خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله
اعتبر “طارق الثلاثي”، رئيس المعهد المغربي للدراسات والأبحاث الإستراتيجية، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية أن الجزائر تحاول فتح الحدود مع المغرب نتيجة تخوفها من المآل القبيح الذي قد ينتظرها في ظل الحراك الشعبي الذي يعيشه العالم العربي وتحديدا المنطقة المغاربية بعد سقوط نظامي بن علي والقذافي، ورأى “الثلاثي” في حواره مع أكــورا أن ما يسمى بجبهة البوليساريو تعيش الآن أسوأ فتراتها بعد نهاية القذافي الممول الرئيسي لها وهي الفرصة التي تفرض على المغرب بشكل ملح استغلال مركزه الدولي لتذويب ملف الصحراء من خلال تنزيل مشروع الحكم الذاتي بالمنطقة.
– بداية كيف تقرؤون هذا الانفراج في العلاقات المغربية الجزائرية؟
فيما يرتبط بالمستجدات الأخيرة، من المنظور الشامل يبدو بأن التوعك الذي كان يعيق عملية تفعيل المسطرة المرتبطة بالعلاقات الثنائية المغربية الجزائرية الأكيد فيها هو أن الآن تتحرك وفق إيقاع مفروض مما يعرف بالحراك العربي ولكن من زاوية الرغبة الجزائرية لأن هذه الزاوية تختلف عن الرغبة المغربية، على اعتبار أن المغرب لم يتوقف في أي لحظة عن المطالبة بتحسين العلاقات واليد الممدودة من أجل فتح الحدود وطي صفحة الماضي، وهذه الرغبة المغربية كانت دائما تقابل بنوع من الجفاء والرفض الذي أحيانا يأتي بشكل مباشر عن طريق تصريح لوزير خارجية الجزائر الذي دائما يؤكد أن مسالة الحدود غير مطروحة للنقاش وبالتالي الآن يلاحظ تراجع التعنت الجزائري.
هذا التراجع في قرار الجزائر تفسره مجريات الأحداث التي عرفتها المنطقة منها سقوط النظام الليبي والنظام التونسي ثم التحول المغربي ديمقراطيا وطبعا موريتانيا لا يمكن الحديث عنها لأنها لا تشكل قيمة من حيث ميزان القوة، وبالتالي فان الجزائر تكون في جوهر المنتظر بمعنى أنها لا زال ينتظرها مآلها وبالتالي تخوفها من المآل القبيح جعلها الآن تستبق الحدث وتتجه نحو محاولة الهروب إلى الأمام بمد اليد إلى المغرب.
– معنى هذا أن الجزائر قد تنحني إلى حين مرور العاصفة ثم تعود إلى عملية شد الحبل فيما يتعلق بالصحراء المغربية؟
الذي يخيفني في العملية الآن هو تصريح وزير الخارجية الجزائري في لقائه يوم الجمعة 17 فبراير الجاري مع نظيره المغربي، لأنه عبر بالواضح على أنه لا يجب اعتبار فتح الحدود بمثابة المشكلة الكبرى وأعطى إشارة ضمنية بأنه حتى لو لم تفتح الحدود يجب أن نتجه إلى الأمام وفي ذلك تصريح ضمني بان ليست للجزائر الرغبة استراتيجيا في أن تتراجع مصالحها أمام المصالح الكبرى للمغرب التي رسمها استراتيجيا بالتحول الديمقراطي وهذه النقطة جد مهمة.
أيضا برهن الوزير الجزائري في تصريحه على أن العلاقات الآن تتجه بترك ملف الصحراء لدى المنتظم الأممي ولكنه أكد على نقطة أساسية مرتبطة بأن كل طرف يبقى متشبثا بكل قناعته وفي ذلك إشارة قوية إلى أن الجزائر لن تتراجع عن دعم جبهة البوليساريو وهذا التصريح الضمني يعطينا قناعة قوية بأنه لن يكن هناك أي تطبيع في الاتجاه المؤمن والمرتقب.
