عبد القادر بليرج في إحدى لحظات إحالته على المحكمة بسلا
عقب تفكيك “خلية بليرج” تبين أن زعيمها يلقب بـ”عبد الكريم”، و”أبو ياسر”، و”الشريف”، وأنه مغربي، حاصل على الجنسية البلجيكية سنة 2001، وهو من مواليد 20 غشت 1957، ببني شكر بإقليم الناظور، كان يشتغل “كهربائيا”. وقد حصل عبد القادر بليرج على شهادة مطابقة للباكالوريا ببلجيكا شعبة العلوم التقنية، تخصص “الكهرباء الصناعية”، وقبل ذلك كان أكمل تعليمه الابتدائي بالناظور، ثم أكمل تعليمه الثانوي ببروكسيل، بما أن والده كان مهاجرا هناك. و خلال سنة 1987 تزوج من ابنة عمه “كريمة”، وأنجب منها ثلاثة أبناء، قبل أن يطلقها، ويتزوج سنة 1992 من جزائرية وأنجب منها ثلاثة أبناء أيضا.
“بليرج” لم ينخرط في أي عمل سياسي من داخل الأحزاب، سواء في المغرب أو في الخارج، لكنه أقر خلال الاستماع إليه أنه شارك في عدة أنشطة جمعوية في بروكسيل، وأنه اشتغل خلال سنة 1981 بالنقابة المسيحية، موظفا بالقسم الخاص بالمهاجرين العرب.
ورغم أن عبد القادر بليرج نفى أن يكون تلقى تدريبات عسكرية أو شبه عسكرية، إلا أنه كشف تلقيه لتدريبات نظرية، خلال سنة 1984 بلبنان، انصبت على طريقة استعمال الأسلحة النارية والمتفجرات، موضحا أيضا أنه تدرب في أحد النوادي الخاصة ببروكسيل على الرماية بواسطة السلاح الناري، وذلك خلال سنة 1987. وقد حدد “بليرج” مدخوله الشهري في مبلغ 5000 أورو، إذ كان، إضافة إلى عمله ككهربائي، يزاول التجارة في الملابس والأحذية والتجهيزات المنزلية.
ولم يتردد “بليرج” في الكشف عن ميولاته العقائدية، إذ أكد أنه سافر وتنقل عبر العديد من دول العالم في إطار مشروع جهادي، وكانت سفرياته تتم من خلال جوازي سفره المغربي والبلجيكي.
ومثل أي مغربي مسلم، كشف “بليرج” أنه كان يتردد على مسجد ببني شيكر بدوار “بني بوغمران” لحفظ القرآن، وحين بلغ سنة العاشرة انتقل رفقة العائلة للعيش في بلجيكا، وهناك وابتداءا من سنة 1976، شرع في الاطلاع على بعض الكتب الدينية منها “في ظلال القرآن” لسيد قطب، و”إحياء علوم الدين” للإمام الغزالي”، قبل أن يتعاطى للاستماع لأشرطة بعض الدعاة من قبيل “الشيخ عبد الحميد كشك”، وشيوخ آخرين من ذوي التوجه الشيعي. كما أنه اعتاد حضور ندوات دينية تقام ببعض المساجد في بروكسيل، خاصة مسجدي “الخليل”، و”الموحدين”، حيث يلقي شيوخ من جماعة “الإخوان المسلمين” ومنظمة “الطلائع الإسلامية”، التي كان يتزعما عصام العطار، و”حزب التحرير الإسلامي”، – يلقون- دروسا دينية وفق توجهاتهم.
عبد القادر بليرج كشف أنه انخراط في صفوف “الحركة الإسلامية الثورية المغربية” ذات التوجهات الشيعية، ليؤكد أنه كان تعرف على مؤسس هذه الحركة، خلال سنة 1980، ويتعلق الأمر بخالد الشرقاوي الرباطي، وتعرف عليه عن طريق السفير الإيراني ببروكسيل، شهبور مهذب.
توطدت علاقة عبد القادر بليرج بخالد الشرقاوي الرباطي، وأصبح يحضر بمعيته لندوات وجلسات خاصة بالتأطير تُنظم في منازل بعض أتباع الحركة، منهم جواد التبر وبلكاسم لبيض. وخلال هذه الاجتماعات والجلسات كان خالد الشرقاوي الرباطي يشيد بنموذج الثورة الإيرانية، ويهيب بأتباع تنظيمه بالعمل على تنفيذ مثل هده الثورة بالمغرب.
بليرج سافر إلى إيران رفقة خالد الشرقاوي الرباطي وجواد التبر للمشاركة في الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى للثورة، وأنه أقام هناك رفقة مجموعة من العرب الموالين للثورة الإيرانية، ما يناهز 15 يوما، حضروا خلالها لمجموعة من الندوات والدروس المشيدة بالتوجه الشيعي، قبل أن يقوم بجولات في مدن سياحية، مثل مدينة “قم”، حيث استُقبلوا من طرف المشرفين على “الحوزة العلمية” فيها، وهم: آية الله حسين علي منتظري، وآية الله مرعشي النجفي، وآية الله حسن الشيرازي. كما استُقبلوا من طرف المهدي الهاشمي، المسؤول عن العلاقات مع الحركات التحررية.
