طريق النجاح يعبد بالإرادة القوية، وترصف جوانبه بالعزيمة الراسخة، وتدلل عقباته باليقين الثابت هكذا وصل كل الكبار. ضيفنا اليوم فنان كانت بدايته ككل المشاهير؛ حلما انبنى على التأثر و الإعجاب، فتحول هذا الإعجاب إلى محاكاة وتقليد، ثم خطى خطوات جبارة ليتجاوز مرتبة المحاكاة إلى مراقي المغامرات والتجديد في المجال الفني، فاستطاع بعد جهد جهيد، وصبر طويل أن يبني لنفسه منارة شامخة في دنيا الأغنية المغربية جعلت له مكانا في قلوب الجماهير، وصار بحق أحد أعلام هذا الفن.
إنه الفنان الشاب “غاني القباج”، الذي التقته أكورا بريس بمدينة مرتيل فكان لها معه الحوار التالي:
بداية هلا حدثثنا عن مشاركتك الأخيرة في الدورة الأولى لمهرجان العنصرة، يعني ما هي المحزفات التي دفعتك للمشاركة فيه خاصة أنه مازال في بدايته؟
أولا كنت جد سعيد بتواجدي في مدينة مرتيل، كما أشكر الفنانة سميرة القادري والمنظمين الذين اختاروني ووضعوا في ثقتهم ، ولم أكن لأرفض مثل هذا العرض حتى ولو كانت لدي ارتباطات أخرى، فأنا سعيد أن أغني أمام جمهور مرتيل.
فلدي مع هذه المدينة ذكريات جميلة؛ فهي المدينة الأولى التي غنيت فيها بعد عودتي من بلاد المهجر إلى المغرب سنة 2006، فقد استقبلني الجمهور آنذاك بحفاوة كبيرة ظلت راسخة في ذهني إلى حد الساعة.
أصدرت ألبوما جديدا بعنوان “دايزين” وهو يتضمن العديد من الأغاني الشبابية إضافة الى ثلاثة أغاني على شكل ديو ..فغنيت مع الفنانة الأمازيغية “عائشة تاشنويت” والصحراوية “رشيدة طلال”، إضافة إلى الفنان “سعيد موسكير”. إذن ما غايتك من خلال هذا التعدد والتنوع الفني؟
هذا الألبوم كغيره من الألبومات الأخرى اشتغلت فيه بكل عفوية وتلقائية، لأن هدفي من الميدان الفني ليس الربح، بل هدفي أن أشتغل باحتراف وبكل حب وإخلاص كي أتقرب من الجمهور لان أحسن شيء قد أربحه هو حب الناس لي وحبي لهم.
المواطنة وحب بلدي هما اللذان جعلاني أصدر هذا الألبوم الذي تطرقت فيه إلى مواضيع اجتماعية متنوعة.. وبالنسبة لاشتغالي مع فنانين آخرين في هذا الألبوم فذلك نظرا لعلاقة الصداقة والحب التي تجمعنا مع بعضنا البعض. لقد أردت من خلال هذا الألبوم أن أبين للجمهور الصدق الموجود في الأداء.
بحكم انتمائك لثقافتين مغاربيتين “مغربية- جزائرية” هل تحاول من خلال أغانيك مزج هذين البلدين وجعلهما أكثر تفاهما وتلاحما في ظل الأوضاع التي يعرفانها ، أم أن السياسة تبقى بعيدة كل البعد عن عالم الفن؟
أولا لا يمكنني أن أكون بعيدا عن المجال السياسي، لكنني هنا سأتحدث من المنظور الفني باعتباري أنتمي لهذا المجال ..فبالنسبة لي كفنان وكإنسان أحس وأشتغل بشعوري وإحساسي. لذا أحس أنا الفنان لا علاقة له بكل تلك المشاكل القائمة بين البلدين، فمثلا الشاب خالد أو الشاب بلال أو أي مغني جزائري يحيي سهرة في المغرب تكون ناجحة بل ويستقبلونهم بحفاوة كبيرة. نفس الشيء بالنسبة لنا كمغاربة عندما نذهب إلى الجزائر لا نحس أيضا بهذه المشاكل فنستقبل بكل حب وصدق.