– لماذا كل هذا الإصرار بنظركم على فتح الحدود في وقت يرى فيه البعض أن هذه العملية قد تجلب للمغرب مشاكل كبيرة أهمها الإرهاب؟
شيء مهم أن تكون هناك قراءة بهذا الشكل، ولكن يجب النظر إلى أن غلق الحدود أثر على المستوى المعيشي للمواطنين في المغرب كما الجزائر والاتجاه نحو فتح الحدود هو اندماج اقتصادي مما يعني الرفع من مستوى المبادلات التجارية، والرفع من مستوى المبادلات يكون وقعه ايجابيا على البلدين وبالتالي المجهودات على مستوى التنسيق في كل المجالات تتقوى أكثر. عندما نأتي إلى نقطة الإرهاب ستفرض هذه العلاقات التجارية والاقتصادية تنسيقا أمنيا قويا بالمنطقة وكل ما يرتبط بمراقبة الحدود، وأعتقد في حال فتح الحدود كخطوة أولى بين المغرب والجزائر ستليها خطوات على المستويات الاقتصادية والتجارية التي يمكن أن تغذي الاتجاهات الايجابية لحل المشاكل السياسية العالقة بما فيها مشكل الصحراء.
– ألا ترى أن حل ملف الصحراء تتحكم فيه جهات خارجية وهذا يعني أن الضغط على الجزائر في ظل الظروف التي يعيشها العالم هو الذي عجل بتليين الخطاب بين البلدين؟
طبعا من الناحية الإستراتيجية هذا عمق الموضوع، لأنه وفي ظل الحراك الحاصل على مستوى شمال إفريقيا تراهن الولايات المتحدة الأمريكية على المغرب كضابط إيقاع استقرار للمنطقة وراهنت بالتالي على التجربة الديمقراطية في المغرب ولو بوصول الإسلاميين لأن التحولات التي عرفتها الدول الأخرى يمكن أن تؤدي في أي لحظة إلى نوع من التصدعات التي تخلخل الضبط الاستراتيجي الذي تنشده أمريكا في هذه المنطقة، وبالتالي مراهنتها على المغرب يأتي في سياق تمكينه من أدواته التي يمكن أن تفعل هذه التجربة وهي أدوات إستراتيجية تنطلق من حسن الجوار وهذا يتطلب أوتوماتيكيا فتح الحدود بين البلدين ومن تم انتعاشة المبادلات البينية وإلا فالتجربة سيكون مآلها الفشل خصوصا وأن الشريك الأساسي للمغرب وهو الاتحاد الأوربي يعاني معاناة اقتصادية كبيرة ويمكن أن يتراجع المردود المغربي في هذا الباب، إذن أمريكا تحاول المراهنة على السوق الشمال إفريقي في إطار الاندماج المغاربي كمتنفس يمكن أن يحقق نجاحا للتجربة المغربية وفي حال نجحت هذه التجربة ستنجح معها باقي التجارب في الدول المجاورة.
– ماذا عن مستقبل ما يسمى بالبوليساريو في ظل المعارضة الداخلية التي أصبحت ترتفع درجتها وبعد نهاية القذافي الداعم الأكبر للجبهة؟
منذ أن تم توقيع اتفاقية إطلاق النار سنة 1991 بين المغرب وما يسمى بالبوليساريو عمليا ظهر بأنها بداية النهاية، ولكن للأسف الدبلوماسية المغربية لم تستغل التراجع الكبير الذي عاشته الجبهة آنذاك، الآن في ظل الحراك المغاربي وانهيار القذافي الممول الأكبر للجبهة بالإضافة إلى التقارب الحاصل الآن بين المغرب والجزائر كلها مؤشرات محددة تتجه نحو انكماش الجبهة التي تعيش أسوأ فتراتها، وبالتالي دور المغرب الآن وهو يحصل على مقعد غير دائم في مجلس الأمن أن يفعل من أدواته الدبلوماسية بشكل قوي، فإن أحسن موقعه الدولي وأحسن استثمار مشروعه الداخلي فبإمكانه أن ينزل حله السلمي المتمثل في الحكم الذاتي.
أكـورا بريس / حـوار خديجة بـراق