مجلة إسبانية: المغرب في طريق ليصبح ‘وادي سيليكون فالي’ المستقبل
بقلم: محمد مراد حنبلي، عضو غرفة الصناعة التقليدية بمراكش
من خلال تجربتي المتواضعة كعضو غرفة الصناعة التقليدية بمراكش، وما راكمته من دروس تارة من موقع التسيير وتارة من موقع المعارضة، ارتأيت من هذه الزاوية
إن فتح باب النقاش حول ملف غرف الصناعة التقليدية بالمغرب، والذي قلما تم فتحه والخوض فيه، يجعل تناوله يأخذ منحى إجرائي أكثر منه تنظيرا. فمنهجية صياغة هذه الورقة تعتمد أساسا على حصيلة تجربة طالت لعقود. ترسم معالم مكامن الخلل والضعف لغرف الصناعة التقليدية، والسعي إلى تجاوزها من خلال برامج عمل وإحداث الآليات الكفيلة لضمان حسن التسيير وتفادي المنزلقات الخطيرة التي عرفتها في العقود الأخيرة.
إن الإشكالية الأساس تعترض تناول ملف الصناعة التقليدية بالمغرب هو تعريف الصانع التقليدي، وتحديد الأسس الموضوعية الواجب اعتمادها في منحه بطاقة الصانع خاصة والسماح له بالتسجيل في اللوائح الانتخابية. فقبيل كل استحقاق انتخابي، يتم الإنزال وتسجيل العشرات والمئات من الأشخاص في اللوائح الانتخابية، في تواطؤ مفضوح من طرف بعض رجال السلطة المحلية، مما يفسد العملية الانتخابية برمتها ويفرز في الأخير كائنات انتخابية لا تمت للقطاع بصلة.
ثم إن اعتماد التمثيل التشريعي والبرلماني للغرف لا يختلف اثنان في كونه مسألة جد إيجابية يتمكن بواسطتها المهنيون من إيصال أصواتهم وآرائهم إلى البرلمان، لكن الممارسة الفعلية انحرفت كليا عن هذا المبتغى، مما أدى إلى جعل البحث عن عضوية الغرفة مطية والطريق السهل للوصول إلى قبة البرلمان نظرا لقلة عدد أعضاء الهيئة الناخبة، والذي ييسر بدوره إفساد العملية الانتخابية برمتها.
في نفس الوقت تتدافع الأحزاب التي تسعى للحصول على أكبر عدد من المقاعد إلى تزكية من له حظوظ للفوز، دون مراعاة إن كان فعلا مهنيا وممارسا فعليا وقريبا من هموم الصناع التقليدين، ودون التأكد من مؤهلاته وكفاءته وخبرته ونجاعته في تقلد تلك المسئولية، وهذا ما أفرز مجموعة من الممثلين البرلمانيين، هاجسهم الأساس هو التواجد بالبرلمان والحصول على المقعد، بدل العمل والبحث، وبذل المجهود الكافي لحل الاشكالات المطروحة، وبذلك شكلوا لوبيا للضغط على مختلف الوزراء، خاصة أن أغلبهم رؤساء لتلك الغرف، وهو ما تجلى بشكل واضح حين مناقشة استراتيجية تنمية قطاع الصناعة التقليدية أو حين صياغة القانون الأساسي الجديد لغرف الصناعة التقليدية. وكان لتكريس تلك الممارسات مع توالي الاستحقاقات الانتخابية انحراف هذه الغرف عن مهامها الأساسية، وهي النقاش الجاد حول هموم ومعاناة الصناع التقليديين، لتتحول إلى حلبة سياسية تتم فيها تصفية حسابات، سواء بين هيئات سياسية أو بين أشخاص تتعارض مصالحهم ومساراتهم.
الموارد المالية
الإشكال العقبة الثانية التي تعترض الخوض في الموارد المالية للغرف الصناعية، فلا يختلف اثنان على اعتبار الموارد المالية للغرف جد ضعيفة، ولا تسمح لها باضطلاع ولو بجزء يسير من اختصاصاتها، والمهام الموكولة إليها. فالعشر الإضافي للرسم المهني، والذي يوزع على كل الغرف المهنية عن طريق الوزارات الوصية يترك الغرف تحت رحمة هذه الأخيرة، حيث تغيب المعايير الموضوعية في توزيع الموارد عليها، لذلك أصبح مطلب البحث عن موارد مالية أخرى، وتخصيصها لتمويل غرف الصناعة التقليدية أمر ملحا ومستعجلا. كما أن البحث عن موارد ذاتية عن طريق شساعة المداخيل يشكل رافدا أساسيا في هذا المجال، ولو أن أغلب الغرف لم تنحو هذا النحو لسيطرة الاعتبارات السياسية والانتخابية على مجمل أعضائها ورؤسائها.
إن هذه الموارد المعروضة تطرح إشكالا أكبر، وهو التأخر الكبير لمناقشة ميزانيات الغرف والمصادقة عليها، والتي غالبا ما تتم في النصف الثاني من السنة، وخير مثال على ذلك هو هذه السنة التي لم تتوصل فيه الغرف بميزانياتها إلا ابتداء من شهر شتنبر. هناك سؤال يفرض نفسه على الجميع بالقوة مفاده: كيف يمكن لرئيس غرفة أن ينتظر حتى الثلاث أشهر الأخيرة لكي يتمكن من تدبير كل النفقات، خاصة تلك المرتبطة بالاستثمار، والتي تتطلب مساطير طويلة ومعقدة. وتحت هذه الضغوطات يقع بعض الرؤساء وبحسن نية في المحظور، وتسجل العديد من الاختلالات والخروقات، لذلك وجب حل هذه المعضلة ابتداء من ميزانية السنة المقبلة.
