المخرج ربيع الجوهري
قدم يوم الأربعاء 15 فبراير الجاري بالرباط العرض ما قبل الأول للوثائقي “أرضي تعرفني” لمخرجه “ربيع الجوهري”، الفيلم يتحدث عن حياة مصطفى سلمى ولد سيدي مولود ومعاناته منذ الطفولة إلى حين اكتشف زيف أطروحة البوليساريو، وهو إعادة لكتابة فيلم “المنطقة المفقودة” للمخرج الفرنسي “بيير إيف فاندويرد” الذي قدم صورة مشوهة عن حقيقة النزاع المفتعل حول الصحراء. عرف المخرج الشاب بأعماله الواقعية التي نالت استحسان الكثيرين وحققت نجاحات كبيرة على مستوى المغرب وخارجه بالرغم من الإقصاء الذي يطاله من دعم المركز السينمائي المغربي. في حواره مع “أكورا” يصور لنا الجوهري فيلمه الوثائقي الأخير بواقعية المخرج / المواطن.
– حدثنا عن فكرة هذا الفيلم؟
وثائقي “أرضي تعرفني !!!” جاء ليسائل فيلم “المنطقة المفقودة” وبقية الإعلام الإسباني المتحيز والذي أسقط الإعلاميين الإسبانيين في فضائح إعلامية كشفت انعدام المهنية لديهم، القصة المحورية لإعادة كتابة ذاك الفيلم هي قصة المناضل “مصطفى سلمى ولد سيدي مولود” حيث قدم الفيلم قصة حياته منذ اختطافه طفلا سنة 1979 من مدينة السمارة من طرف ما يسمى بالبوليساريو والعسكر الجزائري بمساعدة من القذافي مرورا بعملية غسل دماغه ومحاولات تأطيره ضد المملكة المغربية إلى أن زار والده مؤخرا واكتشف زيف أطروحة الجزائر حيث بدأت رحلة بحثه عن الحقيقة والهوية والتي وجدها لصيقة بتاريخ المغرب وأعلامه وليس كما أفهمته الجزائر على أن لا علاقة له بالمغرب… لقد صحح له والده الشيخ ما درس في مخيمات البوليساريو وعرض عليه أدلة تاريخية تثبت أن قبيلتهم ألا وهي قبيلة الركيبات البيهات و التي تشكل 52 % من مجموع القبائل الصحراوية يعود أصلها إلى المولى “عبد السلام بن مشيش” والذي عاش ومات بين مدينتي العرائش وتطوان، والمولى عبد السلام بن مشيش هو بدوره حفيد المولى ادريس الأكبر مؤسس أول دولة إسلامية بالمغرب، إذن عكس ما جاء به فيلم “المنطقة المفقودة” الذي يصور أن هناك أرض مفقودة وأناس يتطلعون من وراء الحزام الأمني لإسترجاع هذه الأرض، ففي فيلمي يصحح هذه النظرة الإستعمارية المتعالية، ويعيد كتابة العنوان، إذ الأرض تعرف مصطفى سلمى وتعرف أصحابها بشهادة التاريخ والانتماء، فكان العنوان الجديد ” أرضي تعرفني !!!”…
– من شاهد الفيلمين، وجد أنك عكست الفيلم الفرنسي شكلا و مضمونا هل هذا صحيح؟
نعم، فعرض إيف فاندويرد الحزام الأمني الذي أنشأه المغرب على أنه جدار حال بين الصحراويين وأرضهم المفقودة، دفعني في فيلمي أن أشير غير ما مرة إلى جرائم ما يسمى بالبوليساريو والجزائر بتواطؤ إعلامي إسباني، و خصوصا جرائم الاختطافات، لأقول للمشاهدين أن الحزام جاء ليوقف هذه الجرائم التي كانت تمارس بكثافة أيام السبعينات والثمانينات، ثم أعدت كتابة فيلم إيف فاندويرد عندما أعطيت صوتا وصورة للمناضل “مصطفى سلمى ولد سيدي مولود” ليكشف مباشرة للمشاهد العديد من المواضيع الحساسة التي يتجنبها الإعلام الإسباني والأوروبي كمسألة تجنيد الأطفال وخروقات حقوق الإنسان و تورط جزائر بومدين وليبيا القذافي في التجاوزات الخطيرة لحقوق الإنسان بالمنطقة، وكذلك أشرت عبر مصطفى إلى قضية حرية التعبير داخل المخيمات، وقد عبر مصطفى نفسه عن هذا عندما ساند مقترح الحكم الذاتي فلم يلق من طرف الجزائر