نحن كفنانين نمتلك طفولة في تصرفاتنا ومعاملتنا فنحن ليس بيننا أية مشاكل، نستقبل في أية دولة كانت وبحفاوة والعكس أيضا صحيح، فالمغرب هو الأخر يستقبل الفنانين من جميع أنحاء العالم بكل حب واحترام. وأنا كمغاربي عشت في بيئة جعلتني أعرف حقيقة قلوب الناس والمجتمعات وقول بأن الناس القريبين من الله سبحانه وتعالى والذين يعلمون جيدا معنى التوحيد لا يقعون أبدا في مثل تلك المشاكل.
في مجال السياسة دائما، كيف تقيم الوضع السياسي المغربي في ظل الحكومة الجديدة، أقصد حكومة عبد الإله بنكيران؟
أرى أن الإنسان يحاول دائما أن يعطي الأفضل ما عنده وآي حكومة لها طريقتها الخاصة في التعامل كي تصل إلى هدفها المنشود، فأية حكومة لها هدف، وأي هدف يحتاج إلى عمل، وأي عمل يحتاج إلى وقت.. وما ألاحظه الآن هو أن الناس لم يعد لهم ذلك الصبر الكبير وهذا ما يخلق تسرعا لدى البعض مما يؤدي إلى خلق الفتن والاضطرابات، خاصة أن اختلاف الآراء هي التي تؤدي إلى مثل هذه المشاكل الكبيرة كما حصل في مصر مثلا.
والحمد لله كيفما كان الحال فنحن مازلنا نحافظ على هويتنا وثقافتنا، ومازال المغاربة يفهمون أين هي مصلحتهم حتى وإن اختلفوا في الآراء فلن يؤثر ذلك عليهم.
ويمكن أن أقول بأن لكل حكومة سلبياتها وايجابياتها، وأتمنى من الله أن تكون الإيجابيات هي الغالبة كي يسير المغرب دائما نحو الأفضل والأحسن، وأنا في طبعي دائما أحاول أن أرى الأشياء الإيجابية. وأي حكومة لها وقتها الكافي، لكن يجب أن تسير الأمور مع التيار الاقتصادي للمغرب وعدم تجاهل بعض الأمور المهمة للمغرب.
معروف أنك تمزج بين أشكال موسيقية مغاربية وأشكال موسيقية ذات الصبغة العالمية. ماهي الرسالة التي تحملها للعالم بصفة عامة وللمغرب بصفة خاصة من خلال هذا الفن؟
بالنسبة لي وكما أخبرتك فتجربتي الفنية تمزج دائما بين الموسيقى المغربية والمغاربية بصفة عامة فبحثت في تراثنا الفني واقتنعت بضرورة مزجها بالموسيقى الإثينوأمريكية فذهبت في هذا الاتجاه رغم أنه لم يأتي لأنني بحثت عنه، بل أتى بسبب طريقتي الخاصة في الغناء وبسبب كثرة سفري والتقائي بأناس قربوني كثيرا من هذه الموسيقى، ومن بعد وجدت أن هناك أمور كثيرة تقربنا من هذه الموسيقى لأن حتى التاريخ هو الآخر تحدث عن الموسيقى الايثنوامريكية.
من عالم الفن الى عالم التمثيل ينتقل الشاب “غاني” رفقة الفنان سعيد موسكير لتصوير سلسلة حلقات رمضانية عبارة عن مواقف يعرضان فيها بطريقة كوميدية حكايتهما اليومية، إذن كيف فكرت في خوض غمار مثل هذه التجربة ؟
أولا يجب أن أشير على أن هذه الفكرة كانت منذ أكثر من سنة ونصف، فكرنا في هذا العمل نحن الاثنين، هذا العمل يجمع بين صداقتنا وكيف التقينا، وكيف جمعنا الفن، وكيف جعلنا الفن أقرب إلى بعضنا البعض، و كانت هناك الأشياء الطريفة بيننا نحن الاثنين، كنا نريد أن نصور مثل هذه الطفولة في شكل معين لكن لم نجد من يدعم هذا الإنتاج فالتلفزة المغربية تمر بظروف جد صعبة خاصة بعد دفتر التحملات الذي جاء مع الحكومة الجديدة والذي جعل مجموعة من الأعمال الفنية لا تعرض، من بينهم هذا العمل الذي كان من المفروض أن يقدم في الإذاعة الثانية دوزيم.
ومازال لدينا أمل أن نقدمه يوما ما، كي نضع الجمهور أمام الظروف التي يعيش فيها الفنان، هذه الصورة الحقيقية للفنان و كيف يعيش، لأن هذه الصورة أي ما وراء الستار مازال الجمهور لا يعرفه.
