ذكرى المسيرة الخضراء: ملحمة خالدة في مسار تحقيق الوحدة الترابية
مرت ثلاثة أيام على شائعات إتمام الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لعلاجه بفرنسا، وعودته الوشيكة للبلاد في غضون ما اصطلح عليه بــ “الساعات القادمة” التي تحوّلت إلى «حمل كاذب»، دحض الإشاعات ورسم مجددا الأسئلة حول صحته وقدرته على إدارة شؤون الدولة، وأكد الاستفهامات حول التعتيم المستمر من أجل إخفاء الحقيقة عن الجزائريين.
لم يعد الرئيس بوتفليقة إلى البلاد ولم يتأكد استكماله للعلاج العضوي في مستشفى «المعطوبين» بفرنسا، بالرغم من الشائعات التي روجتها في الأيام القليلة الماضية بعض الدوائر الإعلامية والسياسية المقربة من الرجل. حيث سبق لمجموعة النهار الإعلامية، المقربة من شقيقه ومستشاره سعيد بوتفليقة، منذ ثلاثة أيام. أن زفت الخبر للجزائريين وقالت: «الرئيس بوتفليقة استكمل العلاج وهو بصدد العودة للبلاد في غضون ما أسمته «الساعات القادمة». وأكدت مصادر رسمية من رئاسة الجمهورية عبر وكالة رويترز نفس الخبر، لكن مرت «الساعات القادمة»، ومرت الأيام ولم يعد بوتفليقة للبلاد. كما دخلت «لوموند» الفرنسية على الخط وذكرت «أن بوتفليقة أنهى علاجه وسيعود إلى بلاده».
ليجد الجزائريون أنفسهم أمام موجة جديدة من الشائعات التي أتعبتهم، إلى درجة أن صاروا لا يصدقون أي شيء حتى ولو كان صادقا. وهو ما يتجلى في تراجع الاهتمام بوضع رئيس الجمهورية عبر وسائل الإعلام، وعبر وسائط التواصل الاجتماعي، حيث صارت مسألة الرئيس في مؤخرة الاهتمامات أمام ضغط الأحداث المحلية والإقليمية، وكذا تأكد نوايا السلطة في معالجة القضية بعيدا عن عيون الرأي العام المحلي، مما حدا بهم إلى غسل أيديهم من القضية وتركها لأصحابها.
لكن رغم ذلك أعاد المآل «الكاذب» للأخبار التي روجها المقربون منه، الأسئلة حول الدائرة التي تسير ملف صحة الرئيس، وتؤكد صدق الروايات التي تحدثت عن دائرة ضيقة جدا يديرها شقيقه ومستشاره تتكفل بملف صحة بوتفليقة، وكأنه ملك لعائلته فقط، وليس رئيس الجزائريين الذي يستوجب اطلاع شعبه عن تطورات وضعه أولا بأول. كما حشر الحكومة في زاوية ضيقة، فبعدما انتقدت الانسياق وراء المصادر الأجنبية لمتابعة ملف بوتفليقة، على حساب الروايات التي تصدرها. وسبق للوزير الأول أن قال: «لسنا مطالبين بإصدار نشرية يومية حول صحة الرئيس»، وأضاف: «لماذا تكذبوننا وتصدقون الآخرين؟». وقال أيضا في أحد تصريحاته: «أنا لست طبيبه». لكن ماذا سيقول الآن بعد طلقات النيران الصديقة وكذب شائعات روجها مقربون من السلطة ذاتها؟. وإذا كان الرئيس قد مضى على غيابه ثلاثة أشهر ونصف، وشهر كامل منذ بث الصور الأولى لبوتفليقة في مركز «المعطوبين» بباريس، وهو يستقبل الوزير الأول وقائد أركان الجيش، ومن يومها لم يظهر أي جديد إلى اليوم، بشأن تطور الوضع الصحي للرئيس ولم تصدر أي نشرة صحية من أطبائه. فإن هامش السلطة حول عدم تأثير غياب الرجل عن الدولة، بدأ يضيق شيئا فشيئا أمام تراكم أجندة الرئيس وتعطل مجلس الوزراء ومشاريع القوانين التي تنتظر الإفراج. وبالتالي الطرح الجدي لتفعيل المادة 88 من الدستور المتعلقة بالفراغ المؤسساتي وتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة.
ويشكل مرور شهر كامل من نشر صور الرئيس، دون صدور أي معطيات جديدة، علامات استفهام حول مدلول الصمت الذي دخلت فيه مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الوزارة الأولى، إذ بعدما كان الخطاب الرسمي يردد منذ الوعكة الصحية للرئيس يوم 27 أفريل الماضي، بأن عودته للوطن ستكون في القريب العاجل، والتي قالها رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح بمعية عبد المالك سلال، لم يتضح بعد مرور قرابة الثلاثة أشهر، أي شيء حول هذه العودة لرئيس الجمهورية.
وفسح هذا الفراغ في الاتصال المحيط بمرض رئيس الجمهورية، المجال لتبادل الإشاعات، إلى درجة جعلت عودة الرئيس للبلاد تمثل «ليلة شك» ثانية بعد ليلة شك هلال رمضان، وفي ذلك نوع من الاستخفاف بطريقة سير مؤسسات الدولة.