وما يسمى بالبوليساريو إلا الاختطاف والتعذيب ثم الإبعاد وتفرقته عن أبنائه وأسرته وتنكر مفوضية غوث اللاجئين له، فإذا كان فيلم “المنطقة المفقودة” فصل الصوت عن الصورة وأفقد الصورة صوتها كما أفقد للأرض هويتها عن طريق سماع شهادات من طرف أناس لم نعرف أسماءهم ثم لم نرهم مباشرة يتكلمون وهذا شكل حاجزا مزدوجا بين المشاهد وقضية الصحراء، وكل ذلك بتبرير المقاربة الإبداعية التي يتحدث عنها المخرج في الإعلام الأوروبي، لكن هذه المقاربة لم تكن متينة ومبنية على حرفية عالية وفكر عميق مما أسقط المخرج الفرنسي في وضع حواجز ومسافات بين المشاهد والقضية، ولهذا أعطيت مصطفى سلمى صوتا وصورة لربطه مباشرة مع المشاهد ولتكسير كل حواجز الفيلم الفرنسي، معتمدا في تصوير مصطفى سلمى فقط على الهاتف النقال لأنه كان من الصعب دخول موريتانيا بآليات التصوير، وأنا لم أحصل على رخصة المركز السينمائي المغربي الذي عمد إعطائي الرخصة بعد فك مصطفى سلمى اعتصامه، فلم يكن ممكنا انتظار الرخصة، فالتصوير بالهاتف النقال أعطى مصداقية وواقعية قلبت كل الإدعاءات المغرضة لفيلم “المنطقة المفقودة” والذي صور بآليات سينمائية حرفية لم تزد الفيلم شيئا سوى إسقاطه في الرتابة والملل والدوران حول اللاشيء والخواء مما أفرغ الفيلم من أي حمولة قوية، بمعنى كل الخواء والسكون والصمت الذي طبع الفيلم الفرنسي لم يكن إيجابيا بقدر ما عكس خواء وسكون وصمت الفكرة وراء ذلك الفيلم. أما “أرضي تعرفني” فمعظم لقطاته صورت بالهاتف النقال ولقطات أخرى حملتها من اليوتوب للقرب أكثر من الواقعية، واللقطات المتبقية صورتها بكاميرا 3CCD صغيرة وبدون إنارة في معظم الأحيان، بل وبدون آليات الصوت في أحيان أخرى لمحدودية الميزانية ولعدم حصولنا على أي دعم من المركز السينمائي المغربي الذي رفض مرة أخرى فيلمي “انتهت اللعبة” حول حياة مصطفى سلمى، لكن كما قلت، كل ذلك أعطى مصداقية وواقعية. ثم يعتبر فيلم “أرضي تعرفني” إعادة لكتابة الفيلم الفرنسي “المنطقة المفقودة” عندما حاور كل الاتجاهات المتباينة، فقد عرض قصة المناضل “مصطفى سلمى” كما عرض رأي البوليساريو ورأي الصحافة الإسبانية التي لعبت دورا مهما في هذا الصراع المفتعل، فكان أول فيلم يقدم للمشاهد مباشرة كل هذه الآراء المتباينة بل يكشف تورط الإعلام الإسباني بطريقة لا تترك أي مجال للجدال وخصوصا عندما يعتذر في فيلمي “اكناسيو سمبيريرو” الصحافي المنحاز لما يسمى بالبوليساريو على ما ارتكبته صحيفته من كذب وتشويه لصورة المغرب وهذا ما أعطى قوة لإعادة الكتابة التي أتحدث عنها، وهناك طبعا العديد من النقط التي قمت بتصحيحها وأهمها هو القفز خلف الجدار الذي صوره “إيف فاندويرد” على أنه الجدار الذي أفقد الصحراويين أرضهم، فاختار المخرج الفرنسي أن يصور فقط من داخل المخيمات دون أن يكشف ما بعد الحواجز وذلك ليترك الغموض، فالشيء الذي لا نراه دائما يصبح لنا غامضا ونشك فيه ونخافه بل ونقبل كل الأسطورات التي تقال عنه كأسطورة فيلم “المنطقة المفقودة” التي تحكي أن خلف تلك الجدار يوجد القمع والضرب والاعتقال والتعذيب وكل الأشياء المرعبة، في المقابل، صور فيلمي “أرضي تعرفني” مدينة السمارة والرباط والدار البيضاء، و ضريح المولى عبد السلام بن مشيش، منطقة تطوان وهي كلها مناطق مدنية هادئة لا تعرف التوتر المزعوم.
