العام الثقافي قطر-المغرب 2024: عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية
بقلم: رشيد عنتيد
مناسبة عيد العرش في المغرب مناسبة خاصة للتأمل واستعادة الأحداث واستخلاص العبر..في محيط إقليمي هادر بالأمواج مع دول هلت عليها عواصف “الربيع الديمقراطي” كي تتمنى لنفسها في الأخير دستورا صغيرا تنتزعه بدماء الشهداء من أنياب العسكر المستبد، أو تكتفي بأن يحل زيد مكان عمر أو عمر مكان زيد، وبعدها يحل ائتلاف الثورة نفسه فرحا بالتغيير العظيم…
هي مناسبة كي نعرف قدر حياد السلطة التاريخي الذي مكن المغرب من تجاوز محنة خروج الجراد المنتهز للجفاف يجرب وصايا القابعين في الفيلات ينتظرون تحقق النبوءات..هي مناسبة كي نعرف قدر القرار السياسي العظيم الذي اختار أن يدفع في اتجاه المزيد من الديمقراطية والمزيد من تحديث بنيات الدولة، وكان في الإمكان أن يسلم المغرب لأصحاب الوصفات الأمنية الضيقة ( ولا شك أنهم موجودون)، وكان بالإمكان أن نشاهد من يقابلهم في محترفي الصراخ ينتهزون الوطن مع الجزائر وإسبانيا يديرون من هناك جولات العنف المسلح الظلامي كما يحدث الآن مع محنة سوريا…
لقد سمحت الحكمة الملكية أن يخرج المغامرون و الحاقدون بسلام الى الشوارع لكي يتعرفوا على المغرب و يشاهدوا طريقة اشتعال مؤسساته المركزية، وأن يعرف الأغرار أن ما لقنوا من الحقد في الجحور المظلمة هو فقط الكذب، و يستفيق الكثيرون من الاغتراب السياسي الذي تحدثه الإيديولوجيات في الوعي… و نعرف الآن أن من قام بالتغيير في عمق بنيات الدولة هو الملك والملك فقط، وعلى ذلك يستحق الملك التقدير والشكر لأنه حرص على المصالح العليا للوطن، وقاد سفينة الدولة عندما خارت قوى الجميع و فقد الكثيرون بوصلة القرار…
مناسبة عيد العرش هو مناسبة تفرض نفسها على دولة جوهر نظامها السياسي متأصل تاريخيا بإنجازاته و أخطائه أيضا، نظام مرن كفاية بجعله قابلا للتجدد الدائم بالسرعة التي تتجدد فيها البنية المجتمعية..المجتمع المغربي هو من يصنع ملكيته و ليس العكس، لكن الخرافيون يعتقدون أن شخصا واحدا و عائلة واحدة تتحمل وحدها عبء التاريخ الجماعي..
التمدد الطبيعي لبنية المجتمع يفرض حتما على الدول ( طوعا أو كرها ) أن تطور أدائها السياسي و تتقاسم المسؤوليات من أجل مصلحة الجميع و من أجل راحة الجميع.. عما قريب سنعرف عمليا أن الكفاءة السياسية لها عمر افتراضي يقتضي تجديد النخب حتى يجذب الطموح السياسي الكفاءات النابعة من الديمقراطية الحزبية،الكفاءات المنضبطة الخائفة من القانون و من الإرادة الشعبية الانتخابية.. ويصبح تجدد الماء ضرورة حيوية في بنيات القرار السياسي من داخل الأحزاب و التنظيمات أولا وقبل كل شيء، ليجد الماء العذب الصالح للوطن مجرى له في الحكومات و مؤسسات الدولة.. ويعفي الملكية في الأخير من الخروج عن دورها الطبيعي في الحياد و الرعاية و التحكيم…
من فوائد النظام الملكي أن استمرارية الدولة لا يعتبر لغوا سياسيا و لكنه نداء طبيعي عائلي يدفع الملك الى الإهتمام بحسن مآل الحكم الى ولي عهده، كما حدث مع الحسن الثاني مع المعرضة في تجربة التناوب التي وجدت صداها في طريقة تعامل الدولة مع احتجاجات الشارع و مطالبات المجتمع الجديدة.. في هذه الانعطافة التاريخية الحاسمة من غير المشكوك فيه أن نظام حكم ديمقراطي حاصل على إجماع الوطني حقيقي ومجتمع عادل و متكافيء هو إرادة ملكية أيضا و حتمية تاريخية لا مفر تفرض نفسها على الجميع..
كل المجتمع المغربي معني بالاحتفال بعيد العرش، و عندما يمتعض البعض عن ذلك و في نفس الوقت يقول عن نفسه أنه لا مشكلة له مع الملكية، يصبح ظاهرا نيته الإنقلابية المعشوشة..و من ينادي بالملكية البرلمانية يجب أن يوطد ذلك ليس بالشعارات الذئبية الملتبسة ولكن بالصدق السياسي و الإقتناع الحقيقي أن الملكية كنظام سياسي و مكتسب تاريخي هو قناعة استراتيجية وبراغماتية نهائية و تعاقد مجتمعي ملزم..
لله الوطن الملك: ثلاث كلمات تكتب بالتتابع وبلا فواصل.
30-07-2012