بقلم عبد الحميد جماهري: يومية الاتحاد الاشتراكي
كتبت الزميلة “أخباراليوم”، على صدر صفحتها الأولى في بداية الأسبوع الجاري، ما يلي: “يبدو الأمر، لأول وهلة، أشبه بمزحة طريفة، لكن بعض الاتحاديين والاتحاديات يأخذونه مأخذ الجد ويعملون بناء على نتائجها، الأمر يتعلق بسيناريو المفاجأة الانتخابية لا يتوقعها أحد، تتمثل في تصدر حزب الاتحاد الاشتراكي لنتائج الانتخابات كحل يرضي الجميع، وخاصة الجهات الخائفة من الفزاعة الإسلامية وإخوان بنكيران ومن الانعكاسات المحتملة لصعود تكتل “جي 8″ على التحرك الشعبي في الشارع…”
ويبدو للقاريء المغربي، كما لو أن انتصار الاتحاد الاشتراكي مسألة حظ، أو ما يشبه الحظ، أو فرصة طارئة غير واردة في احتمالات السياسة المغربية.
طبعا زميلتنا “أخبار اليوم” كتبت ذلك من باب التوقع الإيجابي الممكن لحزب المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي وعمر بنجلون.
طبعا زملاؤنا في اليومية المحترمة يريدون لنا أحلاما وردية، كما يريدون للمغرب وردا اتحاديا ..
وهم، ولا شك، تحدوهم نية طيبة، قد لا تبدو فقط، تنبيه: انتصار الاتحاد الاشتراكي، كما هو مكتوب ليس مسألة معجزة أو خطأ في هندسة السياسة، ذلك أن الاتحاد حزب عريق، لم «يقطر به السقف».
فأن ينتصر من الممكن وغير مفاجيء. أما المفاجأة هي أن يفوز حزب لم تمر على مساره السياسي ردح من الزمن، ومازال في فمه رضاعة الجهاز.
الاتحاد هو أولا تاريخ من الشهداء، جيل طويل من المنافي والاغتيالات والمجازر والتشريد والقتل.
لقد جربوا فيه القتل بالرصاص، والقتل بالمشانق والقتل بالأحكام، جربوا فيه السجون والمنافي والتشريد، جربوا فيه الطرود الملغومة والأحلام الشديدة، جربوا فيه السكاكين والتورنوفيس والرصاص الحي.
جربوا فيه المطاردة والاغتيالات، في شوارع البلاد، وفي شوارع الدنيا كلها، جربوا فيه النميمة والإشاعات والحروب الصغيرة والأخبار المشبوهة.
جربوا فيه الدس والتحريف وتزوير الانتخابات وصناعة الأحزاب على رأس كل انتخابات.. جربوا فيه الطرد والتجويع والتشريد والتنكيل بالعائلات.. جربوا فيه المعتقلات السرية والعلنية. جربوا فيه الكل، اللهم اليورانيوم المخصب.
لذلك إذا كانت هناك من معجرة فهي بقاؤه على قيد الحياة، وعلى قيد السياسة.
وإذا كانت هناك من معجزة، فهي بقاؤه في طليعة الأحزاب التي لا تخرج من المعادلة بقرار أو تدخلها بقرار. في كل مرة كانوا يأتون بمبرر لمحاربة الاتحاد.
مرة قالوا إن مغرب المسيرة الخضراء لابد له من حزب المسيرة الخضراء.
مرة قالوا إن الماضي لا يصلح. لهذا لابد من حاضر يخرج من صلب حزب جديد..
ومرة قالوا إن الدستور يحتاج إلى جبهة لتدافع عنه، وكان من ورائها تطويق الاتحاد ودفعه إلى هامش السياسة.
ومرة قالوا إن الديموقراطية الداخلية تحتاج إلى حزب يغني أغانيها صباح مساء في بيوت الأعيان والأثرياء القادمين من الإدارة..
كل ذلك قالوه وبقي الاتحاد ..
لذلك لا يمكن أن يقدم الانتصار المحتمل للاتحاد كما لو أنه مفاجأة.
أسأل زملائي الأعزاء: أي حزب تجرأ على وضع أجندة للإصلاحات على ملك البلاد، سواء كان في المعارضة أو في الحكومة؟ أي حزب قال بضرورة الإصلاحات الدستورية العميقة، قبل الربيع بسنتين…
أي حزب، مهما بلغت درجة ضجيجه استطاع أن يتحدث عن الملكية البرلمانية بوضوح وبلا لف أو دوران.
الاتحاد، وهو في عز الصراع مع المرحوم الحسن الثاني، رفع الملكية البرلمانية.
والاتحاد الاشتراكي، وهو في عز الاعتزاز بالعمل إلى جانب محمد السادس، رفع شعار الملكية البرلمانية.
وهو ما يعني أن الاتحاد لم يفقد من قوته الإصلاحية، أو أن هذه الأخيرة فقدت من قوتها لديه.
الحقيقة الساطعة هي أن القوة الإصلاحية، باعتبار الاتحاد حركة إصلاحية، ذات مضمون اجتماعي ورسالة تاريخية بقيت محفوظة .
بل إن أحزابا بكاملها وجدت فقط لكي تنال من هذه القوة الإصلاحية،
ولعل الزملاء في اليومية المحترمة جدا يدركون معنا بأن حملات واسعة وعقابية نظمت ضد الاتحاد لأشياء بعضها تافه والبعض الأخر مغرض، والبعض الثالث ملفق.
من هو الحزب الذي نال أكبر عملية تشويه في تاريخ التوافق السياسي والإجماع الوطني؟
لا شك أن المغاربة يعرفون الجواب.
وسيستمر الاتحاد ما دامت رسالته قائمة، وعندما سيختار الشعب آخرين سينصاع الاتحاد لإرادة الشعب.
لأنه الذي كان يقول دوما إن الشعوب لا تقرر الديموقراطية بل تتعلمها بالممارسة في الوقت الذي كان آخرون يبنون وجودهم على غياب الشعب المغربي.
وكانوا في أحسن الأحوال يعتبرونه .. الشعب المغربي الشقيق.
أعرف أن القلم الذي كتب الخبر في يومية زميلنا المحترم توفيق بوعشرين، قلم يحدوه الحب والود، وكان لابد من هكذا توضيح حتى لا تستقر في الأذهان أن حزب الشهداء وقوافل المناضلين يمكن اعتبار فوزه .. حظا.
وأعرف، أيضا، أن السياسة والانتخابات اليوم لا تفعل فيها فقط القيم والتاريخ المشرق ودرجة الإيمان بالشعب وسيادته، لكن ليست لنا بالمقابل أوهام كبرى، ولا يوتيوبيا معلقة في الهواء، نعرف أن الوهم كان في محطات سابقة كافيا لكي يدك صرحنا ويخلق لنا أزمات كبرى.
لهذا نحلم ولا نتوهم.