– هل مقبول مهنيا أن تعتمد في تصوير بعض المشاهد بعفوية وعن طريق الهاتف النقال؟
المشاهد التي صورت بالهاتف النقال هي مشاهد حساسة لم يكن من الممكن تصويرها بكاميرا محترفة، مثلا المشهد الذي يصور والد مصطفى سلمى بمطار الجزائر لم يكن من الممكن استعمال أي آليات مهنية، خصوصا وأن السلطات الجزائرية تعاملت بفظاظة مع والد مصطفى و أخيه محمد الشيخ، فكيف يمكن تصوير معاناتهما داخل المطار إذن؟ فنظرا لأهمية هذا المشهد فقد استعملت صور الهاتف النقال، أما ما قمت بتصويره في موريتانيا، فكذلك لم يكن ممكنا بآليات مهنية، لأن المركز السينمائي المغربي تماطل كثيرا وبدون مبررات مهنية في أمر منحنا رخصة للتصوير، ولم يكن من الممكن الانتظار أكثر نظرا لكثرة المستجدات المتعلقة باعتصام مصطفى والحمد لله أننا لم ننتظر رخصة المركز السينمائي لأننا لو انتظرناها لما صورت مصطفى في العراء معتصما أمام باب مفوضية اللاجئين بموريتانيا، وهذا انعكس على حالة دخولي الأراضي الموريتانية إذ دخلتها كسائح وليس كمخرج سينمائي، والسائح لا يحق له استعمال آليات مهنية يصور بها في شارع عمومي لدولة أخرى لكن بالهاتف يمكن ذلك قانونيا، ويبقى المهم هو توثيق شهادات مصطفى التي كانت لها مصداقية وواقعية لا يمكنهما أن تعوضا بصور عالية الجودة وبآليات سينمائية جيدة. إذن، هو اختيار مقبول مهنيا لأنني أصور أحداثا واقعية متعلقة بنزاع مفتعل وأدلتي المصورة تستمد قوتها من عفويتها وليس من جودة الصورة. لقد حرص مخرج “المنطقة المفقودة” على الجودة إذ استعمل آليات مهنية وبميزانية ودعم مالي كبير، لكن كل ذلك أبعد المتلقي عن الحقيقة، وعوض ربط جسر للتواصل معه قتل المخرج فيلمه بالحواجز التي وضعها بين الأحداث والشخصيات من جهة، وبين كل الوحدات الفيلمية والمتلقي من جهة أخرى مما أسقطه في ازدواجيات لحواجز متداخلة شكلت متاهة مرئية، تماما كما عبر عن ذلك المفكر الفرنسي جون بودغياغ الذي يرى أن الصورة أصبحت تساهم في اختفاء الحقيقة بدلا من إظهارها.
– هذا يعني تأثرك بالمخرج الأمريكي مايكل مور الذي استعمل صورا من اليوتوب و الهاتف في فيلمه “فارنهايت”؟
مايكل مور كان واعيا بقوة الصورة العفوية والتي أقنعت لجن مهرجانات كبيرة توجوا أعماله، غير أنني لم أكن أقصد السير على منواله ولم يكن تأثرا به، بل أعطي لكل تيمة ما يميزها، فعندما أخرجت فيلم “صهيل البواريد” لقناة الجزيرة كانت الصورة احترافية وجمالية، لأنني ببساطة أحكي تراثا وطنيا به إبداع و تاريخ و ألوان جميلة عكستها بالصورة التي بدورها عليها أن تترجم ذلك الجمال فلم يكن لدي الحق في استعمال كاميرا مهتزة و لا هاتف نقال، بل كانت تصور كل المشاهد في هدوء تام فلا وجود ما يبرر في ذلك الفيلم اختياري الفني في فيلمي الجديد “أرضي تعرفني”.
أكـورا بريس / خديجة بـراق