مجلس الأمن: بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي
بقلم: نوراليقين بنسليمان
منذ أزيد من ثلاث سنوات، حذرت الرسالة الملكية التاريخية حول الرياضة في المغرب من الاكتفاء بمجرد وضع تشخيص لحال الرياضة في المملكة المغربية، ومن الإطناب في التعبير الخطابي عن الإصلاح النظري الذي يفضي، لا محالة، إلى الوقوع في مغبة الدوران في الحلقة المفرغة و العبثية، لتغيير التغيير وإصلاح الإصلاح. فبدل أن ينكب المسؤولون على الشأن الرياضي على وضع الاستراتيجية المطلوبة وتوفير وسائل الإقلاع، ها هي النتائج تؤكد أن دار لقمان ما زالت على حالها، والوجوه والأسماء التي نصبت نفسها وصية على الشأن الرياضي، منذ سنوات، بل ومنذ عقود، ما زالت متشبثة بمناصبها وغير مبالية بما آلت إليه وضعية مختلف الرياضات في المغرب. فأرباب الشركات والمجموعات الإعلامية وموظفون سامون هم من يتولون بإصرار تسيير الشأن الرياضي، وكالعادة دون حسيب ولا رقيب، بل غير مكثرتين لا بتوجهات الملك ولا بإرادة الشعب ولا بروح الدستور الجديد.
المناظرة الوطنية الثانية حول الرياضة، نظمت في أكتوبر 2008 بالصخيرات، وقبلها نظمت مناظرات وندوات حول نفس الموضوع. وفي ضوء الرسالة الملكية اعتقد المغاربة أن المسؤولين على الشأن الرياضي سيستغفرون الله وسيستسلمون لتطلعات الجماهير، وأنهم سيختارون إما بين الرحيل أو تحمل المسؤولية على أرضية برامج ودفتر تحملات وفي ظل المحاسبة. مع الأسف، إن هؤلاء، وبعد مرور قرابة أربع سنوات على المناظرة وعلى الرسالة الملكية، ظلوا أوفياء لعادتهم، وواصلوا نهج سياساتهم التي لم تؤد سوى إلى الإفلاس وتكريس عقليات سوء التسيير التبدير والتصرف بعشوائية في أموال الشعب.
جاء في الرسالة الملكية:
“..ومن التجليات الصارخة لاختلالات المشهد الرياضي، ما تتخبط فيه الرياضة من ارتجال وتدهور واتخاذها مطية، من لدن بعض المتطفلين عليها، للارتزاق أو لأغراض شخصية، إلا من رحم ربي من المسيرين الذين يشهد لهم تاريخ الرياضة ببلادنا بتضحيتهم بالغالي والنفيس من أجلها، جاعلين الفرق والأندية التي يشرفون عليها بمثابة أسرتهم الكبيرة ولاعبيها في منزلة أبنائهم”.
هذه المظاهر السيئة ما زالت موجودة، والمتمنيات الجميلة غائبة، ويمكن لأي متتبع عادي أن يستخلص بأن سبب النتائج اللصيقة بمنتخباتنا، والمشاكل التي تتخبط فيها الفرق ،و أوضاع الرياضيين، كل هذا يعود إلى الارتجال واستمرار تهميش الكفاءات الحقيقية، ومواصلة زحف المتطفلين وهيمنتهم على المشهد الرياضي، من أجل الارتزاق أو التهافت من لتحيقي أغراض شخصية ومصالح ضيقة.
دعت الرسالة الملكية أيضا على ما يلي:
“..كما أن الممارسة الرياضية أصبحت في عصرنا، حقا من الحقوق الأساسية للإنسان. وهذا ما يتطلب توسيع نطاق ممارستها، لتشمل كافة شرائح المجتمع، ذكورا وإناثا على حد سواء، وتمتد لتشمل المناطق المحرومة والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. وبذلك تشكل الرياضة رافعة قوية للتنمية البشرية وللاندماج والتلاحم الاجتماعي ومحاربة الإقصاء والحرمان والتهميش”.
عموما،هذا النداء الملكي، وتلك الحاجة الجماهيرية لتوفير التجهيزات الضرورية لممارسة الرياضة،ما زالت بعيدة المنال …وحتى ما سمي بملاعب القرب وفضاءات الترفيه المنجزة في بعض المناطق الحضرية، ما زالت محدودة و غير كافية، أولا، وبدأت تتعرض لفوضى الاستغلال و للتلف و الإهمال ،ثانيا،بسبب سوء تسييرها و عدم ضمان شروط صيانتها الدائمة و المنتظمة،أما واقع الرياضة في المناطق القروية فحدث و لا حرج .