ما الذي يمكن أن تقوله لنا عن جائزة الزرياب التي منحت للفنان الجزائري الشاب “خالد” في مهرجان العنصرة الذي أحييت إحدى أمسياته؟ وما الذي يمثله لك هذا الفنان؟
صراحة الشاب “خالد” يستحق تلك الجائزة وغيرها أيضا، فهو بالإضافة إلى أنه فنان عالمي فهو إنسان بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وما دمنا نتحدث عنه فسأحكي لكم الطريقة التي تعرفت بها عليه، كي تعلموا إحساسي اتجاه هذا الفنان العظيم.
التقيت بالشاب خالد سنة 1998 حيث كان سيحيي سهرة فنية، وتم استدعائي انأ ومجموعة من الفنانين للغناء قبل أن يصعد هو إلى الخشبة، فأتيت رفقة والدي -رحمه الله- من فرنسا، وعند وصولي إلى الفندق أتفاجأ بمنعي من الدخول فقد تم الاستغناء عني لكوني مغني غير معروف، صدمت لهذا الخبر لأنه تم إقصائي بطريقة غير لائقة.
ومن حسن الصدف أنه في نفس الفندق كان يشتغل أحد الأشخاص وهو من عائلتي وكان يعرف ملحن الشاب خالد، فأخبره بالأمر وبدوره أخبر الشاب خالد بالقصة، فكان رد فعله أنه لن يغني إلا إذا غنيت معه، وهكذا كان لي الشرف أن أغني أمام ملك الراي الذي تعامل بإنسانية معي ولم يهتم للنجومية والشهرة مثل البعض. لن أنسى موقفه هذا وأنه صعد الخشبة متأخرا لأنه أضاف أغنيتي إلى برنامجه هذا هو خالد بالنسبة لي فهو الذي أعطاني فرصة جيدة للظهور وهو الذي آمن بموهبتي..لذا أكن له كل الحب والاحترام.
دائما في مجال الفن وبما انك احد أعلام الأغنية المعاصرة ماهو تقييمك لواقع الأغنية المغربية وهل من حلول في نظرك لهذا الواقع المزري الذي أصبح يتخبط فيه الفن الآن؟
بكل صراحة فيما يخص الميدان الفني، في السابق لم أكن استطيع الحديث عنه نظرا لعدم معرفتي بالموضوع وعدم عيشي لنفس الوضعية لأنني كنت معظم الوقت أتواجد خارج البلاد، لكن وفي هذه اللحظة يمكن أن أقول أنه مدام هناك إعلام وهناك جمهور فيجب أن نسعى دائما لأن نكون في المستوى وذلك عن طريق بذل المجهود وتقديم عمل يليق بالجمهور.
من المعروف عنك فنان غاني حبك الشديد لرياضة جيسكي هلا حدثتنا عن هذه الهواية؟
أولا أريد أن أشير إلى أن الفنان غاني أو أي فنان آخر هو بالدرجة الأولى وقبل كل شيء إنسان ومواطن ، وأنا كأي مواطن أحببت البحر خاصة أنني أقطن في مدينتي (دار بوعزة) بالقرب من البحر؛ لذا عشقت رياضة البحر، فالجيت سكي أو “سكوتر” هو أسهل ما يمكن أن اقوم به. لكن الرياضة التي كنت أمارسها كثيرا هي رياضة التنس، وأحيانا كنت أمارس الكولف.
كلمة أخيرة وبعيدا عن مجال السياسة والفن، نريد أن نتعرف على غاني كمواطن، كزوج، كأب..؟
أنا إنسان جد عادي، قريب من الناس كثيرا، أحبهم ويحبونني، منذ صغري وأنا متعلق بهم، أحب أن أفعل الخير، وأن يعاملني الناس أيضا بكل الحب ويتمنون لي الخير، يمكن أن أقول بأن الفن هو عملي لذا أحاول دائما إتقانه بالشكل الجيد كي يروق مستوى الجمهور، ومن غير هذا العمل سأظل إنسانا ومواطنا عاديا، قريب لعائلتي وأصدقائي ولجميع الناس الذين يحبونني وأحبهم، وهذا هو التوازن المطلوب.
في الختام لا يسعنا إلا أن نشكر ضيفنا الفنان الكبير غاني على رحابة صدره وحفاوة استقباله، كما نتمنى له المزيد من النجومية والتألق طيلة مشواره الفني، ونأمل أيضا أن نكون قدمنا لمتتبعينا الأوفياء والشغوفين بمتابعة فناننا القدير، بعض المستجدات حول جديده.