
في الحقيقة أي فنان أو أي مثقف حينما يشتغل فإنه لا يضع نصب عينيه الحصول على جائزة من الجوائز، أو لقبا من الألقاب، او تتويج، ولكن عندما يحصل عليه، فإن ذلك التتويج يعتبر تشريفا وتكليفا في الآن نفسه. فكما تعرف ليست هذه المرة الأولى التي تحصل فيها سميرة القادري على جائزة، ولكن هذه هي المرة السابعة.
هذا اللقب أسميه تشريف للمرأة المغربية ولبلادي ولمدينتي، وتشريف كذلك لكل الناس الذين يختارون الطريق الشاق أو الفن الذي يحكم عليه الآخرون بالفشل، لم أكن في يوم من الأيام مهووسة بالشهرة، ولا أن أكون حاضرة في جميع المحافل، ليس هذا هدفي أكثر من إيصال رسالتي.هذه هي المرة الثانية التي أحصل فيها على وسام في فرنسا، فقد وشحتني الأكاديمية الفرنسية للفنون والآداب والعلوم بباريس سنة 2010 بلقب رجال الشرف (الجائزة الفضية)، ثم في مدينة ديجون مؤخرا.
قضية أخرى أنا لم أحصل على هذا الوسام كفنانة وإنما عن طريق ربط العلاقات، ومد جسور التبادل الثقافي والفني ما بين جهة بورغون وجهة الشمال، وكنت سعيدة جدا لحضور شخصيات مغربية، والجميل في الأمر أنني دشنت مسرحا إلى جانب ثالث شخصية فرنسية هو فرونسوا رابسامين.
أريد أن أوصل رسالة إلى كل مغربي وعربي تبين أن قيمة الفنان والمثقف لا تقل أهمية عن قيمة السياسي، وما يحز في نفسي أن أرى هذه الفئة المتنورة مهملة بشكل كبير، أنا سعيدة جدا بهذا الوسام وهذا ما يزيدني شرفا، ويعزز قيمتي ويحمسني للاشتغال على أفكار أكثر جرأة من السابق.
-
كامرأة ناجحة في حياتها. كيف توفقين بين الحياة الأسرية والفنية ؟
دائما آمنت أن التوازن في الحياة هو الذي يخلق النجاح، ربما السؤال هو كيف تستطيعين الموازنة بين عملك كمديرة دار الثقافة وكمديرة فنية لمجموعة من المهرجانات، كأم لدي طفلين، وكذلك كفنانة. في اعتقادي أن مسألة الإيمان تجعلني أوازن بين هذه المهام وأعطي لكل واحدة منها حقها، فمثلا في حياتي لم أتأخر على ولداي فأنا من كانت تقوم بتدريسهما في البيت، والحمد لله هما الآن متفوقان في دراستهما، وهناك أمر لا أحد يستطيع إنكاره، وهو أن أي امرأة في الدنيا وأي مرآة مغربية إلا وتمتلك العديد من الكفاءات لكن شريطة أن يكون شريك حياتها يؤمن بكفاءتها ويشجعها على إبراز تلك المؤهلات، وأنا جد محظوظة لأن زوجي رجل متفهم ومثقف يؤمن بمؤهلاتي ويقف في صفي دائما.
مهمتي في دار الثقافة أتمت العقدين من الزمن ولا أذكر أنني تأخرت يوما عنها، حتى وأنا في المحافل الدولية أتكلم عن دار الثقافة وعن المغرب بلدي ، فمهمتي لا تقف عند الفن وحسب وإنما تتعداه إلى عملية أخرى تقوم على ربط العلاقات ما بين الجهات والبلديات فأنا من هذا المقام أجسد دور سفيرة في الفن.
-
هل هناك جديد لك على مستوى هذا الفن الأصيل؟
أنا مقبلة على عدة مشاريع من بينها العمل على الجزء الثاني من “حوار المحبة” الذي أعددته رفقة المايسترو ويبير والعازف المتفرد نبيل اقبيب، وهذه المرة ستكون لي عودة أتمنى أن تكون أقوى وهي القيام بحفلة رفقة موسيقيين غربيين بسويسرا، تدور فكرتها حول تأثر الغرب بالشرق والعكس كذلك، مازلت أعمل على ألبوم “من البشرات إلى عرفات” الذي حزت فيه على الجائزة الأولى بأستراليا وهي جائزة المهاجر ولقب سفيرة كذلك، وعندي مشاريع أخرى لن أفصح عليها لأنني أحب أن لا أفصح عليها حتى أقطع الشوط الكبير في إنجازها، وكذلك مشروع الأمازيغية، وهناك حفلات أخرى في مجموعة من الدول الأوربية. وأعمل على مشروع آخر يتمحور حول كتابي الذي لا زلت قيد الاشتغال عليه.
-
كل زوار موقع أكورا متشوقين لكلمات مهداة منك. فماذا تحبين أن تقولي لهم؟
أتمنى للمتتبعين كل التوفيق، كما أشيد بموقع أكورا بريس أولا لاهتمامها بكل جديدي، وثانيا لاختيارها الصائب لأقلام من قبيل سمية العسيلي، واليوم سعيدة بتجادب الحديث معك حمزة. كما أهنىء أكورة على ثقتها في كفاءات الشباب، وأنا مستعدة لإعطائكم وقتي الكافي، كما أتمنى أن تمضوا قدما في هذا السبيل.