و شددت الرسالة الملكية من جهة أخرى على ما يلي :
” ..إن الوضع المقلق لرياضتنا الوطنية، على علاته الكثيرة، يمكن تلخيصه في إشكالات رئيسية، وهي بإيجاز: إعادة النظر في نظام الحكامة المعمول به في تسيير الجامعات والأندية، وملاءمة الإطار القانوني مع التطورات التي يعرفها هذا القطاع، وكذا مسألة التكوين والتأطير، ومعضلة التمويل، علاوة على توفير البنيات التحتية الرياضية، مما يقتضي وضع استراتيجية وطنية متعددة الأبعاد للنهوض بهذا القطاع الحيوي”.
هنا طرحت الرسالة الملكية بدقة ثلاث دعائم أساسية للنهوض بالرياضات في المغرب.المحور الأول يتعلق بالحكامة،أي دمقرطة تسيير الفرق والجامعات. المحور الثاني، يهم التكوين في مختلف المجالات المرتبطة بالرياضة،و التكوين وإعادة التكوين هنا ،و في المرحلة الراهنة، ينبغي أن يستهدف الرياضيين الممارسين و المسيرين و مختلف الأطر.أما المحور الثالث الذي ركزت علية الرسالة الملكية فيتجلى في تكريس مناخ و ميكانيزمات الاقتصاد الرياضي الذي سيسمح بالبحث عن مصادر التمويل و تعددها، و خلق ظروف التنافسية و الشفافية، وتحويل الأندية و الجامعات لمؤسسات رياضية تساهم في عمليات الإقلاع الرياضي .هذه التوجيهات لم تقع،و لن تقع بسهولة ما دامت الرياضة خاضعة لحسابات و رغبات أخرى،تخضع لمنطق من يتولون زمام أمورها و تسييرها بطرق بدائية و انفرادية.
هذا عين ما لاحظته بوضوح الرسالة الملكية،التي جاء فيها في هذا المضمار ما يلي :
” .. والأدهى والأمر، أن تحديد المسؤوليات غالبا ما لا يتم بشكل واضح، في حين لا تتوفر عناصر الشفافية والنجاعة والديمقراطية في تسيير الجامعات والأندية، ناهيك عن حالة الجمود التي تتسم بها بعض التنظيمات الرياضية وضعف أو انعدام نسبة التجديد الذي تخضع له هيآتها التسييرية، وغالبا ما ينحصر الخلاف، حول التعاقب، في اعتبارات أو صراعات شخصية أو فئوية ضيقة..”.
هذه المؤاخذات التي دعت الرسالة الملكية لتفاديها و القطع معها،ما زالت قائمة،بل حتى الذين يزعمون الحداثة في التسيير و اعتماد تقنيات تكنولوجيا التواصل،لا ينهجون في الواقع سوى فنيات التحايل على قواعد الديمقراطية و التحديث لتكريس وجودهم على رأس أندية و جامعات و لجنة أولمبية و غيرها من الهياكل…فقط أصحاب الجاه و النافذون و رجال الأعمال و الموظفون السامون هم من يتهافتون على المناصب و يستثمرون إمكانياتهم و قرابتهم لاحتلال مناصب هم غير أهل بها ،و ظروفهم و التزاماتهم الشخصية و المهنية لا تسمح أصلا بتحمل مسؤوليات إضافية. هنا ،تمعنوا حالات و أسماء مثل علي الفاسي الفهري و عبدالسلام أحيزون و كمال لحلو،و غيرهم..كيف جاء هؤلاء لمجال التسيير؟كيف تم انتخابهم؟ هل لديهم مؤهلات تسيير الشأن الرياضي؟ثم هل يتوفرون على الوقت الكافي لممارسة مسؤوليتهم وفق ما تفرضه جودة الأداء و أجندة زمن الاحتراف؟.هذه الشروط غير متوفرة ،و الحالة هذه،سيظل المغرب يجتر نفس التجارب الفاشلة ، وفي ظل الأوضاع الحالية، سيبقى عاجزا عن تجاوز الأزمة ،ووضع نظام عصري فعال لتنظيم القطاع الرياضي، وتأهيل الهياكل و المؤسسات الرياضية لولوج الاحترافية و تكريس دمقرطة التسيير و شفافية التدبير.