حين عاد عبد القادر بليرج من إيران بدأت علاقته تتدهور مع خالد الشرقاوي الرباطي، الذي رفضت إيران مساعدته لعدم وضوحه، واتهم خالد الشرقاوي زميله بليرج بأنه كان وراء إفساد صورته أمام الإيرانيين، وكان أن قررا الابتعاد عن بعضهما البعض. وخلال سنة 1982، تعرف عبد القادر بليرج على شخص يدعى علي البوصغيري، المكنى بـ”الفلاح” و”الوزاني”، وقد تعرف عليه عن طريق جاره في بروكسيل خالد الزكري.
بعد أن توطدت العلاقة بين بليرج والبوصغيري، أخبره هذا الأخير أنه عضو في منظمة معارضة للنظام المغربي، ودعاه لزيارته في فرنسا للقاء أحد المسؤولين الكبار في هذا التنظيم, وبعد مرور أيام، اتصل بليرج بصديقه البوصغيري، ليلتقي به في باريس، وهناك أخذه البوصغيري إلى منزل عبد العزيز النعماني، زعيم حركة المجاهدين بالمغرب، كما تعرف بليرج في نفس المنزل على محمد النوكاوي وأحمد ملوك وعبد الرزاق سوماح الذي تم اعتقاله خلال شهر مارس 2012.
وخلال سنة 1983 أخبره علي البوصغيري أن حركة المجاهدين بالمغرب، ممثلة بعبد العزيز النعماني، عقدت اتفاقا مع أحمد بن بلة، الذي كان معارضا حينها للنظام الجزائري، يتم بموجبه إدخال أسلحة نارية من أوروبا إلى منطقة “الغزاوات” بالجزائر، من طرف أتباع النعماني، على أساس أن يستفيدوا من نصيبهم فيها، علاوة على تسهيل عملية التحاق أتباعها بمعسكرات التدريب بلبنان. و بموجب هذا الاتفاق، وبتمويل من طرف “الحركة من أجل الديمقراطية بالجزائر”، التي كان يتزعمها أحمد بن بلة، سافر عبد القادر بليرج إلى لبنان في صيف سنة 1983، وهناك تلقى دروسا نظرية حول طريقة استعمال الأسلحة النارية، وطريقة تصنيع المتفجرات اعتمادا على مواد “نترات الأمونيوم، والسكر والديازال..”.
خلال سنة 1982، أسر أحمد ملوك لعبد القادر بليرج أن الحركة ترغب في إدخال أسلحة إلى المغرب لتنفيذ عمليات جهادية، وأن الأسلحة المطلوب إدخالها هي بنادق ورشاشات وقنابل ومتفجرات. وأقر بليرج بفشل المحاولة الأولى لإدخال الأسلحة إلى المغرب، حينها فكر في تأسيس خلية جهادية ببروكسيل، ثم انضم إلى حركة “أبو نضال الفلسطيني”، وقد تم تكليفه من طرف هذه الحركة بجمع معلومات حول اليهود وبعض الشخصيات العربية التي يمكن استهدافها لأنها معادية للقضية الفلسطينية. وفي هذا السياق عمد عبد القادر بليرج إلى قتل شاذ جنسي يهودي ببلجيكا، ونفد هده العملية خلال سنة 1989 بغابة في ضواحي بروكسيل. ثم خطط عبد القادر بليرج لقتل يهودي آخر، صاحب محل تجاري خاص ببيع الأعشاب الطبية في بروكسيل. وأقر بليرج أيضا بقتل مدير المركز الإسلامي ببروكسيل، عبد الله الأهدل، ونائبه سالم البحيري، وهو تونسي الجنسية. ودائما في إطار توجيهات منظمة “أبو نضال”، خطط بليرج وخليته لقتل مواطن مصري يعمل بالسفارة السعودية ببروكسيل، وكان يشغل منصب مدير غرفة التجارة بنفس السفارة، وبعد تنفيذ هده العملية، انتقلت خلية بليرج إلى قتل طبيب يهودي، رئيس قسم المناعة الطبية بمستشفى “إرازم” ببروكسيل، وهو رئيس مجلس التنسيق الخاص بالمنظمات اليهودية ببلجيكا.
جرائم بليرج وجرائم خليته في بلجيكا، لم يتم اكتشافها لأنه كان مطلعا على مبادئ عمل الشرطة العلمية والتقنية، بمعنى أنهم لم يكونوا يستعملون نفس السلاح في عملياتهم.
أكورا بريس