الاستثمار
أما في ما يتعلق بالاستثمار، فإن الحديث عن ضعف الموارد المالية يوضح بشكل جلي أن الجانب الأكبر من ميزانيات الغرف يصرف في نفقات التسيير، وتبقى اعتمادات الاستثمارات جد هزيلة، لا تسمح للغرف اعتماد سياسة أو مخطط استثماري. لكن ما يؤسف له هو التوجه في السنوات الأخيرة من طرف مسئولي الوزارة الوصية للإجهاز على ما تبقى من تلك المكتسبات الضعيفة أصلا للغرف في ميدان الاستثمار.
إحدى أسس الخوض في مجال الصناعة التقليدية هناك الترويج، حيث ركزت إستراتيجية تنمية قطاع الصناع التقليدية على الترويج كأحد المحاور الرئيسية لإنجاحها، وأعطت لدار الصانع مهمة الترويج والبحث عن الأسواق، لكن للأسف الشديد تبقى النتائج جد هزيلة، على المستويين الوطني والدولي، بعد التراجع المخيف لصادرات القطاع في الوقت الذي تضاعفت فيه ميزانيتها عشر مرات منذ 2006.
على المستوى الوطني تم اعتماد مقاربة جديدة لم تظهر جدواها بتاتا، وهي تكليف دار الصانع بتوزيع الموارد المالية الخاصة بتنظيم المعارض الجهوية، وهذا ما يدفع رؤساء الغرف التزام الصمت، وعدم نقد سياسة دار الصانع طمعا في الحصول على موارد مالية أكبر، وبدورها تغض هذه الأخيرة الطرف عن الاختلالات والتجاوزات، التي تعرفها عملية تنظيم تلك المعارض من طرف الغرف، ومن ثمة أصبح من الضروري مراجعة الدور المنوط بدار الصانع من جهة وطريقة اشتغالها من جهة ثانية.
التكوين
بالرغم من كون الجميع يعرف ما للتكوين بمختلف أنواعه من أهمية بالغة، فإن مردوديته داخل الغرف تبقى دون التطلعات المرجوة. فبالنسبة للتدرج المهني، وبالرغم من كون هذه التجربة فتية، وتستحق التشجيع والتنويه، نظرا للإمكانات المحدودة، التي تشتغل بها الغرف المادية منها والبشرية، لكن هذا لا يمنع بعد عشر سنوات من التجربة، أن نقوم بتقييم خاصة وأن ملايين الدراهم تصرف على الصعيد الوطني لا توازيها نتائج ملموسة، بالإضافة إلى الاختلالات الكثيرة، التي رصدتها لجان الافتحاص في العديد من الغرف، وذلك لضعف التأطير والتجهيز والمتابعة. ولنا في التجربة التي تقوم بها مؤسسة محمد الخامس للتضامن خير مثال بإنشائها مراكز نموذجية في هذا الإطار كما هو الحال بفاس، سلا، ميدلت ومؤخرا بمراكش.
أما التكوين المستمر الذي يمنح الصناع فرصة مواكبة المستجدات وسد الخصاص والاحتكاك بالسوق ومتطلباته، مما يسمح لهم بالتجديد والإبداع والرفع من الإنتاجية والمردودية وبالتالي الحفاظ على التنافسية، فهذا مفقود بشكل كبير نظرا لضعف الاهتمام بالتكوين المستمر، الذي يحتاج لمخطط واضح المعالم، وتنخرط فيه بقوة مختلف غرف الصناعة التقليدية.
في نفس السياق لا يجب أن ننسى الدور، الذي يمكن أن يلعبه التكوين الإداري والقانوني لأعضاء الغرف والموظفين، والذي للأسف الشديد لم يلقى بعد الاهتمام اللازم والكافي. فغياب دورات تكوينية في هذا المجال أثر، ويؤثر بشكل سلبي على أداء هذه المؤسسات، ويجعل دورها باهتا، سواء داخل مجال اختصاصاتها أو كفاعل مؤسساتي بين المؤسسات الأخرى المحلية منها والجهوية.
التتبع والمراقبة
إن من ضمن الإشكالات المطروحة في تسيير الغرف هو ضعف المواكبة والتتبع، حتى لا نتحدث عن المراقبة. فبعيدا عن الجدل الدائر حول صلاحية المفتشية العامة للوزارة من عدمها في مراقبة الغرف، نرى أن من الضروري كوزارة وصية على القطاع أن تلعب أجهزتها دورا أساسيا في تأطير هذه الغرف، وتتبعها ولعب دور استشاريا واستباقيا لتصحيح الاختلالات وتجاوز الخروقات، وتنظيم دورات تكوينية في هذا المجال، بدل انتظار زيارات وتقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للمالية.
في الختام، رسم أفق لهذا القطاع الحيوي والمصيري يتطلب فتح نقاش صريح وشفاف، يبدي فيه الجميع مواقفه وأراءه، والتي ستختلف بكل تأكيد في بعضها مع تمت الإشارة إليه، وحتى لا يبقى هذا الحوار ظرفيا أو موسميا، مما يتطلب بداية خلق قنوات و جسور يكون فيه النقاش مستمرا عبر إحداث فضاء أو موقع إلكتروني أو إصدار دورية يمكن من خلالها لكل المهتمين، أعضاء، أطر، مسئولين أو باحثين عرض تصوراتهم وآرائهم وهذا هو السبيل لخدمة هذا القطاع والرقي به إلى الأمام، ومنح الغرف كمؤسسات دستورية المكانة اللائقة بها عوض الاستمرار في اعتبارها ديكورا يؤثث المشهد السياسي لا غير.