خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله
بقلم: جمال الموساوي
موضوع أمينة الفيلالي، ربما بسبب تعدد الروايات واختلافها ونسخها لبعضها البعض، هو الموضوع الأكثر رواجا في الإعلام من بين العديد من الحالات المشابهة. التشابه ليس في النهاية المأساوية، بل في الواقعة الأساسية التي أدت إلى تلك النهاية، والتي باتت سمة من السمات السلبية الملتصقة بحياتنا اليومية. صراحة، أشعر بالكثير من الغثيان عندما أفتح جرائد الصباح، أو عندما أطلع على بعض المواقع الاخبارية على الانترنت، بسبب كثرة ما ينشر بشأن اغتصاب أطفال وطفلات في بدايات الحياة.
هل يتحول المجتمع المغربي، تدريجيا، إلى مجتمع من الوحوش تمشي على قدمين؟ . قبل بضع سنوات تنامت هذه الظاهرة بشكل مخيف، أو على الأقل بدات تظهر للعيان أكثر، لأن هناك من الأسر من اختارت كسر الصمت، وإثارة ما تعرض لها أبناؤها وبناتها أمام المحاكم فكان إن التقطتها الصحف وأشاعتها وعممتها…
هل كان ذلك خطأ؟ سؤال يبقى مشروعا أمام المنحى التصاعدي الذي أخذته هذه الجرائم. لم يتمكن لا القانون، ولا نشر وقائع المحاكمات والأحكام من ردع هذه الممارسات، وهذا يؤكد فكرة شائعة مفادها أن كثرة تناول موضوع معين مهما مشينا وبشعا ومجَرَّما، يدخله في سياق المعتاد والمألوف، بل ذهب البعض إلى اعتبار ذلك، كما هو الشأن بالنسبة للبرامج التلفزيونية التي تعرض وقائع الجرائم، بحبكة وخبرة الأفلام السينمائية، عاملا من العوامل المحفزة على ارتكاب المزيد من الجرائم، بما في ذلك جرائم القتل والسرقة، وطبعا اغتصاب القاصرين والقاصرات.
قراءة حوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال شيء مؤلم، وأشعر أن الكثير من قراء الجرائد يمرون بسرعة على هذا النوع من الأخبار، منهم من يكتفي بالحولقة، ومنهم يطلب أن يحفظ الله أبناءه وبناته من عبث العابثين، ومنهم من يستفظع الأمر ويزم شفتيه متسائلا عن الاتجاه الذي سيؤول إليه في النهاية. هناك الكثير من الآلام خلف هذه الغابة. الغابة التي اغتصبت فيها أمينة والغابة التي ماتت فيها. غابتَيْ الحقيقة والمجاز. لكن الأكثر إيلاما، في حالتها هو أن القانون ينص على عقوبة اسمها الزواج الذي هو في الواقع الوجه الثاني للاغتصاب الذي حصل، أو لنقل هو “تتمة” له بكل بساطة، ولاعتبار كهذا، ربما على فقهاء القانون إضافة مسكوكة اخرى مفادها أن “القانون لا يحمي المغتصَبين والمغتصَبات”، وبالمقابل، فهو، نوعا ما، يحمي المغتصِبين، خاصة أن مجتمعا مثل الذي نعيش فيه يعتبر “السترة” أقصى ما يتمناه أبٌ لبنته، وبالتالي فقد يجبرها، حتى إذا رفضت، بالزواج من رجل لا تراه إلا وحشا.
لست خبيرا في حيثيات القانون، لكن أعرف أن على جهة ما أن تتدخل لتغييره من أجل حماية المواطنين قاصرين وراشدين، بيد أن هذا لوحده لا يكفي لأن هناك عقلية يجب أن تتغير، عقلية تنتصر للأعراف الاجتماعية على حساب حق المجتمع نفسه في الأمن والطمأنينة والحماية، عقلية تستند في “إيمانها” بهذه الأعراف إلى أحكام شرعية “متوهَّمة”، بينما هناك إجماع في هذا الشأن حول تشديد العقوبة على المغتصب دون أن تتضمن الزواج أو التزويج.
تغيير هذه العقلية يقتضي عملية تنويرية تخرجنا من الظلمات التي نرزح تحت وطأتها، وتساعدنا على الاعتراف بحق كل فرد في ممارسة حقوقه الاساسية والدفاع عنها بالشكل الذي يراه مناسبا، دون يجبره أحد، سواء باسم قانون أحول أو باسم عرف غبي، على اختيار أن يُعاقبَ والحال أنه ضحية !، لكن هذه العملية ليست واردة في انشغالات المجتمع كواحدة من الضرورات الأولية، لأنها ضائعة وسط حشد متلاطم من القضايا التي تشتت انتباهنا، أو لأن كثرة الحديثة عنها جعلتها مبتذلة وشبه ميؤوس منها، لأن عاهات المجتمع تتطور وتتزايد، أو كما يقال “اتسع الخرق على الراقع”.
ومع ذلك، أيا كانت الرواية الصحيحة، فالمؤكد أن موضوع أمينة الفيلالي تحول إلى قضية رأي عام، بسبب التداعيات التي واكبت وتلت وفاتها (عندما زُوَّجتْ قسرا وبالقانون لم تلفت انتباه أحد)، لكن الموضوع أكبر من كل هذا الارتجاج الذي أحدثته في هذا الرأي العام، ذلك أن كل قضايا الاعتداء الجنسي على الأطفال، بالعدد الذي تنشره الصحافة الوطنية، وبالبشاعة التي يكتسيها هذا الجرم، يجب أن تتحول إلى قضايا مجتمعية من الدرجة الأولى، وأن العقوبات ينبغي أن تكون رادعة فعلا، وألا تراعى فيها أي ظروف للتخفيف عندما يكون الدليل قاطعا.
عدا هذا، فنحن نعيش في مجتمع مريض بالفعل، يتعايش مع عاهاته ولا يحاول إصلاحها إلا قليلا.