الحصيلة السنوية للأمن الوطني: إحصائيات مكافحة الجريمة بكل أنواعها والتهديدات الإرهابية
ارتبطت الصحافة الحزبية في المغرب بمداخل محددة، أولها مدخل الدفاع عن استقلال الوطن، والتعبئة ضد طروحاته، وثانيها، النقاش السياسي حول صيغ الحكم وشكل الدولة ومسألة الديمقراطية، وظلت الصحافة الحزبية المجال الوحيد لإبراز الأحزاب لمواقفها في المحطات المصيرية، التي ارتبطت بالمنع والتعسف والرصاص.
وسيطر على المشهد الإعلامي في مرحلة السبعينات الثمانينات ما سمي بالثنائية الإعلامية، حيث سيطرت الدولة على الإعلام العمومي، وانفردت الأحزاب بالصحافة المكتوبة، إلا أن دخول الصحف “الخاصة” إلى سوق المطبوعات، كسر هذه الثنائية، وفتح آفاق جديدة في “صناعة” الصحافة في المغرب.
واليوم ومع التغييرات الكبيرة التي اخترقت الحقل الإعلامي الوطني ووسط أجواء الانفتاح السياسي وبروز عناوين مكتوبة وإلكترونية اقتطعت نسبة كبيرة من المقروئية التي كانت تستأثر بها الصحافة الحزبية .. بدأت جملة من الأسئلة تفرض نفسها، من قبيل ماذا تبقى للصحافة الحزبية من وظيفة، هل سترفع الصحف الحزبية من منسوب المهنية في أدائها، وخلخلة العقل الحزبي؟
هناك بعض التحليلات “النشاز” التي تلصق مفاهيم كلاسيكية بالصحافة الحزبية، حيث تنطلق في أحكامها على الصحافة الحزبية من منطلق ضيق لا ينظر على التغييرات التي شهدتها سواء على مستوى الشكل أو المضمون، بل منهم من قرأ آخر جريدة حزبية خلال فترة التسعينيات ويقيس أداءها بنفس المقياس، فيحكمون عليها بالصفة الحزبية التي ورثتها عن تجربة سابقة.
فاليوم الصحيفة “الحزبية”، هي في آخر المطاف، مقاولة، تنطلق من عقد-برنامج يربط مجلس إدارتها مع إدارة الحزب، وتشتغل بنفس آليات الإنتاج التي تشتغل به الصحف الخاصة، ولو في حده الأدنى، وفي جميع مراحله، بداية من التحرير ونهاية بالتوزيع.
فحتى ملفات الحصول على الدعم، لا تمنح وزارة الاتصال الدعم على أساس حزبي، بل على مدى توفر المقاولة الصحافية على شروط الحصول على الدعم (تدبير مقاولاتي حديث، حد أدنى من الصحافيين، الالتزام بالتغطية الاجتماعية)، وبالعودة إلى أرقام وزارة الاتصال للعام 2013، فإن أغلب المقاولات التي تصدر صحفا يوميا استفادت من الدعم، ومن هنا يمكن الجزم أن الصحف الحزبية انتقل تدبيرها من داخل مقرات الأحزاب إلى تدبير مقاولاتي عصري، يحترم شروط الإنتاج، ويصارع من أجل رفع المداخيل، وذلك ضمانا للاستمرارية، لأنها تبقى في آخر المطاف مقاولة لها مداخيل ونفقات.
صحيح أن المقاولة الصحافية الحزبية تعيش صعوبات مالية، مرتبطة بارتفاع تكاليف الإنتاج، إلا أن هذا المشكل يشمل حتى المقاولات الخاصة الناشرة لصحف يومية وأسبوعية وكذا دورية.
وحتى المؤسسات الحزبية في المغرب، تستعد على الانتقال إلى ما يسمى بـ”المقاولة السياسية”، أي تحول الأحزاب إلى التدبير المقاولاتي للمؤسسة الحزبية، وهو ما سينعكس بطبيعة الحال على الصحيفة التي لها ارتباط عضوي وتنظيمي مع الحزب.
على العموم، يمكن للصحيفة “الحزبية” أن تستمر في الصدور رغم موت الحزب، وذلك شرط تحولها إلى مؤسسة تمتلك عناصر الإنتاج، وابتكرت نموذجا مقاولاتيا متقدما.
ويبقى مستقبل الصحافة “الحزبية” مرتبطا بمستقبل الصحافة المطبوعة في المغرب والعالم، أي أنها تمتلك القدرة على تطوير أدائها، ورفع التحدي، وذلك عبر تغليب المهني على الحزبي، والانتقال إلى الصحافة كصناعة، عبر إعادة تعريف هوية المنتوج الصحافي، والسعي لتطوير طرق الاستفادة واستثمار وسائط الاتصال الجديدة كمصادر منتجة للأخبار، والإجابة على متطلبات المهنية والتنافسية..وكل ذلك في اتجاه بناء صحافة تفاعلية تعتمد على منطق القرب من المستهلك للمعلومة والمحتوى.
في مقابل ذلك كله، تمنح السموات المفتوحة الأحزاب فضاء آخر لتمرير مواقفها عبر إطلاق باقة من المواقع تكون بعيدة منها تنظيميا وعضويا، وقريبة فكريا، يتوفر فيها منسوب عالي من المهنية والاحترافية في صناعة المحتوى، وتساهم في عملية انتقال المغاربة إلى مجتمع “المعرفة والإعلام”.
وتبقى الصحافة الحزبية سواء المطبوعة أو الإلكترونية مرتبطة بقدرة المقاولة التي تدير الوسيلة على تطوير أدائها المهني والانتقال إلى صناعة الصحافة.
وتأكيدا على ما سبق، فالصحف “الحزبية” مستقبلها رهين بمستقبل الصحافة المطبوعة في العالم ككل وليس فقط المغرب.