لقد اهتمت الرسالة الملكية بموضوعين أساسيين،لهما أهميتهما في تطوير الممارسة الرياضية و تخليق الشأن الرياضي،و اكتشاف المواهب. الموضوع الأول يتعلق بالرياضة المدرسية و الجامعية، و الموضوع الثاني بدور الإعلام. بخصوص الموضوع الأول ،لاحظت الرسالة و دعت إلى ما يلي:
“..أمام الإهمال الذي أصبحت تعانيه، فإنه أصبح من الملح جدا، الانكباب على وضعية الرياضة المدرسية والجامعية بغية توسيع قاعدة الولوج إليها وتحسين تجهيزاتها التحتية وشروط ممارستها، في إطار شراكة نموذجية بين الفرق التأطيرية، داخل المؤسسات التربوية والهيآت الرياضية”.
و في موضوع الإعلام جاء في الرسالة ما يلي:
“.. ولا يفوتنا في هذا المقام، التأكيد على دور الإعلام الرياضي في النهوض بهذا القطاع، باعتباره شريكا لا مندوحة عنه في نهضته المنشودة. فبفضل التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال، صارت الرياضة تحظى بمتابعة واسعة تضعها تحت المجهر، لذلك، ندعو الإعلام الرياضي إلى التعاطي مع الشأن الرياضي بكل مسؤولية وحرية وبموضوعية واحترافية، وكل ذلك في التزام بأخلاقيات الرياضة والمهنة الإعلامية، بحيث ينتصر هذا الإعلام الوطني دوما للنهوض بالرياضة والمثل السامية التي تقوم عليها”.
في مجال الرياضة المدرسية و الجامعية، لنا أن نتساءل عما تحقق لحد الآن؟. نعم لقد رصدت الدولة ميزانيات مهمة،لكن هل تم توظيفها للرقي بهذه الرياضة؟و هل استفاد التلاميذ و الطلبة،هل جرى تحفيزهم ؟ و هل الأنشطة المحدودة خلفت الأصداء الايجابية المتوخاة و جشعت على المتابعة؟و هل توفرت الملاعب على التجهيزات الضرورية؟ و هل فتح المجال أمام التلاميذ و الطلبة و الأساتذة للمشاركة و المواكبة و معاينة ما يصرف على الأنشطة؟ . الجواب ،و لنقل الحصيلة في هذا الإطار، هزيلة، و يكفي القول أن تلميذا أو طالبا لم يتحمس للانخراط في الرياضة المدرسية و الجامعية و لن يثق في إدارة ما دام لم يلمس التجديد و حس المعقول ،و مادام لا يلاحظ أبسط الأشياء ،سيما لما يرى أن زملائه لا يجدون أين يحفظون ملابسهم بأمان و أين يستحمون بعد الانتهاء من حصص التدريب .
بالنسبة للركن المتعلق بالإعلام الرياضي، لن أقول الكثير في شأنه. عموما ،إنه نتاج مؤسسات إعلامية يسود فيها الاستبداد و تعشش فيها الزبونية والفساد،و طبيعي أن تنتج هكذا “مؤسسات إعلامية” من يساهم في ذبح الديمقراطية و الدوس على قواعد و أخلاقيات المهنة، و تبييض رموز الفساد و تقديمهم كمصلحين.
اليوم، بعد مهزلة المنتخب الوطني، حان للدولة أن تتدخل، ليس للدعم و التوجيه، بل لفرض شروط الممارسة ديمقراطيا على قاعدة روح الدستور الجديد.و بلغة الرسالة الملكية :”إذا كان من الصعب سد كل الثغرات التي يعاني منها، مع كامل الأسف، قطاع الرياضة ببلادنا أمام تعدد الأسبقيات، فإن التصدي لبعض المشاكل يتطلب الحزم في التعامل معها، خاصة وأنها أصبحت تكتسي طابعا استعجاليا”.
فهل ستفلح حكومة بنكيران في ذلك و رفع وصاية الأوصياء،أم ستكرر ،بصيغة أخرى ما سبق ،و تعجز بالتالي على مواجهة لوبيات الفساد في الرياضة؟